يجب وضع خطوط حمراء على الاتفاق النووي مع إيران

وصف رئيس الولايات المتحدة الاتفاق بين إيران ودول الخمسة زائد واحد بأنه “تاريخي”، في حين وصفه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأنه اتفاق “سيئ”. وفي تقديري أن الاثنين على حق. فهذا اتفاق يحمل في طياته تغييراً في موقع إيران مقابل الإبطاء بصورة موقتة لبرنامجها النووي وهو من هذه الزاوية تاريخي. لكن الاتفاق يمنح إيران موقعاً رسمياً كقوة إقليمية عظمى ويعطيها قدرة دولة على عتبة النووي، تستطيع هي وحدها أن تقرر متى تحقق ذلك، ومن هذه الزاوية فهو اتفاق سيئ.

 لقد غيّرت الولايات المتحدة سياستها خلال المفاوضات وانتقلت من المطالبة بإزالة قدرة إيران على انتاج سلاح نووي، الى محادثات بشأن تقييد هذه القدرات وأسلوب مراقبتها ومدة هذه المراقبة والقيود المفروضة على إيران. ويشير الاتفاق بوضوح إلى إن الولايات المتحدة قبلت نظرياً وعملياً بفكرة تحول إيران مستقبلاً إلى دولة ذات قدرة نووية عسكرية، وأنه في نهاية فترة الاتفاق لن يكون هناك أي سبيل لمنع إيران من إمكانية تحقيق هذه القدرة.

هناك ثلاثة احتمالات مستقبلاً تتعلق بالاتفاق وتطبيقه:

 أن يتخلى الإيرانيون طوعاً في نهاية الاتفاق عن الخيار الذي يتيح لهم انتاج سلاح نووي. وثمة من يعتقد في الإدارة الأميركية أن هذا احتمال واقعي، وأن تعزيز قوة المعتدلين داخل النظام الإيراني بمجرد التوصل إلى الاتفاق سيؤدي إلى تغيير داخلي في إيران التي ستصبح أكثر اعتدالاً بصورة عامة، وفي ما يتعلق بالبرنامج النووي بصورة خاصة.

أن يلتزم الإيرانيون بدقة بالاتفاق ويبنوا اقتصادهم ويحسنوا وضع مواطنيهم ودعمهم لحلفائهم مثل حزب الله وغيره إلى جانب عملهم على تعميق معلوماتهم النووية، وبعد نهاية الاتفاق وعندما يقررون يعودون إلى برنامجهم العسكري بقوة أكبر.

 أن ينتظر الإيرانيون الوقت الملائم ويقوموا بخرق الاتفاق. ومن شبه المؤكد أنهم سيفعلون ذلك بعد رفع العقوبات وبعد أن توظف دول عديدة في العالم استثمارات في إيران ويصبح من مصلحتها عدم المس بالشريكة الاقتصادية المهمة. يتعهد الأميركيون بأن الاتفاق سيعطيهم فترة سنة من أجل تحديد الخرق والرد عليه، ولهذا الغرض سيفرضون نظام رقابة صارماً واختراقياً وموثوقاً جداً.

 والسؤال المطروح: هل هذا الاتفاق يضمن أن تغير إيران سياستها ولو بحدود معينة وتتخلى عن أحلامها النووية؟ يبدو ان العكس هو الصحيح. فالاتفاق سيؤدي على المدى المتوسط إلى تعزيز إرادة إيران لتحقيق امكانية الحصول على الشرعيةمن خلال الاتفاق. ولا أساس للأمل بأن يؤدي الاتفاق إلى تطور إيجابي في إيران. وما يمكن فهمه أنه حتى الرئيس حسن روحاني متمسك بالقنبلة النووية. وفي الواقع، فإن النقاش الدائر داخل القيادة الإيرانية هو بشأن الوسائل وليس بشأن الهدف النهائي. ووحده عدم الفهم العميق للنظام الإيراني يمكن أن يوصل إلى استنتاج أن الاتفاق سيخفف من إرادة هذا النظام في إنتاج القنبلة وسيغير قواعد اللعبة.

 سؤال آخر، هل من الصحيح أنه لا يوجد بديل عسكري يؤدي إلى تأجيل بعيد المدى للبرنامج النووي أكثر من الاتفاق؟ لقد طورت الولايات المتحدة بتعليمات من أوباما نفسه، سلاحاً قادراً على إلحاق ضرر كبير بمنشآت إيران النووية. وادعاء أن القصف سيؤدي إلى تأجيل قصير ادعاء خطأ. والخطأ نابع من كون الحسابات الأميركية حسابات تقنية فقط، ولا تأخذ في الحسبان تأثير الهجوم الناجح على استعدادت النظام على أن يوظف مجدداً في برنامح نووي يمكن تدميره خلال بضع ليال (هذا هو الوقت الذي تحتاج اليه الولايات المتحدة من أجل المس بالمنشآت النووية). في تقديري أن إيران إذا كانت تخضع لعقوبات صارمة فلن تعود فوراً إلى برنامجها النووي بعد تدميره بقصف أميركي.

 علاوة على ذلك، فقد تبين أن قدرة إيران على الرد على مثل هذا الهجوم العسكري باستثناء الرد من خلال استخدام حزب الله محدودة جداً.

 إن عملية عسكرية أميركية لو جرت كانت ستؤجل البرنامج النووي سنوات طويلة، لكن نستطيع أن نفهم السبب الذي يجعل الولايات المتحدة غير مستعدة للمجازفة التي تنطوي عليها مثل هذه العملية العسكرية.

