أي رسائل أراد رئيس «التقدمي» توجيهها؟

صلاح تقي الدين (المستقبل)

لم تكن المواقف التي عبّر عنها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، وخصوصاً تلك المتعلقة بـ«عاصفة الحزم« التي شنّتها المملكة العربية السعودية لإعادة الشرعية اليمنية بعد الانقلاب الذي نفّذه «بضعة حوثيين مدعومين من إيران« عدّة وعديداً وتمويلاً، ضد الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، تهدف إلى التعبير عن رأي سياسي بهذه الأحداث تأييداً فحسب، إنما كان يحاول أن يشير إلى أن مهاجمة «حزب الله» للمملكة وقيادتها ستكون لها تداعيات سلبية كثيرة على الجالية اللبنانية فيها، والتي تساهم في إبعاد شبح العوز عن عائلاتها في الداخل، وتساهم في تحريك عجلة اقتصاد مزرٍ تسوء حالته عاماً بعد عام.

وإذا كان جنبلاط قد عبّر عن «خيبة أمل» بخطاب نكران للجميل صدر عن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله تجاه المملكة، إلا أنه في موقفه الأسبوعي لجريدة «الأنباء» الناطقة باسم الحزب «التقدمي الاشتراكي»، سجّل من باب «حقّه في الاعتراض» موقفاً مماثلاً، انتقد فيه التعرّض لدولة الإمارات العربية المتحدة، ما ينسجم تماماً مع الموقف الذي عبّر عنه جنبلاط في اعتراضه على انتقاد المملكة العربية السعودية.

واستناداً إلى أوساط جنبلاطية، فإن رئيس «اللقاء الديموقراطي» في موقفه الحديث، عبّر عن رفضه «بعض الحملات التي تم التعرض فيها لدولة الإمارات العربية المتحدة التي لطالما وقفت الى جانب لبنان في المراحل الصعبة، وهي احتضنت ولا تزال تحتضن عشرات الآلاف من اللبنانيين«، مؤكّدةً لـ»المستقبل» أن جنبلاط أراد من خلال التذكير بواقع اللبنانيين المقيمين في الخليج، القول إن «فئة سياسية لبنانية، تعرّض جميع اللبنانيين في الخليج والإمارات تحديداً، وبعضهم من مؤيدي هذه الفئة، إلى احتمال ترحيلهم، وهذا ليس مأزقاً يمكن تجاوزه بسهولة ويسر أو في وقت قصير، بل إن تداعياته أكبر بكثير حتى من قدرة هذه الفئة السياسية على تحمّله».

وتشير الأوساط إلى أنه «من الواضح أن موقف السيد نصرالله لم يلقَ ترحيباً لدى اللبنانيين الذين اعترضوا جملة وتفصيلاً على التعرّض للمملكة، وهم سيعترضون على التعرّض للإمارات أو لأي دولة عربية أخرى، خليجية أو أفريقية، ذلك أن المصلحة اللبنانية العليا تكمن في الاصطفاف إلى جانب العرب، وحماية مصالح اللبنانيين في الدول العربية أولاً وأخيراً».

وتضيف «حتى حلفاء حزب الله لم يستطيعوا التعبير عن تأييدهم لخطاب نصرالله المتطرّف وغير المبرّر، واللافت كان أنه حتى بين أبناء الطائفة الشيعية الكريمة، برز نوع من التململ إزاء التعرّض غير المسبوق للمملكة، ذلك أن الكثيرين منهم باتوا يخشون ما قد يتعرّضون له من حرمان لإقامات أبنائهم أو أقاربهم أو ترحيلهم بسبب هذه المواقف، وسيخسرون بذلك مصدر رزقهم وعيشهم، وأصبحوا يتساءلون في العلن بعدما كان ذلك في السر، لماذا؟ وكرمى لعيون من؟».

وكان جنبلاط قد أشار إلى أن الجالية اللبنانية في دولة الإمارات «تقطن في ذاك المجتمع منذ عقود وتتفاعل معه إيجاباً وتعتاش من خيراته. فلماذا هذه المواقف غير المبررة؟ لبنان بغنى عن مشاكل قد تتولد عن ترحيل اللبنانيين من الخليج العربي وهم الذين يساهمون بشكل كبير في الصمود الاجتماعي والاقتصادي في لبنان«.

وفي التداعيات الاقتصادية التي قد تترتّب على ترحيل اللبنانيين من الخليج، نتائج جسيمة لا يستطيع بلد مثل لبنان، قام ويقوم أساساً على قطاع الخدمات الذي تراجع إلى مستويات متدنية جداً مقارنة مع المنافسين التقليديين له، وعلى التحويلات التي يرسلها اللبنانيون من الخارج والتي تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد، فإن موقف جنبلاط يصبّ في خانة «تذكير من يريد أن يجرّ لبنان واللبنانيين إلى مغامرة تأييد أحلام الامبراطورية الفارسية بالخسائر الجسيمة التي قد تترتّب على مثل هذه المغامرة».

وفي السياسة، تعيد الأوساط التذكير «بما دفعه لبنان واللبنانيون بسبب تخييرهم في فترة الحرب الأهلية غير المأسوف عليها ما بين العروبة وإسرائيل«، مشبّهة ما يجري حالياً بأنه «تخيير اللبنانيين مجدّداً بين العروبة والفرسنة وموقف جنبلاط في هذا المجال واضح وجلي ولا يحتاج إلى شهادة حسن سلوك من أحد«.

لا يسهى عن بال اللبنانيين، تتابع الأوساط، أن «جنبلاط طالما تفاخر بالتعريف عن نفسه بأنه عربي لبناني مسلم، وهذا موقفه الثابت ولا يبني حساباته السياسية إلا انطلاقاً من هذه المسلّمة، وهو بذلك واضح في أن مجاراة أحلام الامبراطورية الفارسية، لا يمكن أن يقبل بها وينصح بعدم سلوك هذه الطريق لأن الاعتراض عليها سيكون مدوياً».

وإذا كان موقف «حزب الله» ضد المحور العربي الجامع الذي تجلّى في قمة شرم الشيخ الأخيرة والتي أيدت «عاصفة الحزم»، وهجوم نصرالله الحاد ضد المملكة العربية السعودية، تناغم بالكامل مع موقف إيران، وهو الناطق باسمها في لبنان، فإن مؤشرات كثيرة تلوح في الداخل وفي بيئة «حزب الله» الحاضنة تحديداً، تشي بأن «صورته« اهتزّت بسبب هذا الموقف، خصوصاً أن مصالح قاعدته مترامية ومنتشرة في الخليج عموماً، وقد يطيح بها موقفه «بشحطة قلم».

لا شك في أن جنبلاط بارع في تسجيل مواقفه السياسية المنطلقة من مسلّمات وقد تبدو للبعض أنها متغيّرة، غير أن حساباته تكون مبنية في بعدها الأعمق على المصلحة الوطنية العليا، و»الصديق اللدود» لجنبلاط الرئيس نبيه بري أبرع من يقرأها. أليس هو القائل عنه أنه «عند الملمات، لا يضيّع وليد البوصلة»؟.

اقرأ أيضاً بقلم صلاح تقي الدين (المستقبل)

كاسر الأعراف والتقاليد

ليت «عدوى» الجبل تصيب كلّ لبنان

لبنان على «رادار» الصحافة العالمية

عندما يعطى جرم سماحة «المؤبد» في بريطانيا!

هل تكون «كوباني» الجنوب السوري؟

الموحّدون في سوريا يُسقطون «السلاح» .. المشبوه

انهيار النظام السوري بات وشيكاً

تهديد رئيس «التقدمي» رسالة .. أخطأت العنوان

بين جنبلاط والحريري.. ونصرالله

يحق لـ «أبو تيمور» التقاعد.. ولكن

«الاشتراكي»: موقف وطني والتجاوب ضروري

تفاؤل بري الرئاسي دونه .. الحوار

جنبلاط لـ «المستقبل»: كيف أقف ضد السوريين الذين اختاروا إسقاط بشار؟

..عودة الدروز الى الجذور

تمديد التفاؤل من ساحة النجمة الى.. الساحة الحمراء

همّ الانتخاب من المختارة الى معراب

جنبلاط.. حراك في «أهرامات» الاعتدال

«ضربة المعلم» ترتد على.. نظامه

التمديد في مواجهة الشغور

رئيس «التقدمي» يثمّن عودة الحريري «لتعزيز الاعتدال»