“الناجون 1914- 1918” للكاتب رمزي سلامة

مراجعة مروان حرب – بعد ان تناول من خلال رواية “جمهورية الفلاحين” ثورة انطانيوس شاهين واعلان أول جمهورية في الشرق، صدر مؤخراً للكاتب رمزي سلامة عن دار سائر المشرق رواية “الناجون 1914- 1918” التي تدور حول الاحداث التي عرفها جبل لبنان في حقبة الحرب العالمية الاولى وتداعيتها السياسية والاجتماعية وخاصة المجاعة الكبرى التي كادت ان تنهي الوجود السكاني في مناطق جبل لبنان. إن حجم التحدي الوجودي الذي عانته مناطق جبل لبنان في تلك المرحلة وخاصة المجاعة الكبيرة كان له دور محوري في تشكيل حدود لبنان من خلال ضم المناطق الساحلية وسهل البقاع. كان جبل لبنان بحاجة الى تأمين خزان حبوب سهل البقاع من جهة وتأمين منافذ على البحر من جهة اخرى. إمكانية استمرار لبنان وقدرته على العيش كانتا مرتبطتان بهذين الشرطين.

الكتاب ليس برواية تاريخية، بل حقبة تاريخية كتبت بشكل روائي. يرافق الكاتب القارىء ويدخله في الاحداث التاريخية والشخصيات الاساسية التي طبعت هذه المرحلة مستنبداً الى منهجية البحث التاريخي من جهة وفن الرواية من جهة اخرى. اراد الكاتب من خلال هذه المقاربة بأن “يؤنسن ” التاريخ أي بأن بعطيه بعده الانساني والوجداني لكي يجد مكانته في الذاكرة الجماعية. النص مسكون بالغياب والواقع الذي يخنق الكاتب هو ذاكرة الغياب والغائب. الغائب والمهزوم الذي لم يترك أي أثر وغاب حقه بأن يقول قصته وبأن يروي التاريخ من وجهة نظره. رواية الناجون تساهم في تعويض هذا الغياب. إنها نظرة الى التاريخ من الاسفل، تاريخ من وجهة نظر من عاشوه وليس من وجهة نظر من يرونه.

غاب البطل عن الرواية، بالرغم من أن عرض الاحداث التاريخية يدور حول “بولس”، محام تخرج من فرنسا وقرر مساندة شعبه في محنته دون ان يتمكن من وقف المأسات. من خلال تغيب البطل يغيّب الكاتب البطولة لأن الازمات لا تستوجب ابطالاً بل تتطلب أفعال بطولية. الضحية تموت ببطولة، والبطل يتصرف ببطولة، والمستفيد يجمع المال من فقر وعذابات الأخرين بشكل يعتبره بطولياً.

الشعب البطل يخلق من بطولة الافراد وليس من بطل شعبي. مواجهة المحتل والظلم قرار فردي، وتحمل العذاب شجاعة فردية ومصارعة الموت اصرار فردي. رواية رمزي سلامة ركن اساسي في بناء الذاكرة الجامعية الحقيقة بحيث اعطاها بعداً انسانياً، حولها الى ذاكرة فردية لان كل فرد فينا سيواجه وحيداً كل أزمة جديدة.

البطولات الفردية التي قام بها سكان جبل لبنان من خلال مواجهة الاحتلال والحصار العثماني تؤكد بأن لبنان لم يكن هدية من الاخرين بل نتيجة تضحيات وصمود وعقيدة بأن هواء لبنان يكون مسموماً اذا ما امتزج بالحرية.

الناجون هم نحن، ولكي ننجى من جديد لسنا بحاجة بأن نخلق أزمات جديدة لكي نمتحن بطولتنا.