ماذا يدور في مدينة “جسر الشغور” الاستراتيجية في سوريا؟

التراجع والتقهقر والتخبط هذا هو حال نظام بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين استنادا إلى واقع التطورات الميدانية في سوريا، حيث يجمع المراقبون بأن الانتصارات المتتالية التي تحققها المعارضة السورية على الأرض هي انتصارات نوعية واستراتيجية وتسقط جميع أكاذيب الماكينة الإعلامية لقوى الممانعة والمقاومة الزائفة التي حاولت أن تصور للرأي العام منذ حوالي  سنتين بأن الأمور في سوريا قد حسمت أو في طريقها نحو الحسم لصالح النظام المجرم.

 إلا أن الوقائع المتتالية تثبت بأن غرق ما يسمى بقوى الممانعة والمقاومة في المستنقع السوري لم يعد مجرد أزمة متفاقمة بخسائرها الفادحة وأعبائها المرهقة بل أصبح  يتحول إلى هزيمة ساحقة ستقلب وتغير موازين القوى والمعادلات الإقليمية من لبنان وسوريا مرورا بالعراق ووصولا إلى اليمن والبحرين وغيرها من المناطق.

وبحسب الأوساط المتابعة فأن  توتر قادة الممانعة والمقاومة على خلفية أحداث اليمن ليس سوى حجة واهية لتنفيس احتقاناتهم ومعاناتهم الكبيرة التي تكاد تنفجر جراء الضغوط التي يتعرضون لها من أقرب المحيطون بهم الذين باتوا يدركون بأن هزيمة مشروعهم في المنطقة العربية بات على قاب قوسين…بحيث  أن حقيقة هذا  التوتر غير المسبوق الذي أصاب مؤخرا بعض قادة ذلك المحور  خصوصا في لبنان ليس له علاقة باليمن بل سببه الرئيسي توالي الهزائم في الميدان السوري، خصوصا أن بعض قادة المقاومة والممانعة بالغوا وتسرعوا كثيرا في زف وعود الإنتصار في سوريا لجماهيرهم في حين أن الأحداث والتطورات لا تدل سوى على ان هؤلاء القادة يعيشون أسوأ الظروف بسبب أخبار الهزائم والخسائر التي تلحق بهم في سوريا وعلى نحو لم يعد في استطاعتهم تحمل أعبائه السياسية والإجتماعية في بيئتهم، وذلك ممن دون أن يكون لهؤلاء القادة المهزومون في سوريا  أي قدرة على الخروج من جحيم المستنقع السوري الذي أغرقوا أنفسهم به،  ولم بعد باستطاعتهم الخروج منه إلا باعترافهم الصريح بالهزيمة النكراء التي تلحق بهم في سوريا ومن ورائها في لبنان وكل أرجاء المنطقة من دون أي استثناء .

وفي هذا الإطار،أفاد ناشطون معارضون والمرصد السوري بأن الفصائل المعارضة السورية المسلحة مدعومة بجبهة النصرة، تمكنت من السيطرة على مدينة جسر الشغور الاستراتيجية وحواجزها كافة بشكل كامل للمرة الأولى منذ أربع سنوات .واعلن المرصد السوري لحقوق الانسان عن وجود 60 جثة على الاقل لعناصر من قوات النظام في شوارع المدينة.

وقال المرصد في بريد الكتروني “أبلغت مصادر موثوقة المرصد السوري عن مشاهدة ما لا يقل عن ستين جثة لعناصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها بينهم ضباط، قتلوا خلال السيطرة على مدينة جسر الشغور اليوم”.
وبحسب الناشطين، فاق عدد قتلى قوات النظام خلال المعركة الأخيرة والتي امتدت على مدار ثلاثة ايام نحو مئتين وخمسين ..وأفادت لجان التنسيق عن سيطرة فصائل المعارضة بشكل كامل على مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، حيث نجحت فصائل المعارضة في السيطرة على المربع الأمني داخل مدينة جسر الشغور بعد اشتباكات عنيفة مع قوات النظام مستمرة منذ الخميس الماضي وسط فرار عناصر الأسد.وتعتبر مدينة جسر الشغور مدينة استراتيجية، حيث تفتح الطريق أمام الثوار باتجاه محافظة اللاذقية.