 لكن في جميع الأحوال يجب أن نقول الحقيقة وهي أن الولايات المتحدة قادرة على وقف البرنامج النووي الإيراني بالقوة لكنها لا تريد ذلك.

 كما أنه لا أساس لادعاء أن الاتفاق يمنح الوقت الكافي لاكتشاف الخروق الإيرانية والرد عليها. فالإيرانيون ليسوا أغبياء ولن يخرقوا بصورة واضحة وفجة المتفق عليه، بل “سيزحفون” بصورة تسمح لهم بالتقدم نحو القنبلة من دون أن يكون هذا التقدم واضحاً تماماً. والمعلومات الاستخباراتية بعد الاتفاق ستكون أقل جودة، لأن الولايات المتحدة ستفرض على نفسها قيوداً على نشاطها الاستخباراتي بناء على افتراض أن إيران بعد الاتفاق لم تعد عدوة بل دولة لديها علاقات معها وثمة أمل بتحسينها.

إلى جانب ذلك، سيكون للاتفاق تأثير صعب على المنطقة. ومن المنتظر أن يؤدي في المدى المتوسط (خلال بضع سنوات) إلى تسارع سباق التسلح النووي في مجمل الشرق الأوسط السني، وعلى المدى القريب فإنه سيؤدي إلى سلوك أكثر عدوانية من جانب إيران وحلفائها (حزب الله والحوثيون وبشار الأسد و”حماس”). وعلى المدى البعيد، فإن من شأن الاتفاق أن يؤدي إلى انهيار ما بقي من الاستقرار في المنطقة. وسيتخذ الصراع السني- الشيعي أبعاداً جديدة ومخيفة، وستصبح المنطقة عنيفة ونووية أكثر فأكثر (والدول المرشحة لأن تشتري قدرات نووية هي السعودية ومصر وتركيا). وعندما يحين الوقت الملائم ستحاول إيران أن تبرهن عن تفوقها الإقليمي الذي منحتها إياه الولايات المتحدة، وهي تعلم أن الكلام الأميركي بأن جميع الخيارات [لمواجهة البرنامج النووي الإيراني] ما تزال مطروحة على الطاولة كلام فارغ.

 إن الإنجاز الأميركي المهم في المفاوضات هو على ما يبدو الموافقة الإيرانية على اخراج المواد المخصبة التي لدى إيران منها (باستثناء كمية رمزية لا تتجاوز 300 كيلوغرام). ومن المهم تأكيد وجود مثل هذا الالتزام لدى الولايات المتحدة، وأنه سيطبق. وفي الواقع فإن وجود ثغرة كبيرة بين القدرة الباقية لدى إيران من أجل تخصيب اليوارنيوم (وجود نصف عدد أجهزة الطرد المركزي أي أكثر من 5000 جهاز)، وكميات المواد المخصبة الموجودة لديها، هو مفتاح الاتفاق بحسب وجهة النظر الأميركية.

 لكن على المدى البعيد، فإن أجهزة الطرد المركزي اهم من المواد المخصبة التي يجري اخراجها من إيران. ونظراً لأن الاتفاق محدود زمنياً، فإن أجهزة الطرد ستسمح باستئناف تخصيب سريع في اللحظة التي تقرر فيها إيران ذلك. في المقابل، فإن الموافقة الإيرانية على التنازل عن مفاعل البلوتونيوم وهم، فالمفاعل غير منجز، ومنشأة فصل البلوتونيوم ما تزال مشروعاً، وكان من السهل على الإيرانيين التنازل عما ليس لديهم.

يوجد بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول المنطقة ثغرة أساسية تتعلق بمفهوم الزمن. فبالنسبة للزعماء الذين انتخبوا لفترة معينة، فترة عشر سنوات تأجيل فترة زمنية كبيرة. في المقابل، فإن شعور الشعوب في ما يتعلق بأمنها الوطني أو الزعماء من أصحاب الرؤية التاريخية، عشر سنوات زمن قصير. إن الاتفاق الجاري بلورته يسمح لإيران بعد مرور عقد من الزمن بالسعي للحصول على قدرة تمكنها من إنتاج سلاح نووي. وهذا زمن قصير للغاية.

ما هو البديل؟ في رأيي كان يجب مواصلة نظام العقوبات وتشديدها مع التأكيد على وجود خطوط حمراء أمام عملية بناء القدرات الإيرانية، إذا جرى تخطيها فإن الولايات المتحدة ستستخدم القوة. وبهذه الطريقة فقط يمكن إجبار إيران على التنازل عن برنامجها النووي. لكن في ضوء الوضع الناشئ بعد أن توصلت الولايات المتحدة وعلى عكس السياسة التي اعلنتها في بداية المفاوضات، إلى اتفاق لا يجعل إيران تتخلى عن قدراتها، فإنه يتعين علينا التفكير بمصطلحات أخرى. وإذا جرى توقيع اتفاق تفصيلي بالاستناد إلى المبادئ التي نشرت، فإن القرار الإسرائيلي يجب أن يكون على صعيد آخر.

إن البدائل ستكون محدودة للغاية وهي: هل سيمكننا التعايش مع الاتفاق والاستعداد للفترة التي ستصبح فيها إيران نووية ونحاول ردعها؛ أو على عكس الاجماع في العالم، يجب أن نحاول وقف الإيرانيين بالقوة؟

————————————-

* اللواء في الاحتياط يعقوب عميدرور، رئيس سابق لمجلس الأمن القومي
“يسرائيل هَيوم” / نقلا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية