في ذكرى الحرب الاهلية… النائب مروان حماده لـ”الأنبـاء”: تعلمنا من الحرب أن “لا أحد يحك جلدنا غير ظفرنا” (11/7)

فيما يسأل ابن الحركة الوطنية الشهيد الحي النائب مروان حماده “هل انتهت الحرب أم نعيش هدنة راسخة أسس لها اتفاق الطائف”، يؤكد ان أهم ما تعلمناه من حرب لبنان هو “نبذ العنف”، وبأن “لا أحد يحك جلدك سوى ظفرك”، وبأنه لا أمل بغد أفضل إلا بـ “لبنانية عريقة وعروبة صادقة”.

وفي معرض حديثه لجريدة “الأنباء” عن “ماذا تعلمنا من دروس من الحرب اللبنانية”، يشير  النائب حمادة إلى أن لبنان “يمتلك عوامل الحضانة والمناعة التي تمكنه من عدم الانجرار إليها مجدداً، فيما هو محاط بحرائق وأعاصير المنطقة العربية”. ويجد ضرورة بالحوار بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” القائم على وقع الصراع المذهبي السني – الشيعي بالمنطقة العربية، لكونه يسمح لنا بالعبور إلى مرحلة تكون “أكثر ملائمة لإيجاد الحلول المحلية والإقليمية والدولية. فإلى ما قاله بهذا الملف.

*احتفل اللبنانيون بذكرى مرور 40 عاماً على اندلاع الحرب، واجمع غالبهم على مقولة “تنذكر وما تنعاد”. فهل ذلك يعني اننا تعلمنا من دروسها؟

_أجيب على هذا السؤال بسؤال: هل انتهت الحرب، أم اننا نعيش هدنة راسخة أسس لها “اتفاق الطائف” دون أن يجعلها سلاماً دائماً؟ لقد شهدنا التطور ذاته بعد الميثاق الوطني الذي وضع أسس العيش المشترك، ولم ينجز قيام الدولة. إن لبنان يمر من فصل إلى فصل في تدرجه الوطني والديمقراطي والقانوني، ولا بد من أنه سيبلغ يوماً ما درجة تؤهله لكي يكرس هذا النموذج الفريد في المنطقة الذي يجمع التعددية بالانتماء العربي، والذي يحمي ديمقراطية “الفولوكلورية” بين مزدوجين بشبكة واسعة من الحريات العامة.

أما بالعودة إلى السؤال الأساس، أقول: نعم، تعلمنا من الحرب. تعلمنا منها دروساً كثيرة، وأهم درس هو ان العنف المطلق لا يحل أي مشكلة مطلقة. لقد دُفعنا إلى هذه الحرب، أو غرقنا فيها، أو انحرفنا إليها. سمها ما تريدين، لكننا وقعنا فيها، وشاركنا فيها. وهذه المرحلة تمثل النقطة السوداء في ذاكرتنا. كنا في لحظة الاندفاع والحماس والوهم والكبير مؤمنين بأننا ندافع عن عروبة لبنان، وعن نظام ديمقراطي أكثر توازناً، وعن القضية الفلسطينية، وعن النزعة الاجتماعية – الاشتراكية التي كانت في أوجها في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. اعتقدنا ان لا مفر من المعركة، وفي جزء منها هذا صحيح، لأن بعض المناطق تعرضت بمسيحييها ودروزها إلى مؤامرة فكرة “فتنوية”، تشارك فيها على مراحل متتالية العدو الإسرائيلي والنظام السوري.

وما كان الهدف من هذه المؤامرة الفتناوية؟

كان الهدف الأول ضرب القضية الفلسطينية، والهدف الآخر ضرب القرار الوطني الفلسطيني المستقل. التقيا في إلغاء كمال جنبلاط ومحاصرة الحركة الوطنية، وفي اجتياح لبنان، وطرد ياسر عرفات، وفرض رئيس للجمهورية حزبي، إلى ان اتسعت الحرب اللبنانية في حدود لم نكن نريدها، ونحن آسفون عليها. وقد أوصى وليد جنبلاط ابنه تيمور في ان لا يقع بمثل ما وقع جيلنا بهذا الفخ.

*بالعودة إلى دروس الحرب، ما الذي تعلمناه بعد؟

– فيما الدرس الأول هو نبذ العنف، فإن الدرس الثاني متعلق بالصيغة اللبنانية. وهنا، ان هذه الصيغة وعلى طائفيتها الفدرالية – لأن هذا ما نعيشه فعلاً – تعتبر خطوة نحو نظام أقل طائفية وأقل مذهبية، وأقل طبقية، على نحو يجعل من هذا النظام نموذجاً لشرق متعدد في الأديان والاعراق والنزعات. اما الدرس الثالث فهو المثل الذي يقول “لا يحك جلدك سوى ظفرك”. ان الأوهام المتتالية التي اجتاحت عقولنا في مرحلة الاتكال على الاتحاد السوفياتي، ثم العودة إلى الغرب، أظهرت لنا ان لا أمل بغد أفضل الا بلبنانية عريقة وعروبة صادقة. وكل الخيارات خارج هذين المعيارين يؤدي إلى ما نشاهد اليوم في المنطقة. وربما الذاكرة الجماعية التي يتوحد حولها اللبنانيون – وعلى غير وحدتهم في أي شيء آخر – هي التي تمنع تطور الانقسام السياسي والطائفي الحاد إلى حرب أهلية جديدة.

*ما يعني انك وبرغم كل ما يسود لبنان من انقسامات سياسية تستبعدها؟

-نعم، لأنه لا الجيل القديم يريد تكرار أخطاءه، ولا الجيل الجديد مع بعض الاستثناءات، يرى في العنف حلاً لمشكلته، أي مشكلة هويته وانتماءه، وعيشه وتربيته. لذا، إذا جمعنا دروس الحرب في وعاء واحد، أي نبذ العنف، وعدم أبلسة الطائفية بل تهذيبها عبوراً إلى ديمقراطية حقيقية، وعدم الوقوع في ما يريده أو ما يظهر ما يريده لنا الغريب في ما هو يحقق مآربه، لن نكون امام أي حرب. لقد رأينا ان الحرب كانت الباردة، ومن ثم تحولت إلى ساخنة في لبنان، فعادت باردة من جديد مع انهيار الاتحاد السوفياتي، فتطورها إلى صراع غربي – إسلامي، استفادت منه إيران. إن كل هذه الرهانات هي رهانات خاسرة، وقد تقضي ليس فقد على جيل عربي كامل، ولكن على كل ما تبقى من استقلالنا، ونهضتنا، وآمالنا في أفق واسع من الخليج إلى المحيط.

*أيمكن القول انك مقتنع أو مؤمن بأن لبنان بات محصناً بوجه أي محاولة لجره إلى حرب من جديد؟

-لا أقول انه محصّن، بل اقول انه يمتلك عوامل الحصانة والمناعة، طبعاً هذا إذا كنا  نملك الوعي لجهة تغليب هذه العوامل على النزوات، ولاعتبارها كما في قضايا الصحة العامة ان “الوقاية أفضل من العلاج”. ان عدم الانجرار إلى الحرب أفضل من إعادة الاعمار النفسي والسياسي، وإعادة المهجرين وغير ذلك. لقد مررنا بكل هذه التجارب، لذا يكفي. يكفينا ما مررّنا به.

*هنا، ما دور السياسيين في الوقاية وتغليب عوامل الحصانة، لا سيما وانهم كانوا في زمن الحرب زعماءها، ولبنان اليوم بين نارين واحدة محلية وأخرى وهي الأخطر إقليمية؟

– نحن محاطون بحرائق وبإعصار. نحن في عين هذا الإعصار. اما زعماء الحرب فهم على نوعين. نوع تعلم من الحرب، وكسب حكمة إضافية يضعها في خدمة السلم الأهلي في لبنان. ولنسم هذه وسطية أو اعتدال أو مواجهة ديمقراطية، بمقابل ما تقوم به قوى هي في النتيجة وريثة الديكتاتوريات العسكرية البعثية، أو الأصوليات الجديدة، أكانت شيعية أو سنية. اعتقد ان هناك، ولو مرحلياً، مظلة واقعية عربية ودولية، وتوازن قوى، حتى بين السلاح وغير السلاح، وبين المقاتلين – حتى لا أسميهم قتلة – وبين المسالمين. هذا التوازن فرض في الداخل نمطاً في التعاطي المشترك الذي يصل إلى حدود الهاوية ثم يتوقف. إن سياسة حدود الهاوية هي طبعاً سياسة ربما يهواها البعض، إنما ما ندعو إليه اليوم هو العودة عن هذا الحد بضعة امتار، والركون إلى الحوار والتسليم بأن لا سلطة فوق سلطة الدولة، ولا سلاح خارج سلاحها. هذه هي التعاليم الأساسية التي خرجنا بها من الحرب.

*كيف تنظر إلى الحوارات القائمة؟ وتالياً هل تعتقد انها قد تمنع من انزلاق لبنان إلى ما بعد حدود الهاوية، علماً ان الحوار بين تيار المستقبل و”حزب الله” قائم على وتيرة نار مذهبية سنية – شيعية في المنطقة العربية؟

– هذا صحيح، لكن الحوار يختلف عن المنحى السائد في المنطقة، لأنه حوار سلمي ودوري، وحوار مستمر. صحيح ان أفقه بنظري ضيق، لكن استمراره ضروري، وقد سبق وقلت ذلك مراراً،  وان كان من دون أفق، لكنه يسمح لنا بالعبور إلى مرحلة تكون أكثر ملائمة لإيجاد الحلول المحلية والإقليمية والدولية.

*في موازاة بعض من تفاؤلك عن عدم العودة إلى الوراء، تستوقفنا تغريدات رئيس اللقاء الوطني وليد جنبلاط، بحيث ان ظاهرها مضحك، وباطنها مبك، وينم عن خوف وخطر العودة إلى الحرب. فكيف تقرأ ذلك؟

– يقول وليد جنبلاط بالضحك أو بالتشاؤم “حذار من الوقوع مرة أخرى بالتجربة السابقة”. انه يمرر الرسائل بطريقة صادقة وناعمة في آن للجميع. ربما – وانطلاقاً لمعرفتي به لمرافقته له عقوداً طويلة –  إنه أكثر اللبنانيين نضوجاً اليوم من جيله ومن الأجيال الأصغر، في تعاطيه مع القضية الوطنية، والمشاكل القومية.

*بما توصي الشباب الذي يستعد لتحمل مسؤوليات سياسية ووطنية كي لا يقعوا بأخطاء من سبقهم لتفادي الانزلاق إلى حرب لا نريدها؟

– من دون “كليشه”، هؤلاء الشباب يحملون فعلاً الأمل. الشباب اللبناني يتعلم، ولو اضطر قسماً منهم للهجرة المؤقتة، ونتمنى ان تبقى مؤقتة وفي حدود العالم العربي حيث ان هذا الانتقال طبيعي في الأمم الكبرى. إن ثقافة هذا الجيل مع بعض الاستثناءات سلمية، وأصبح اليوم جيلاً معولماً، ليس بالمعنى الاستهلاكي والاستغلالي للعولمة، بل بالمعنى الثقافي لها. هو جيل التكنولوجيا الجديدة، واللبنانيون مبدعون في ذلك وفي مختلف المجالات. ويكفي ان نلحق بهم من قارة إلى أخرى، لنسجل نجاحاتهم. فماذا يمنع من ان ينجحوا حيث اخفقنا نحن، وان يقيموا دولة حديثة، ومستقرة، ومزدهرة ومبتسمة.

 ————————————–

(*) حاورته نضال داوود