وقال مدير المرصد السوري، رامي عبدالرحمن “دخلت جبهة النصرة وكتائب إسلامية اليوم إلى مدينة جسر الشغور بعد معارك عنيفة مع قوات النظام مستمرة منذ الخميس، وقد سيطرت على القسم الأكبر من المدينة”.وأضاف “تدور اشتباكات في بعض أحياء المدينة، بينما انسحب القسم الأكبر من عناصر قوات النظام”، مشيرا إلى وجود “آلاف المقاتلين من الكتائب وجبهة النصرة داخل المدينة”.

ووفق ما ذكرته فرانس برس، نقل التلفزيون السوري الرسمي في شريط إخباري عاجل نقلا عن مصدر عسكري أن “وحدات من الجيش والقوات المسلحة تخوض معارك عنيفة في جسر الشغور ومحيطها بريف إدلب”، دون تفاصيل إضافية.

وكان “جيش الفتح”، وهو تحالف يضم جبهة النصرة وفصائل إسلامية مقاتلة، أبرزها حركة أحرار الشام، أعلن منذ يوم  الخميس الماضي بدء “معركة النصر” الهادفة إلى “تحرير جسر الشغور”.وتحولت جسر الشغور عمليا إلى مركز إداري للنظام السوري بعد انسحاب قواته في 28 مارس من مدينة إدلب، مركز المحافظة، إثر هجوم لـ”جيش الفتح” الذي أعلن تأسيسه قبل “غزوة إدلب” كما أسماها.ورأى عبدالرحمن أن جسر الشغور “أكثر أهمية من مدينة إدلب، لأنها تقع على تخوم محافظة اللاذقية ومناطق في ريف حماة الشمالي الشرقي خاضعة لسيطرة النظام”.ولايزال النظام موجودا في بلدتين صغيرتين في محافظة إدلب، هما أريحا والمسطومة (على بعد حوالي 25 كيلومترا من جسر الشغور)، بينما مجمل المحافظة بين أيدي مقاتلي المعارضة، ولاسيما جبهة النصرة.

إلى ذلك، اعلن رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية خالد خوجة أن الانتصارات التي يحققها الثوار تفرض واقعا سياسيا جديدا لا بد من أخذه بعين الاعتبار، مشيرا إلى أن سيطرة الثوار على مدينة جسر الشغور الواقعة على الضفة الغربية لنهر العاصي بمحافظة إدلب، يمثل خطوة إضافية مهمة ومُنتظرة على طريق تحرير كامل التراب السوري.

وقال خوجة في بيان صحفي الأحد إن “ما يحققه الثوار من انتصار يتطلب انعطاف حقيقي في مستوى الدعم والتنسيق المقدم لقوى الثورة السورية، مما يمكن أن يُعجل من تقدم الثوار ويختصر قدرا كبيرا من المعاناة، ويحقن دماء الكثير من المدنيين”.

وأضاف رئيس الائتلاف أن “خطوات جادة في هذا الطريق يمكن أن تُجبر نظام الأسد على الرضوخ، خاصة في ظل ما يعانيه من تآكل داخلي ونزاعات وتصفيات طالت شخصيات مهمة في نظامه الأمني”.

ودعا خوجة إلى “تضافر الجهود من أجل التمهيد لانتقال سياسي كامل يقطع سلسلة الموت التي ينفذها نظام الأسد، ويفتح الباب أمام إعادة البناء والانتقال بسورية إلى دولة مدنية، مؤكدا على “سحب كافة أنواع الاعتراف القانوني بنظام الأسد المجرم”.

من جهة أخرى، اعلن المرصد السوري لحقوق الانسان ان الجيش السوري 23 معتقلا في احد سجونها في مدينة جسر الشغور (شمال غرب) قبل انسحابها منها السبت تحت ضغط هجوم شنته جبهة النصرة وكتائب اسلامية.ونشرت جبهة النصرة على احد حساباتها الرسمية على موقع تويتر صورة لجثث داخل غرفة بدا معظم اصحابها في سن الشباب، وعليها آثار دماء، كما يمكن مشاهدة دماء على الجدران، متحدثة عن “مجزرة ارتكبها الجيش النصيري قرب المشفى الوطني”.وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان “عناصر قسم المخابرات العسكرية في مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب أعدموا 23 معتقلاً قبل انسحابهم من منطقة المشفى الوطني في جنوب غرب المدينة”.واوضح ان المعتقلين كانوا محتجزين في مبنى تابع للمشفى، وان مقر المخابرات العسكرية يقع قرب المشفى.

___________________

(*) – الإفتتاحية – هشام يحيى