هل تنجح المعارضة السورية في استثمار انتصاراتها في جنيف؟

تعود الأنظار لتتجه مجددا الى أروقة جنيف في محاولة أممية جديدة لإحياء العملية السياسية حول الأزمة السورية في المشاورات المرتقبة، والتي من المقرر ان تبدأ الاثنين المقبل في الرابع من أيار القادم وتستمر من أربعة إلى ستة أسابيع حتى تتوصل الاطراف السورية الى قواسم مشتركة. حيث من المتوقع أن تستأنف، المشاورات الدولية حول الأزمة السورية بدعوة من الوسيط الدولي دي مستورا، الذي دعا أيضا إيران للمشاركة في تلك المباحثات للمرة الأولى، بعدما تم استبعادها من الجولتين السابقتين.
ورئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض خالد خوجة، أكد مشاركة الائتلاف في هذه المشاورات، لكنه رفض أي تسوية سياسية لا تتضمن رحيل الأسد. وجدد الائتلاف، دعوة المجتمع الدولي إلى انعطافة حقيقية في مستوى الدعم والتنسيق المقدم لقوى الثورة السورية بعد الانتصارات”، التي تفرض تغييرا لموازين القوى على الأرض.
وفي هذا السياق، أشار المبعوث الاممي ستيفان دي مستورا الى انه وجه الدعوة الى أطياف المعارضة وممثلين عن النظام، والى قوى إقليمية معنية بالأزمة السورية ومنها ايران، مؤكدا عدم مشاركة الجماعات الإرهابية في هذه المشاورات. يأتي ذلك، في وقت دعت الخارجية الأميركية طهران الى التوقف عن دعم نظام الأسد إذا كانت جادة في إنهاء الصراع الذي دخل عامه الخامس. وفي السياق ذاته، أكدت روسيا استعدادها والأمم المتحدة لتنسيق الجهود من أجل تسوية النزاع السوري مع الأخذ بعين الاعتبار نتائج لقاءات موسكو التشاورية بين وفدي الحكومة والمعارض.
وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف أشار الى ان ايران يجب ان تكون طرفا في أي محادثات بشأن سوريا. وقال “آخرون يحاولون استبعاد ايران وهو ما يضر بمصلحتهم.” وقال ظريف متحدثا في جامعة نيويورك “الشيء الوحيد الذي منع وقف اطلاق النار … كان شرطا مسبقا” بألا يكون الاسد طرفا في أي حكومة انتقالية في سوريا. ورأى أن مطالب بعض الدول الغربية والعربية الاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد أذكت سنوات من اراقة الدماء ولا ضرورة لها لانها حالت دون اجراء مفاوضات حول تسوية سياسية. ورفض ظريف التلميح الي أن متشددي تنظيم الدولة الاسلامية كانوا قادرين على اجتذاب مجندين جدد بسبب انتهاكات جيش الاسد، وقال: “الناس الذين يتهمون حكومة سوريا والذين يقولون ان حكومة سوريا مسؤولة عن دماء كثير من الناس عليهم ان يخلوا بانفسهم ويفكروا في الاسباب التي منعت وقفا لاطلاق النار في سوريا قبل سنوات قليلة.”
الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضىة أكد في بيان له مشاركته في المشاورات الدولية في جنيف بوفد يرأسة رئيسه خالد خوجة، الذي التقى ممثلين من القوى الثورية والعسكرية وممثلين عن المجالس المحلية المنتخبة في اسطنبول قبل أيام، وبحثوا شؤون الثورة سياسياً وعسكرياً وإغاثياً، وتوقفوا عند الانتصارات التي حققتها قوى الثورة وحلفاؤهاعلى مختلف الجبهات من الجنوب إلى الشمال.
وضم الاجتماع ممثلين عن جيش الإسلام، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، فيلق الشام، كتائب ثوار الشام، فيلق حمص، جيش اليرموك، جبهة أنصار الإسلام، جيش الأبابيل، تجمع فاستقم كما أمرت، ألوية الحبيب المصطفى، الفرقة 96، مجلس محافظة إدلب وآخرين. واتفق المجتمعون على خمسة بنود منها أن: “لا حل إلا بإسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته وأجهزته الأمنية، وألا يكون لرأس النظام وزمرته الحاكمة أي دور في المرحلة الانتقالية وفي مستقبل سورية”.
كما اتفقوا على “العمل لتحقيق أعلى درجة من التوافق والتنسيق بين قوى الثورة والمعارضة السياسية والعسكرية، وحماية القرار الوطني المستقل مع الاستمرار بالتنسيق والتعاون مع حلفاء الثورة وأصدقائها”.
وتوجهوا إلى “جميع السوريين أينما كانوا وكائناً ما كانت انتماءاتهم للانضمام إلى الثورة والمشاركة في جميع الجهود لوقف أعمال القتل والتدمير، والوقوف في وجه أي مخططات لتقسيم البلاد أو تأهيل النظام وإعادة إنتاجه”.
وأكد المجتمعون “أن وحدة الدم السوري تفرض أن يكون الحل كاملاً وشاملاً لكل القضية السورية”، كما تم الاتفاق على “تشكيل لجنة لمتابعة وتنسيق الشؤون المشتركة واقتراح حلول للقضايا العالقة”.
مشاورات ديمستورا تلك تأتي بعد نحو ثلاثة أعوام من بيان جنيف في 30 يونيو 2012، وإن كان لا يعلق عليها آمالا كبيرة للنجاح، فإنها تعيد الملف السوري الى واجهة الاهتمام الدولي، وتعيد إالحياة للعملية السياسية المتوقفة، لا سيما بعد فشل محاولات ديمستورا الحثيثة السابقة إقامة منطقة آمنة في حلب.
مشاورات جنيف الثالثة تأتي وسط موازين قوى عسكرية جديدة فرضتها انتصارات فصائل المعارضة على جبهات القتال المختلفة، وبعد تحرير إدلب وحماه ومنطقة جسر الشغور الاستراتيجية، والتي اظهرت تحولا في عمل الفصائل المختلفة وقدرتها على التعاون والتنسيق فيما بينها، وهذا ما انعكس ايضا على جبهتي الجنوب والوسط حيث أعلنت أربع فصائل مقاتلة في منطقة القلمون التجمع تحت مسمى “واعتصموا بحبلِ الله”. ويهدف هذا التجمع الجديد إلى استرجاع المساحات التي سيطرت عليها قوات الأسد ومقاتلين من حزب الله والحرس الثوري الإيراني. ويضم التجمع الجديد كل من لواء الغرباء، وكتائب السيف العمري، ولواء نسور دمشق، وتجمع رجال من القلمون، حسب ما جاء في بيان نقله موقع “مسار برس”.
وفي أكبر عرض عسكري شهدته الثورة، تخرج أكثر من 1700 مقاتل في الغوطة الشرقية من معسكر تدريبي لـ «جيش الإسلام» بقيادة زهران علوش الذي عاد قبل ايام من زيارة الى تركيا ودول خليجية. وتخلل العرض العسكري مناورات عسكرية لمدرعات واستعراض لمهارات القتال و “وحدات الانغماسيين”
علوش وصف الوضع العسكري في دمشق وريفها يسير بشكل جيد، ولا سيما بعد الانتصارات الأخيرة التي حققها الثوار ضد قوات الأسد وتنظيم الدولة، حيث تمكنوا من السيطرة على عدة نقاط في منطقة طيبة بحي جوبر كان يتحصن بها عناصر لقوات الأسد”، حسب ما جاء في “مسار برس”. وأضاف علوش أن الثوار تمكنوا من “تطهير” أحياء تشرين وبرزة والقابون من تنظيم “داعش”، وسيطروا على الحجر الأسود، معقل التنظيم الرئيسي في دمشق، واعتقلوا “أميره”.
كما أشار علوش إلى أن الثوار في الغوطة الشرقية أحرزوا تقدما في بلدة زبدين، حيث استعادوا العديد من النقاط كانت قوات الأسد تسيطر عليها. وفي القلمون أيضا تم استعادة منطقة المنقورة من تنظيم “داعش” وقتل حوالي 30 من عناصره.
في سياق آخر، اندلعت اشتباكات عنيفة بين الثوار وقوات الأسد المدعومة بمقاتلين من حزب الله في جرود القلمون، ما أسفر عن تدمير 3 آليات عسكرية ومقتل 6 عناصر منها. وفي غوطة دمشق الغربية، استهدف الثوار “الفوج 137” في بلدة خان الشيح بالمدفعية. وتزامن ذلك مع اشتباكات بين الثوار وقوات الأسد التي قصف طيرانها الحربي المنطقة بالصواريخ.
متغيرات الداخل السوري والمتوقع ان تتصاعد قبل وخلال مشاورات جنيف، ما كانت لتحصل لو لم تفرض “عاصفة الحزم” مفاعيلها على الاقليم، فانشغال إيران بالأوضاع اليمنية الملتهبة وبالأوضاع المتفاقمة في العراق، أشعر بشار الأسد بأنَّ حلفاءه بدأوا يتخلون عنه، وأنَّ “الحنفية” التي كانت تضخُّ الأموال عليه قد توقفت، وأن نهايته باتت قريبة. وأنَّ كل هذه المستجدات قد جعلت المتحلقين حوله يفقدون الأمل به وبأنفسهم، وهذا أضعف معنويات ما تبقى من جيشه وجعلهم يتركون مواقعهم من دون أي قتال وأي مقاومة في إدلب وفي جسر الشغور وفي العديد من المواقع والحواجز في ريف حماه وأيضًا في العديد من المواقع في الجبهة الجنوبية.
لقد أصبح بشار الأسد عمليًا في حالة انهيار معنوي، وأصبح بلا جيش متماسك ومنضبط، وأصبح قتاله ضد الجيش الحر وقوى المعارضة بالمروحيات وبالبراميل المتفجرة، وهنا ما بدا أن قوى المعارضة السورية قد التقطت تلك اللحظة التاريخية واستوعبت المد الايراني وتدخل مقاتلي حزب الله في المعارك وبدأت عملية تغيير موازين القوىمشاورات الجولة الثانية إبان إدارة الأخضر الابراهيمي للملف السوري.
فوزي ابوذياب