أميركا وإيران والدّور العربي المستجدّ الحاسم

محمود الاحمدية

“لو لم يظهر العرب على مسرح التّاريخ… لتأخّرت نهضة أوروبا الحديثة عدّة قرون” (ليبري)

في أوائل السّبعينات وبحكم عمليّ كمهندس مبيعات في إحدى الشّركات الكنديّة اللّبنانيّة، كان مركزي مدينة طهران كنقطة إرتكاز للعمل في أسواق جنوب شرق آسيا… وما أذكره دائماً أنّ إيران في تلك الأيّام إستطاعت أن تشكّل وفي كلّ الميادين القوّة الخامسة في العالم… وأتذكّر أنّ الصّناعة الإيرانيّة كانت من الإبرة إلى الطّائرة مروراً بكلّ أنواع الصّناعات… وتربية الحسّ القوميّ لدى الشّعب الإيرانيّ كانت تتعمّق من اللّحظة الأولى لمطلق أي حدث… حتّى في أوبرا طهران كان البدء النّشيد القوميّ الإيرانيّ وفي السّينما نفس الشّيء يتكرّر قبل بداية عرض الفيلم…ممنوع في التّلفزيون أو السّينما إلاّ المسلسلات الأجنبيّة النّاطقة باللّغة الفارسيّة وكذلك السّينما…

حتّى جاء مؤتمر برسبوليس الّذي ضمّ حوالي ماية رئيس دولة وأعْلنت إيران القوّة الخامسة… ومدّ الشاه تعاونه إلى الشّرق والغرب على السّواء… مع دورٍ سلبيٍّ برأيي: مخابرات السافاك الّتي لم تترك مجالاً لحرّيّة الرّأي وكانت أقلّ إشارة إلى شخص معارض نتيجتها الشّنق… وهذا التّناقض الفاضح بين طهران إمتداد للحضارة والرّقيّ والأمّة الخامسة وبين طهران السافاك والمخابرات…

وكانت الثّورة ووصلنا إلى ما وصلنا إليه… وتصدير هذه الثّورة إلى كلّ أنحاء المنطقة والتّصريحات “الإمبراطوريّة” وعلى أعلى المستويات بالعواصم الخمس العربيّة وتحوّلها إلى النّفوذ الفارسيّ وإعلان إمبراطوريّة الفرس وعاصمتها بغداد… والدّور الأميركيّ الملتبس في كلّ مراحل هذه الحقبة التّاريخيّة حيث المصلحة هي المفصل الرّئيسيّ وكان إحتلال العراق والخروج منه أكبر نكسة في التّاريخ الأميركيّ… وأتحفونا أخيراً بداعش وغيرها فاختلط الحابل بالنّابل وإنمحت حدود وتغيّرت الخرائط… وتدحرجت رؤوس كبيرة مع الرّبيع العربيّ الّذي يحاولون وأْده عبر كلّ الحركات المتطرّفة وباستثناء تونس نجحوا في وأْد هذا الرّبيع على أمل أن يكون مخاضاً وليس مصيراً نهائيّاً…

وفي ظلّ الأحداث المرعبة على مستوى الخريطة العربيّة كلّها وأشدّها دمويّة على أرض سوريّا حيث الدّمّ يسفك يوميّاً وتشرّد الشّعب السّوريّ في أربع رياح الأرض وكان للبنان الحصّة الكبرى… وما يزال الفيلم مستمرّاً وآخرها مهزلة مخيّم اليرموك… القوّة الإستراتيجيّة الكيميائيّة ذهبت أدراج الرّياح والقوّة النّوويّة الإيرانيّة ستلحقها عبر إتّفاقيّة لوزان وشروطها التّقنيّة العالية حيث يحقّ للدّول الخمس مباغتة كلّ المواقع الإيرانيّة في أيّ لحظة وحيث ومن باب حفظ ماء الوجه سمحوا لتخصيب كميّة 300 طنّ يورانيوم أيّ أقلّ من 4% من كميّة التّخصيب الّتي إعتاد عليها الإيرانيّون…

obama-khamenei

وتفاجأ العالم كلّه بفرحة الشّارع الإيرانيّ وبالتّناقض بين روحانيّ والمحافظين ومرد كلّ ذلك أنّ لقمة العيش هي الأساس للشّعب الإيرانيّ والـ150 مليار دولار المجمّدة هي الأساس ولا يهمّهم إذا إمتدّ نفوذهم إلى اليمن أو العواصم الأخرى في شيء… وعلى إمتداد كلّ هذه الحقبة برزت ثلاث قوى على الأرض: إيران تركيّا وإسرائيل…

وكان السّؤال الّذي سكن في ضمير كلّ عربيّ من الماء إلى الماء: أين العرب أصحاب الأرض؟؟ وخاصّةً عندما إكتسح الحوثيّون أرض اليمن وسقطت صنعاء وسقطت كثير من المدن الأخرى بسرعة مذهلة وتباهى الفرس بهذه الإنتصارات حتّى وصلت بهم مهاجمة جنوب السّعوديّة على الحدود مع اليمن!! مع العلم وللتّاريخ نقول أنّ الحوثيين يشكّلون بين 10% و 15% من الشّعب اليمنيّ أمّا الزيديّون يصلون إلى 30%…

وكانت المفاجأة العربيّة بقيادة السّعوديّة ومليكها خادم الحرمين الشّريفين الملك سلمان… وليس من باب التّبسيط القول بأنّ هذا الدّور يشبّهه الكثيرون بثورة مصر وعلى رأسها القائد التّاريخيّ جمال عبد النّاصر… وفرضت عاصفة الحزم هيبة عربيّة كقوة عربيّة لها وجودها وهيبتها ودورها… ومن هذه النّقطة ومن هذا المنطلق نتفهّم ردود الفعل السّلبيّة لدى القوى اللّبنانيّة المرتبطة بإيران ونرى حجم الدّور العربيّ عامّة والسّعوديّ خاصّة من خلال هذه الحملة العسكريّة المنظّمة الّتي تقول لكلّ عربيّ من الماء إلى الماء “إرفع رأسك يا أخي” ولم نعد أيتاماً…

وأتكلّم عن نفسي كلبنانيّ وكعربيّ آمن بكمال جنبلاط وجمال عبد النّاصر شعرت بفرح وزهو وتقدير لهذا الدّور العربيّ عامّة والخليجيّ خاصّة في إحياء الدّور التّاريخيّ للعرب والّذي جعل أوباما وأميركا يعيدون حساباتهم ورؤيتهم حتّى وصلت الأمور بأوباما القول: “نحن معكم في حربكم في اليمن ولكنّ لماذا لا تهاجمون سوريّا أيضاً” وهذا الكلام بالذّات من أوباما ورمزيّته تشير بشكل واضح المدى الّذي بلغته القوّة العربيّة وعاصفة الحزم… ومع عدم ثقتنا بما يقوله أوباما أسمح لنفسي وأؤكّد أنّه حان لنا كعرب أنّنا كنّا في يوم من الأيّام أسياد النّهضة في هذا الكون! وحان الوقت أن نؤكّد بأنّ عاصفة الحزم هي مبادرة عربيّة حقيقيّة…

وأتطلّع بكثير من التّفاؤل إلى دولة مصر والرّئيس السّيسيّ في جعل هذه القوّة واقعاً لا يستهان به… مع تمنّيات كلّ عربيّ أن يختفي وإلى الأبد هذا التّناقض القطريّ المصريّ  في هذه الظّروف المفصليّة من تاريخ المنطقة وتتّحد السّواعد والقلوب للقول للأجيال العربيّة الجديدة:العامل العربيّ والواقع العربيّ والقوّة العربيّة هي الفيصل في هذه المنطقة.

وبعيداً عن بلاد فارس والفرس، لبنان العربيّ هو لبنان القويّ وكم كان رائعاً كمال جنبلاط عندما قال: “صحّحوا تاريخ لبنان المزوّر: لبنان إمارة عربيّة مستقلّة قامت على هذا الشّاطىء منذ إثنيّ عشر جيلاً”…

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة