هل ينجح بيان سفراء دول “الخمس الكبرى” في تحريك ملف الإستحقاق الرئاسي؟

لبنان في غرفة العناية الفائقة الدولية التي تتضافر فيها الجهود من أجل تسريع عملية انتخاب رئيس جديد للجهورية بعد ان تفاقمت أزمت الفراغ التي لم يعد من المقبول استمرارها في ظل التحديات والمخاطر الداهمة التي تتهدد أمن واستقرار وطن الأرز وسلمه الأهلي، بفعل أزمة اليمن التي تزيد من حدة الإنقسامات الداخلية التي بلغت ذروتها من خلال بيان حزب الله الذي جدد بحدة غير مسبوقة الحملة على السعودية بعد ساعات من المواقف التي اطلقها الوزير نهاد المشنوق الذي بدوره كان يرد على استهداف الحزب للرياض.

وفي هذا السياق، قالت أوساط متابعة لـ الأنباء بأنه ليس هناك من مؤشرات في كواليس الاروقة السياسية والدبلوماسية يدل على وجود تقدم على خط  ف ملف الاستحقاق الرئاسي اللبناني الذي يراوح مكانه في ظل أوضاع إقليمية صعبة مرشحة نحو التصعيد على أكثر من جبهة وساحة ، والخوف الكبير يبقى وبحسب اوساط متابعة هو من عودة مسلسل الاغتيالات التي تصاعد التحذير منها ليس فقط في كواليس الأجهزة الأمنية التي أبلغت بعض الشخصيات السياسية  بضرورة توخي أقصى درجات تدابير الحيطة الأمنية في هذه المرحلة ، بل أن هذه التحذيرات جرى نقلها عير بعض القنوات الدبلوماسية لبعض القوى السياسية وهذا ما دفع بعض الوزراء للحديث علناً عن المخاوف الجدية من عودة مسلسل الاغتيالات السياسية إلى الساحة اللبنانية في المرحلة القادمة كجزء لا يتجزء من موجة التصعيد التي تضرب المنطقة بأسرها والتي لن يكون لبنان بمنأى عن ارتداداتها الشديدة السلبية  و ذلك على الرغم من استمرار القرار الدولي بحفظ أمن واستقرار الساحة اللبنانية والنأي بها عن براكين المنطقة المشتعلة ، خصوصا أن المراقبين للوضع اللبناني ومحيطه وجواره يعتبرون هذا القرار الدولي الحامي للبنان سوف تخف قدرة تأثيره في المرحلة القادمة نظرا لشدة الكباش السعودي –  الإيراني في المنطقة ونظرا أيضا لقوة التأثيرات والارتباطات اللبنانية المحورية والإستراتيجية بالصراع السعودي – الإيراني والذي سيكون لتطوراته وتشابكاته انعكاسات كبرى ليس على وطن الأرز وملفاته وقضاياه العالقة وحسب بل على جميع  الملفات والقضايا العالقة  في كل أنحاء وأرجاء منطقة الشرق الاوسط برمتها.

وأشارت بأنه فيما تتجه المنطقة نحو ترسيخ تركيبة  المحور العربي – الاسلامي العريض الذي يمتد من الخليج العربي مرورا بمصر وتركيا ووصولا إلى باكستان بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة محور الممانعة والمقاومة بقيادة إيران فأن لعبة عض الاصابع المحلية بخصوص الاستحقاق الرئاسي باتت لعبة فارغة من أي تأثير حقيقي على هذا الاستحقاق الذي بات كما كل لبنان محكوما بتطورات المواجهة الحاصلة بين هذين المحورين على الساحة اليمنية التي سيكون لتطوراتها تأثيرا على الملف السوري والعراقي وغيرها من الملفات.وبالتالي فأن الاستحقاق الرئاسي وبحسب المعلومات الدبلوماسية المتداولة في بيروت  شأنه شان الوضع اللبناني برمته بات رهينة المواجهة الإيرانية – السعودية المحتدمة والتي لن تسمح بتمرير الاستحقاق الرئاسي في لبنان إلا من ضمن تسويات شاملة ،. وهذا الأمر يعني بأن  المأزق الرئاسي الذي أوجده خفة تعاطي واستهتار بعض المسئولين في لبنان مع الفترة السابقة التي شهدت في أكثر من مناسبة فرص حقيقية للبننة الاستحقاق الرئاسي وانجازه من خلال الاستفادة من الحد الأدنى من التفاهمات الضمنية الإقليمية والدولية التي كانت سائدة حول الوضع اللبناني، والتي كانت مشجعة أو على الأقل غير معرقلة أو ممانعة لمباركة أي اتفاق لبناني – لبناني من شأنه أن ينهي حالة الشغور الرئاسي في قصر بعبدا .

وبعيدا عن الحوار المستمر بين ألغام خطوط تماس الجبهتين المشتعلتين بين تيار المستقبل وحزب الله جاء بيان سفراء الدول الخمس الكبرى عقب اجتماعهم  بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ليعيد تأكيد المؤكد الذي عبر عنه بيان مجلس الامن الدولي في 20 اذار الماضي الخاص بالوضع اللبناني، لا سيما الازمة الرئاسية الذي حث زعماء لبنان على التقيد بالدستور والميثاق والاطراف الى التصرف بروح المسؤولية واعطاء السبق لمصالح لبنان قبل السياسة الحزبية ودعوة النواب الى ممارسة واجبهم من اجل انتخاب رئيس دون ابطاء، بحيث أن البيان الجديد قد استعاد العبارات نفسها الواردة في بيان مجلس الامن لجهة حث اللبنانيين على التزام الدستور والاطراف لتحمل مسؤولياتهم والنواب للحفاظ على تقاليد لبنان الديموقراطية وانتخاب رئيس دون المزيد من التأخير.

واذا كان البيان الدبلوماسي جاء على قاعدة “في الاعادة افادة”، علّ “المعرقلين” يتعظون من الخطر المحدق بالبلاد والعباد جراء سياستهم التعطيلية، فان انعقاد اللقاء عشية سفر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى باريس، حيث سيجتمع بالرئيس فرنسوا هولاند بعد زيارة لارمينيا، يحمل في حد ذاته مؤشرات مهمة خصوصا انه يتقاطع مع معلومات استقتها  من مصادر دبلوماسية تشير الى ان بيان مجلس الامن اعطى اشارة الضوء الاخضر لحراك دبلوماسي يشكل متابعة لمضمونه في الفقرة الخاصة بالرئاسة، وان سفراء الدول الكبرى، ولئن ما انفكوا يشددون على الشق الداخلي من الاستحقاق وضرورة مبادرة اللبنانيين الى ارساء الحل، قد يتحركون في اكثر من اتجاه للمساعدة على بلوغ الهدف. واشارت المصادر الى ان البطريرك الراعي طلب من السفراء ممارسة الضغط على حكومات الدول التي تؤثر سلبا في الازمة الرئاسية اللبنانية وابقاء الملف بعيدا من التجاذبات الاقليمية والدولية والمفاوضات النووية. وتحدثت عن اكثر من اقتراح يتم تداوله في عواصم القرار لفصل ازمة لبنان عن ازمات المنطقة وتأمين ظروف انتخاب رئيس لكون الوضع اللبناني الهش سياسيا وامنيا واقتصاديا بات في خطر في ظل حال الاهتراء التي اصابت الدولة بعد 11 شهرا من الشغور، كما ان الحرص الدولي على الاستقرار اللبناني الداخلي يحتم بدوره الاقدام على خطوات من هذا النوع.

وفي السياق، كشفت مصادر سياسية مطلعة ان وفد الرابطة المارونية الذي زار الفاتيكان اخيرا لمس قلقا فاتيكانيا جديا وانزعاجا واضحا من اداء بعض القيادات اللبنانية التي تتعاطى مع ازمة الرئاسة بخفة. ولم تستبعد ان ترسل الفاتيكان موفدا الى لبنان للاطلاع عن كثب على ما آلت اليه الامور في الداخل، في موازاة دفع في اتجاه الدول الكبرى لاخراج الازمة الرئاسية من عنق الزجاجة قبل شهر حزيران المقبل.

من جهة أخرى، وفي خضم الانهماك بالازمة الرئاسية وسبل تحريرها من دوامة المصالح السياسية الضيقة، انهمك مجلس الوزراء في مناقشة مشروع الموازنة العامة للعام 2015 حيث قدم وزير المال عرضا مفصلا لبنوده اشار فيه الى ان وزارة المال نجحت في تسجيل فائض اولي بلغ 1970 مليار ليرة نهاية العام 2014 موضحا ان هناك زيادة ملحوظة في الايرادات بفعل تحسين جباية الضرائب وزيادة ايرادات ضريبة الدخل على الارباح بنسبة 12 في المئة، واكد تراجع النفقات الاولية 131 مليار ليرة لبنانية عام 2014 وازدياد اجمالي النفقات 469 مليار ليرة، متوقعا ان يكون النمو في موازنة 2015 بحدود 2,5 في المئة في ما يبلغ العجز 7427 مليار ليرة لبنانية. وقرر المجلس استكمال مناقشة مشروع الموازنة في جلسة يعقدها الثلثاء المقبل.

________________________

(*) الإفتتاحية – هشام يحيى