«إعادة الأمل»

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

فاجأت المملكة العربية السعودية العالم عندما أطلقت «عاصفة الحزم». وفاجأته بعد سبعة وعشرين يوماً عندما أوقفتها وأعلنت بدء مرحلة جددة هي «إعادة الأمل». ولا فصل بين العمليتين، لأن لكل عمل عسكري هدفاً سياسياً. المملكة من الأساس، صبرت، تجنّبت التدخّل، راهنت على مجلس الأمن، وصدقيته ومسؤولية القوى السياسية الداخلية في اليمن، ورغبة إيران في الوصول إلى تسوية. أطلقت العملية عندما بلغ الخطر حدودها وأمنها الداخلي واستقرارها. ومع ذلك استمرت تؤكد في خطابها السياسي ثابتين: لا نريد الحرب مع إيران وبالتأكيد في الداخل اليمني. ولابد من حل سياسي يتم التوصل إليه عبر الحوار على أساس المبادرة الخليجية. صحيح أن العملية توقفت قبل أن يعود الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته إلى اليمن. لكن الصحيح أيضاً أن قوات التحالف استمرت في توجيه ضربات لـ«الحوثيين» وحلفائهم عندما ظهر أن هؤلاء لم يقيموا اعتباراً للمبادرة الجديدة واستمروا في علمياتهم الأمنية، وأن المبادرات والاتصالات التي أدت الى وقف العملية أكدت ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن.

سبق القرار اتصالات بين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، والأخير ساهم بتمرير قرار مجلس الأمن عبر الامتناع عن التصويت وكان لابد من التواصل والتفاعل معه وحسناً فعلت القيادة السعودية. كذلك كانت حركة سياسية دبلوماسية لافتة في القاهرة، واتصالات مباشرة بينها وبين المملكة عبر الوزيرين الأمير سعود الفيصل وسامح شكري. واتصالات أميركية تركية عبر وزيري الخارجية، ومبادرة عُمانية واضحة النقاط تؤكد ضرورة انسحاب المسلحين «الحوثيين» وتسليم المواقع والأسلحة التي احتلت وصودرت إلى الشرعية وعودة الرئيس هادي وتشكيل حكومة يتفق عليها، وتقديم اقتراح بإدخال اليمن الى مجلس التعاون الخليجي. كذلك كانت اتصالات أميركية – إيرانية، وإيرانية – روسية، وإيرانية – عُمانية وكانت إيران أول من أعلن عن إمكانية صدور قرار بوقف العمليات العسكرية على لسان مساعد وزير الخارجية حسين عبد اللهيان. أما التوقيت، وهو مهم فقد جاء عشية العودة إلى التفاوض بين إيران ودول الـ 5+1 حول الإعداد لاتفاق نهائي بشأن ملفها النووي بعد الوصول إلى اتفاق الإطار في 2 أبريل الماضي، وقبل أسبوعين ونيف من لقاء الرئيس الأميركي مع قادة دول الخليج لوضعهم في صورة التفاوض مع إيران، وما آلت إليه الأمور. وسبق كل ذلك توجيه ضربة قاسية من قبل طيران التحالف لمواقع «الحوثيين» وحلفائهم دمرت قوتهم الصاروخية. وأعلنت المملكة أنها بذلك أزالت خطر استهداف المملكة ودول الجوار!

هل يعني كل ذلك أن الأمور ذاهبة إلى حل سياسي سريع؟ لا أتوقع ذلك! نحن في بداية معركة جديدة، وفصل جديد من الحرب. فإيران التي أعلنت منذ البداية أنها لن تسمح للسعودية بالانتصار، اعتبرت أن وقف العمليات هو بداية الهزيمة لأنها لم تحقق الأهداف التي أعلنتها وخلّفت وراءها خسائر بشرية ومادية هائلة، وانهالت التهم على المملكة وقيادتها في ظل الهجوم الإيراني المستمر.

إيران تدرك أن ثمة محاولة لاستخدام ما جرى للضغط عليها في المفاوضات النووية، وكذلك ما يجري في العراق والضغط على حكومة العبادي والحشد الشعبي، والاستعدادات لعمل ما في سوريا، وبالتالي ستحاول استخدام أوراقها المباشرة وغير المباشرة في الرّد على هذه الضغوطات، مما يعني أن الحرب الداخلية في اليمن ستستمر، وأن «الحوثيين» ومن معهم ووراءهم قد يقومون بعمليات للانتقام. وهذا ما يبدو واضحاً من خلال الحملة السياسية الإعلامية المركّزة التي يقومون بها. ومجدداً ينبغي مراقبة الحركة الأميركية. بمعنى، الاستفادة من الضربات العسكرية للإسراع في الوصول إلى حل سياسي على قاعدة قرارات مجلس الأمن المبنية على المبادرة الخليجية والذهاب إلى حركة فعلية لتنفيذ عملية «إعادة الأمل» لاسيما وأن خادم الحرمين الشريفين استبق كل ما حصل في الأيام الماضية بقرار كبير قدّم بموجبه مساعدة للأمم المتحدة بقيمة 274 مليون دولار لمساعدة الشعب اليمني، وبدأ الحديث عن مشروع لإعادة بناء البلد. فأي تأخير في هذه العملية يؤدي إلى عملية استنزاف من نوع آخر ستحاول القوى الأخرى ممارسته لكسب الوقت. كذلك ينبغي الانتباه إلى المرحلة الجديدة من التفاوض بين إيران والغرب لاسيما بعد الاتفاق التسوية الذي تم التوصل إليه في واشنطن بين إدارة أوباما والكونجرس، كما ينبغي التركيز على الوضع في سوريا لناحية تأكيد دعم المعارضة دعماً جدياً لتحقيق خطوات متقدمة على الأرض تفتح الباب لتغيير في موازين القوى يكون مؤثراً في الوصول إلى حل. هذه أفكار حول ما يمكن القيام به. الوقائع قد لا تتقاطع معها. لكن لابد من «إعادة الأمل»، بل لابدّ من التعلّق به والرهان عليه دائماً!