الأمير شكيب أرسلان في مراحله الثلاث

احمد منصور

I– المرحلة الشكيب-أرسلانية الوطنية (1869 – 1914م)

إنها تبدأ من الطفولة الأرسلانية بالشويفات وانطلاقها نحو الدراسة التي انطلقت على أيدي مدرّسين خصوصيين كالشيخ مرعي شاهين سلمان والشيخ أسعد فيصل، فدخول مدرسة الأمريكان في حارة العمروسية ثم الانتقال إلى “مدرسة الحكمة” المارونية معقل الضاد، حيث درس العربية على الشيخ عبد الله البستاني، والفرنسية على الشيخ شاكر عون، والتركية على عبد السلام بك التركي، فإلى المدرسة السلطانية حيث أقام فيها سنة تمكّن الاستزادة من تعلّم التركية ومن درس الفقه، وإلى مجلة الأحكام العدلية في حضرة الشيخ محمد عبده حيث التوحيد والفقه. وهذا ما دفعه إلى القول في ما بعد: (إني أعلم من هذا الأمر ما لا يعلمه غيري).

وفي سنة 1887 ولاّه المتصرّف واصه باشا مديرية الشويفات التي كان يشغلها والده قبل وفاته وبقي فيها سنتين. أقام في الآستانة سنتين، ذهب بعدها عام 1892 إلى باريس ولندن فلقي أحمد شوقي في الأولى. وفي عام 1895 تعرّف على الشيخ محمد رشيد رضا عاقدين أخوّة عمر استمرّت حتى الموت.

عُيّن قائمقاماً للشوف عام 1902 لأشهر معدودة، ثم مرة أخرى في المنصب نفسه من عام 1908 – 1911م.

II– المرحلة الوطنية العثمانية (1911 – 1925م)

قبل الدخول في هذه المرحلة يجدر التنويه بأن الأمير لم يكن ليتوقّف أبداً عن ممارسة دوره خارج السلطة أو داخل السلطة، فهو دائماً مستنفز للدفاع عن قضايا أمته. فها هو يرافق مع فريق من المجاهدين أنور باشا قائد الحرببة العثمانية عام 1911 محارباً القوات الإيطالية في ليبيا، وبقي هناك حتى آب 1912.

ومن ليبيا ينتقل إلى بلاد البلقان ليوزّع الإعانات التي جمعت من مصر على المسلمين هناك.

في عام 1913 يدخل السياسة من بابها الأوسع بانتخابه نائباً عن حوران في مجلس (المبعوثان) العثماني، وهذا ما سيثبّت موقعه الصاعد كوجهٍ من أهم وجوه السلطة العليا الرسمية في الخلافة العثمانية، فترسله الآستانة إلى المدينة المنوّرة مؤسّسا (لمدرسة دار الفنون). ومن عام 1914 – 1916 يقيم ميدانياَ في لبنان وفلسطين. وفي صيف 1918 ينتدبه أنور باشا (كسفير فوق العادة إلى برلين في مهمة سرية استطلاعية، فينتقل بين همبورغ وكولونيا وإسن وفرنكفورت وميونيخ، حيث الغرض الأساسي منها كان إقناع ألمانيا بالإعتراف باستقلال أذربيجان والداغستان.

في سنة 1918 انتقل إلى سويسرا بعد انهيار الدولة العثمانية وبقي فيها حتى أوائل عام 1920، ثم عاد إلى ألمانيا في مهمة أخرى فاستقر فيها وقتياً، وساهم في تأسيس (النادي الشرقي) حيث انتخبوه رئيسا له، وانتُخب عضو شرفٍ في المجمع اللغوي بدمشق، وفي عام 1921 أرسله أنور باشا إلى موسكو للقيام بجولة استطلاعية. ومن 25 آب إلى 21 أيلول من العام نفسه حضر المؤتمر السوري الفلسطيني في جنيف (سويسرا) فانتُخب سكرتيراً عاماً وعضواً في اللجنة التنفيذية المؤلفة من عشرة أشخاص. طالب المؤتمر باستقلال سوريا ولبنان وفلسطين والاعتراف بحق كلٍّ منها في الاتحاد وإعلان إلغاء الإنتداب عنها.

من جنيف انتقل إلى لندن مدافعاً عن القضايا نفسها. وفي سنة 1923 أذاع بياناً على الأمة مستبقاً بذلك ميثاق جامعة الدول العربية الذي وضع عام 1945.

لقد قال له الملك الأول تعليقاً على ذلك: [أشهد أنك أول عربي تكلم معي في الوحدة العربية وأراد أن تكون وحدة (عملية)].

III– المرحلة الإسلامية العربية (1924 – 1946م)

بدأت هذه المرحلة بإقامته في بلدة مرسين التركية على الحدود السورية، كي يكون في منأى عن قبضة الانتداب الفرنسي. نستطيع اختصارها بصرخته المدوية: (أزفّت ساعة الاتحاد أيها العرب، والقضية ليست قضية تاج ولا صولجان، وإنما هي قضية الأمة العربية التي ينبغي أن يكون أمرها فوق الإمارات والولايات. وإنه خير للمرء أن يكون راعي ضأن في عزّقومه من أن يكون السلطان الأعظم على قوم أذلاء).

لقد حمل الأمير في ما بعد على أتاتورك و الكماليين، حملاتٍ شرسة مركّزاً على الرابطة الدينية و محوريّتها، مستنهضاً الشعوب العربية الإسلامية ضد الغرب. فلا غرو أن أطلقوا عليه (المجاهد الأول) في المشرق و (أمير الإسلام) في ما بعد في المغرب.

فضح الأمير الألاعيب التي تقوم بها فرنسا مع تركيا على حساب سورية لسلخ أنطاكية و الإسكندرون عنها. وفي المغرب العربي منعوا كل كتابة عن الأمير، ففرنسا كانت تصادر أي كتاب له علاقة به. ويكفي ورود اسم الأمير كي يُمنع الكتاب.

كانت فرنسا قد اتصلت بالأمير، آملةً أن يكون لها عوناً على ٍإيقاف الثورة السورية الكبرى. إلا أن انتصار الفرنسيين قطع الطريق على الفكرة. غير أن هذا ما منعه على متابعة القضية السورية في جنيف لدى عصبة الأمم حيث غدت هذه المدينة مركز نشاطه من أجل القضية العربية حتى عام 1946.

ونظراً لخطورة الدورة الذي يقوم به الأمير. لكأنه القائد العربي الإسلامي لأمة بلا دولة، فقد صرّح أحد الضباط الفرنسيين بقوله: (عندما تقع حرب أوروبية ينبغي قبل كل شيء أن يزحف الجيش الفرنسي إلى جنيف ويقبض على شكيب أرسلان).

زار الأمير الولايات المتحدة في شتاء 1927 بدعوة من (حزب سورية الجديد)، وحضر المؤتمر السوري المنعقد في ديترويت في كانون الثاني 1927، كما سافر إلى موسكو في تشرين الثاني عام 1927 ليحضر الذكرى العاشرة لثورة أكتوبر. كذلك حجّ إلى مكة عام 1929، ومرّ على مصر للاتصال برفيق عمره الشيخ رشيد رضا. واتجه إلى المؤتمر الإسلامي العام في القدس سنة 1930. وزار إسبانيا صيف 1930 بعد أن مرّ بباريس، كما زار تطوان في المغرب العربي الأقصى.

 أصدر سنة 1930 مجلة (الأمة العربية) الشهرية بالفرنسية في جنيف، واستمرت حتى بدء الحرب العالمية الثانية. وقد كان لها دور في منتهى الأهمية كونها كانت تصدر في جنيف مقرّ (عصبة الأمم) من جهة، وكونها بالفرنسية من جهةٍ أخرى لتغطّي أصقاع المعمورة بمستجدات القضية العربية الإسلامية على الساحة الدولية.

التقى الأمير شكيب، الملك فيصل الأول في شهر أيلول 1930 مدة ثلاثة أيام متواصلة في أوغندا. وقد حضر الإجتماع كل من إحسان الجابري و محمد رستم حيدر، وكان محور الإجتماع وحدة سوريا والعراق وأهمية هذه الوحدة وضرورة التعبير بتحقيقها ثم الإنطلاق إلى وحدة أوسع مع المملكة العربية السعودية والمملكة اليمنية. وقد توفي الملك فيصل الأول في برن عام 1933 حيث كان الأمير بصحبته.

وفي سنة 1934 قابل ورفيق نضاله إحسان الجابري، الزعيم موسوليني وتباحثا معه في موضوع القضية الطرابلسية فاستطاعا إقناع إيطاليا بإعادة 80 ألف عربي ليبي إلى وطنهم مع حقهم باسترجاع أراضيهم في برقة وطرابلس الغرب.

سافر الأمير مع وفد ضمّ هاشم الأتاسي والحاج أمين الحسني ومحمد علوية إلى الحجاز عام 1934 حيث الحرب كانت على أشدها بين السعودية واليمن، وتوصّل الوفد إلى عقد معاهدة صلح بين الشقيقين العربيين. وفي السنة ذاتها شارك في مؤتمر إسلامي عقد في مكة. وقد كانت زياراته لا تتوقف في بلدان البلقان، وتوصّل إلى عقد مؤتمر إسلامي ضمّ ممثلي المسلمين في جميع الدول الأوروبية بجنيف عام 1935.

 أذنت له السلطات الفرنسية المستعمرة بالعودة إلى لبنان في حزيران 1937، إلا أنه سرعان ما عاد إلى جنيف في السنة نفسها نظراً لعدم ارتياحه للسياسة الفرنسية في بلده لأنها لا تحترم تعهّداتها. وفي 6 كانون الأول صدر مرسوم جمهوري بتعيينه رئيساً للمجمع العلمي العربي في دمشق، وسافر إلى مصر في طريقه إلى سوريا وبقي فيها أربعة أشهر لكنه عدل عن متابعة سفره بسبب حنث فرنسا بوعودها بصدد إستقلال سوريا.

كرّرمراراً موقفه: (من البدء لم أقبل رئاسة المجمع العلمي إلا على اعتقاد تنفيذ المعاهدة السورية الفرنسية، ولا أزال على هذه النية، فإن وجدتُ سورية وطني دولة مستقلة كسائر الدولة المستقلة تربطها بفرنسا معاهدة تحالف لا غير فلا أتأخر طرفة عين عن السفر إلى دمشق والقيام برئاسة المجمع، إلا أنّ كان هناك خلاف ما، فنحن منتظرون). وعاد من مصر إلى جنيف حيث بقي فيها طيلة الحرب إلى أن عاد إلى لبنان في 30 تشرين الأول 1946 حيث توفي نتيجة الإرهاق واستقبال الناس وكتابة الرسائل على أثر نزيف شرايين الدماغ في 9/12/1946، وكانت وصيته الشفهية الوحيدة إلى الكاتب و الصحافي عبد الله المشنوق: (لي وصية واحدة أودّ أن أوصي بها فهل تعدني بأن تنقلها إلى العالم العربي بعد وفاتي… أوصيكم بفلسطين).

تراث الأمير                              

لقد شغل الأمير ساح البيان أكثر من نصف قرن، فكان نبضاً لا يتوقف على الورق من (المُوحى) إلى المرسل في مختلف نواحيه كالرسالة والمقالة والدراسة والمذكرات، وقد كان الكمّ الذي أنتجه يتجاوز قدرات الكثيرين. وليس كل ما كتبه (حسب اعتقادي) متوفراَ للقارئ في أي بلد عربي أو إسلامي أو غربي.

– ينقسم تراث الأمير إلى قسمين: القسم المنشور و القسم المخطوط:

ففي الأول:

–  (باكورة) ديوانه الشعري.

–  (خلاصة تاريخ الأندلس إلى سقوط غرناطة).

– (أعمال الوفد السوري الفلسطيني) “البيانات والمذكرات و المطالب التي قدمها الأمير مع إحسان الجابري إلى جمعية الأمم في جنيف”

– (حاضر العالم الإسلامي جزءان، تأليف ل. ستودارد، ترجمة عجاج نويهض وتعليقات الأمير)

– (المسألة السورية).

–  (لماذا تأخّر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم؟)

– مجلة (الأمة العربية) بالفرنسية (1930 – 1939) 38 مجلداً.

–  (تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط).

– (الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقداس مطاف).

–  (تاريخ ابن خلدون) – تعليق الأمير على الجزء الأول والثاني.

– (الحلل السندسية في الأخبار و الآثار الأندلسية)، ثلاثة أجزاء.

– (شوقي أو صداقة أربعين سنة).

–  (السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة)

– (الوحدة العربية).

–  (النهضة العربية في العصر الحديث). الدار التقدمية 2008.

–  (البيان عمّا شهدته العيان)

– (محاسن المساعي في مناقب الإمام الأوزاعي). الدار التقدمية 2008.

– (القول الفصل في ردّ العالميّ إلى الأصل).

–  (عروة الإتحاد بين أهل الجهاد). الدار التقدمية 1988- 2009.

–  الأمير شكيب أرسلان في تعريب وقائع آخر بني سراج الدار التقدمية 2009.

– الأمير شكيب أرسلان: إلى العرب (بيان عن حزب اللامركزية) الدار التقدمية 2009.

– الأمير شكيب أرسلان: اللاميات الثلاث في مناهل الأدب العربي: الدار التقدمية 2008.

–  الأمير شكيب أرسلان: الإسلام والحضارات الدار التقدمية 2011.

–   الأمير شكيب أرسلان: سورية الشهيدة الدار التقدمية 2009.

– الأمير شكيب أرسلان: من واحة السنة والأدب الدار التقدمية 2009.

–  الأمير شكيب أرسلان: خلاصة تاريخ الأندلس الدار التقدمية 2009.

–  الأمير شكيب أرسلان: مدونة أحداث العالم العربي الدار التقدمية 2008.

–  الأمير شكيب أرسلان: ولاء حتى الفناء الدار التقدمية 2011.

–  الأمير شكيب أرسلان: الرسائل المتبادلة بين الأمير والشيخ عبد العزيز الثعالبي الدار التقدمية 2011.

– الأمير شكيب أرسلان: عروة الإتحاد بين أهل الجهاد الدار التقدمية 2009.

–  الأمير شكيب أرسلان: النهضة العربية في العصر الحاضر الدار التقدمية 2008.

–  الأمير شكيب أرسلان: أعمال الوفد السوري الفلسطيني الدار التقدمية 2009.

أما القسم الثاني غير المنشور فمنه:

–  (بيوتات العرب في لبنان).

–  (تاريخ بلاد الجزائر).

– (البحث عن طرابلس وبرقة).

–  (الحالة السندسية في الرحلة البوسنية).

–  (مدنية العرب).

–  (تاريخ لبنان).

أما القسم الثالث فهو ما كتب عن الأمير:

 د. أحمد الشرباصي: شكيب أرسلان داعية العروبة والإسلام دار الجيل ط2 1978.

 نجيب البعيني: ذكريات الأمير شكيب أرسلان دار نوفل 2001.

 نجيب البعيني: من آثار البيان شكيب أرسلان في الشعر والنثر، الدار الجامعية 1996.

 شكيب أرسلان (مختارات نقدية جمعها د. شعود المولى) دار الكلمة للنشر، بيروت طبعة 2 1983.

– شكيب أرسلان (بنو معروف أهل العروبة والإسلام) إعداد وتقديم الدكتور سعود المولى، دار العودة 1990.

– محمد علي الطاهر: ذكرى الأمير شكيب أرسلان، الدار التقدمية 1988.

———————————-

(*) مدير مكتبة الأمير شكيب أرسلان الدوليّة في مدينة الشويفات.