«تغريدات» وليد بك

سمير عطاالله (الشرق الاوسط)

ينصرف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط هذه الأيام إلى التغريد على شجرة المغردين العالمية، «تويتر». يوم يغرِّد مفاكهًا في خفة ظل عُرفت عنه، ويوم يغرِّد في موقف سياسي ممتزج بالعمق والمفاجأة. التغريدة الأخيرة فاقت كل ما سبق. خاطب جنبلاط نجله تيمور، الذي يعدّه لخلافته، قائلاً: «إياك والعنف»! وكاد يقول إنه نادم على دوره في الحرب اللبنانية، أو بالأحرى إنه يعتذر عن الدور، لكنه توقف قائلاً: «أفضل الصمت».

كان وليد جنبلاط شجاعًا في زمن العنف اللبناني، وها هو اليوم أكثر شجاعة وفروسية في زمن الهمجيات الإقليمية. لم تكن لأي سياسي لبناني آخر هذه القوة في التخلي عن ثقافة القوة والاستقواء. فالحرب اللبنانية بالنسبة إلى الكثيرين لم تنته بعد، وإنما اتخذت اتجاهات جديدة،

واستدعت قوى خارجية إضافية. وكان وليد جنبلاط قد بدأ قبل أعوام المصالحات الكبرى بين متقاتلي الأمس، عندما فتح أبواب «الجبل» من جديد أمام المهاجرين اللبنانيين. والمفاجئ فيه أنه خرج من جميع تحالفاته الماضية، بما فيها العلاقة الخاصة مع الروس. وفي «تغريداته» الأخيرة سخر من الرجال الذين لا يوقعون عهدًا، أو اتفاقًا، إلا «بعد حفلة فودكا».

وجاء هذا الموقف بعد لقاء مع بوتين يبدو أنه لم يثمر. فالزعيم الدرزي يتخذ مواقف حادة حيال النظام السوري، خصوصًا في ما يتعلق بأوضاع جبل الدروز. وعلى الرغم من أن صفته الرسمية لا تتعدى كونه نائبًا في البرلمان، فإن قصور الحكم مفتوحة أمامه، خلافًا للبروتوكول المعهود. وكان آخر مضيفيه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي خرج معه مودعًا إلى درج الإليزيه.

يستعد جنبلاط للخروج من العمل السياسي المباشر الذي تمارسه العائلة منذ نحو ثلاثة قرون. ويعترض كثيرون بأن الأمر مبكر، لكنه يرد بأنه سوف يبقى في القضايا العامة، فيما يتولى تيمور واجبات النيابة والعمل اليومي. وكان هو قد ورث الزعامة فجأة في عز الحرب عندما اغتيل كمال جنبلاط وهو في الطريق إلى قصر المختارة. ووجد نفسه يتحول إلى زعيم سياسي وقائد عسكري. وكان حادًا في الحقلين. وما يفسر نبذ العنف اليوم تلك الحالات القصوى التي وجد نفسه فيها في دوامة الحرب والهلاك.

تغريدة جنبلاط الأخيرة إلى تيمور كانت في ذكرى مرور 40 عامًا على شرارة الحرب الأولى في 13 أبريل (نيسان) 1975 وهو شاب في العشرينات من العمر. بعد أربعين عامًا، لا يزال الزعيم الدرزي الأول، والحزب الاشتراكي الأول، لكن متغيرات العقود الأربعة كثيرة: لا حلفاء، تقريبًا، من الماضي، خصوصًا الروس الذين منحوا كمال جنبلاط وشاح لينين. ولا عنف أيضًا. تغريد في سبيل لبنان هادئ وعروبة مستعادة.