العربية السعيدة

منذ العصور القديمة، كانت “العربية السعيدة” تمثل الجزء الجنوبي الغربي من شبه جزيرة العرب؛ المكان الذي يسمى الآن؛ اليمن. في عام 1761، أرسل الملك الدنماركي فريدريك الخامس بعثة تتألف من خمسة علماء وخادم واحد لاستكشافها. الرحلة التي استغرقت تقريباً سبع سنين منحت أوّل خيوط الاستكشافات التي لفتت الانتباه في عموم أوروبا. الشخص الوحيد الذي عاد من تلك الرحلة حيّاً كان العالم الفلكي كارستن نيبور.

و”العربية السعيدة” عمل أساسي في الأدب الدنماركي، وهذا العمل حقق نجاحاً كبيراً للكاتب ثوركيلد هانسن عند صدوره في عام 1962، وكان المؤلف قد تناول العالم العربي قبل ذلك في كتابه “يوميات رحلة” الذي نشره عام 1959.

ككاتب، كان ثوركيلد هانس منغمساً بهموم العصر الذي عاش فيه، فاشترك بنشاط في عدة بعثات وحفريات. كان الرحالة الكبير في عصره إذ ظلّ هذا الكتاب الفذّ يدوّن يوميات رحلاته حتى رحيله في عام 1989.

عمله الكبير “العربية السعيدة” مبني على مصادر شاملة عن البعثة الدنماركية خلال السنوات 1761-1767، مدونة من قبل الباحث كارستن نيبور ورفاق رحلته الذين قضوا نحبهم جميعاً خلال تلك الرحلة. وحيداً عاد كارستن نيبور إلى الدنمارك مع نتائج البعثة المتنوعة. ثوركيلد هانس، الذي عرف العالم العربي من قبل من خلال عمله في التنقيبات الأثرية في مصر العليا والبحرين، كتب تفاصيل عديدة عن رحلة كارستن نيبور المثيرة تلك (…) صوّر ثوركيلد هانسن بدقة المرحلة الأخيرة من تلك الرحلة، والتي لم تكن بأقل إثارة من بدايتها، إذ قرر نيبور توثيق مدينتي القدس ودمشق، فرسم المدينتين إضافة إلى تدوينه ملاحظات دقيقة عن السكان هناك، عن ملابسهم وتقاليدهم، ليعود بعدها إلى كوبنهاجن عبر البلقان، ومن ثم إلى بولندا ومنها على متن سفينة إلى كوبنهاجن في الجزء الأخير من تلك الرحلة.

بدقة وصدق صور ثوركيلد هانسن كذلك عودة نيبور إلى أرض الوطن. (…) بقي نيبور في كوبنهاغن عشر سنوات لكي يعيد تنقيح مدونات الرحلة، فتزوج وأصبح لديه إبن وبنت، (…) وبعد أن كبر إبنه جورج كتب عن أبيه نيبور الذي أصبح أعمى بسبب جهوده المستميتة في نقل النقوش الهيروغليفية تحت شمس فارس الوهاجة.

وبعد ذلك الإبهار الذي خلف رواية “العربية السعيدة” أضحى ثوركيلد هانسن ممسكاً بفن أدبي جديد حصد نجاحاً باهراً، فعمل على استخدام الأسلوب الوثائقي في أعماله اللاحقة مثل “ينز مونك” (1965)، والكتب التي تناول فيها تجارة العبيد الدنماركية، وظروف العمل المروّعة في “الجزر العذراء” التي كانت مملوكة للدنمارك آنذاك.

ثوركيلد هانسن كان نموذجاً متفرداً في الأدب الدنماركي، وظف في مجمل أعماله موهبته وطاقته بشكل عال لتصوير كل ما هو متفرد في مواجهة ما هو عام، مثلما كان كنوت هامسون وكذلك كارستن نيبور.