نيسان 1975 ونيسان 2015!

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

في 13 نيسان/أبريل 1975، إندلعت الحرب اللبنانية، وحصل إختلاف كبير على تصنيفها، بحيث رفض الكثيرون تسميتها بالحرب الأهلية، وأطلقوا عليها “حرب أُممية” على أرض لبنان، أو “حروب الآخرين على أرضنا”. المهم أن الحرب وقعت، وسببت مآسي وخراب ودمار، وما زالت تداعياتها تتردد حتى اليوم، ورافق هذه الحرب، وما بعدها، أكثر من عدوان وحشي إسرائيلي، وصل إلى حد غزو العاصمة بيروت في العام 1982.

فتحت الحرب اللبنانية الأبواب أمام كل أنواع التدخلات الخارجية في شؤون البلد الصغير، وتركته سنوات عديدة بين براثن أجهزة أمنية وقوى عسكرية شقيقة، عبثت فيه، وكادت أن تقضي عليه بالكامل لولا الانتفاضة الشعبية العارمة التي حصلت في آذار/مارس 2005، والتي إستعادت ما تبقى من الوطن الجريح من إستبداد سلطة الوصاية.

بمناسبة مرور أربعين عاماً على إندلاع الحرب، إنطلقت مجموعة من الانشطة السياسية والشعبية في بيروت، تدعو إلى نبذ العنف، وعدم تكرار ما حصل. وكان أبرز هذه الأنشطة الندوة التي دعى اليها ملتقى الحوار بين الأديان في مُجمع الساحة –طريق المطار، وتحدث فيها ممثلين عن الأحزاب السياسية الأساسية في البلاد.

عبَّر ممثلو الأحزاب عن إرادة جامعة برفض العودة إلى الحرب، ودعوا إلى التمسُّك بالدولة كمرجعية جامعة، تضمن مُستقبل اللبنانيين جميعاً، بصرف النظر عن إنتماءاتهم الطائفية أو المذهبية أو الحزبية. وتلاقى على هذه الدعوة الحزب الشيوعي مع الحزب التقدمي الاشتراكي مع حزب الكتائب وتيار المستقبل وحزب الله، برغم الاختلافات السياسية والعقائدية الواسعة بينهم.

إلا أن هذا التوافق العلني أخفى إختلافاً ضمنياً كبيراً على تشخيص الأوضاع وسُبُل معالجتها، وهذا الاختلاف قد يُهدِّد البلاد في أي لحظة. وبرز واضحاً أن ثقافة العنف المُتأصِّلة – حتى في أذهان النُخب اللبنانية – ما زالت تتحكَّم بمشاعر السواد الأعظم، كما أن الخوف على المصير ما زال هاجساً لدى المجموعات التي يتكوَّن منها النسيج اللبناني، وهذا الخوف هو الذي أنتج الحروب سابقاً، وهو الذي يبعث على إستحضار لُغة العنف.

والعنف في لبنان غالباً ما كان يُستخدم للإنتقام، او من أجل الحفاظ على الموقع، أو الوجود، لأن الطوائف والمذاهب في لبنان، تخاف من بعضها البعض، وأن كانت تخفي هذا الأمر في العلن. وهناك عوامل تستحضر هذه المخاوف بين الحين والآخر في يومنا هذا.

خلاصة الحوار كانت التأكيد على ضرورة القضاء على ثقافة الخوف من الآخر، وإرساء مُقاربات وطنية جامعة، فوق الطوائف والمذاهب والأحزاب، وإعتبار المُشتركات الوطنية أسمى من كُل إعتبارات التفرقة والتشرذم، ودون ذلك، فإننا في صدد إنتاج حروب جديدة قد تُهدِّد الكيان برُمته، لا سيما في ظل الأجواء المشحونة التي تعيشها المنطقة.

ولعلَّ المُناشدة الأبرز التي أطلقها المُلتقى، كانت في دعوة الأطراف السياسية إلى إبقاء التباين حول الملفات الخارجية الحامية -خصوصاً في سوريا والعراق واليمن–من ضمن التباينات السياسية، دون أن تُشكِّل هذه الاختلافات سبباً لتدمير مؤسسات الدولة، وإرهاق الحياة الوطنية برمتها.

فهل تلتزم الأحزاب بالتوصيات التي صدرت بحضور مندوبيها؟ الشكوك تدور حول مدى إلتزام بعض الأحزاب بهذه الرؤية، ذلك أن التعليمات الخارجية عند بعض هذه الأحزاب أقوى تأثيراً من قتاعاتها الوطنية، أو أنها لا تتجرأ على مخالفة مرجعياتها الخارجية على أقل تقدير، وبالتالي فإن نيسان/ أبريل 2015 يحمل ذات بذور الفتنة التي حملها نيسان/ أبريل 1975، ومُستقبل لبنان مُهدَّد إذا لم نستفد من العِبر.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي