بعد 40 سنة هل يكفي شعار “تنذكر وما تنعاد” لحماية لبنان من الحرب الأهلية؟

بعد 40 سنة على إنتهاء الحرب الأهلية في لبنان التي إندلعت في 13 نيسان 1975 وإنتهت في 13 تشرين الأول 1990 لا يزال لبنان واللبنانيين حتى هذا اليوم يعانون من كبوة أهوال ومآسي تلك الحرب بكافة انعكاساتها وتداعياتها التدميرية على أوضاعه السياسية  والأمنية والإقتصادية والإجتماعية.

وبعد 40  سنة على الحرب التي ذهب ضحيتها حوالي 150 ألف قتيل من المدنيين، ونصف مليون جريح، و14 ألف إعاقة دائمة، عدا عن الدمار الهائل الذي خلفته بمجمل المناطق، والكلفة الباهظة للعملة والإقتصاد والسياحة والبنية التحتية، يتمسك الشعب اللبناني برفع شعار ” تنذكر وما تنعاد”،ومع ذلك لا يزال هذا الشعب يعيش في ظل هواجس ومخاوف من تكرار تلك الحرب المخيفة التي دمرت الحجر والبشر على مدار 15 سنة متتالية، خصوصا أن النظام السياسي الطائفي الهجين البائد في لبنان لم يتغير ولا يزال على حاله ومستمر بكافة علاته التي لا تولد سوى الأزمات والصراعات والإنقسامات الطائفية والمذهبية التي تضع لبنان دائما وابدا على حافة الحرب الأهلية البغيضة في كل مرحلة من مراحل  تأزم أحوال المنطقة وتحولها إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية التي ترخي بأثقال ارتداداتها وتأثيراتها المدمرة على لبنان الذي لا يزال يعاني من نقص المناعة الوطنية التي تجعله عصيا من داخله على التدخلات الخارجية التي تنتهك سيادته واستقلاله وحريته وتجعل ساحته  تقف على كف الإنزلاق مجددا نحو آتون الفوضى والفتنة.

فحقيقة الواقع السياسي المحلي المتأثر بعوامل الاحداث الجارية في المحيط والجوار اللبناني يشير بأنه بعد 40 سنة على الحرب الأهلية التي دمرت كل شيء في لبنان لا سيما القيم والاخلاق والإعتبارات الوطنية اللبنانية على اطلاقها، فأن الولاء الطائفي والمذهبي والمناطقي العصبوي الضيق لايزال  يتقدم على ما عداه بين مكونات المجتمع اللبناني، وهذا ما يضعف المناعة الوطنية في لبنان في ظل استمرار الاستحواذ  المطلق للنزعات الطائفية والمذهبية على مقاليد إدارة السلطة والدولة ضمن تركيبة النظام الطائفي اللبناني ما يجعل لبنان التعدد والتنوع والحضارة والإنسان والرسالة ونموذج العيش الوطني المشترك بين المسليمن والمسيحيين، وخلافا لجميع الشعارات الوطنية الطنانة والرنانة مهددة ساحته بالإنزلاق نحو سيناريوهات الحرب الأهلية،خصوصا ان المتابعين لخصوصية المجتمع اللبناني بإنقساماته العامودية الحادة يعلمون جيدا بأن الحد الأدنى من الأمن والإستقرار الذي ينعم به لبنان اليوم مصدره ليس داخليا وذلك بغض النظر عن دور ومواقف وشجاعة بعض  الوطنيين الكبار القلة الحريصون والذين يعملون في الليل والنهار لتحصين أمن واستقرار لبنان فوق كل الإعتبارات، إلأ أن السبب الأساسي لمنع تدهور الأوضاع في لبنان نحو الأسوأ يبقي لوجود المظلة الدولية والإقليمية الحامية لأمن واستقرار لبنان  التي تحافط لغاية اليوم على الستاتيكو القائم في الداخل اللبناني حتى اشعار آخر.

 واستنادا إلى المشهد الإنقسامي العامودي الذي تشهده الساحة اللبنانية حول القضية اليمنية وقبلها حولا القضية السورية والعراقية وغيرها في ظل التطورات والمستجدات المتسارعة على الساحة الإقليمية مع ما تحمل معها من مؤشرات خطيرة تدل على أن المواجهات الإقليمية بكل خلفياتها الطائفية و المذهبية متجهة نحو المزيد من التأزم والتصعيد، فأنه لا شيء يمنع ويحول في أي لحظة من تفجير الساحة اللبنانية  ليكون لبنان خاضع مجددا لمشيئة الآخرين، وبالتالي ليكون مسرحا لحرب أهلية جديدة تتحكم بمساراتها لعبة الأمم التي تحركها المصالح  الإستراتيجية السياسية والإقتصادية والعسكرية والأمنية الدولية والإقليمية، وذلك على غرار ما شهده شعب لبنان  في الحرب الاهلية عام 1975 التي نذكر جيدا بأنها كانت حرب دموية محركة وممسوكة من قبل الآخرين أي القوى الدولية والإقليمية المتصارعة على أرض لبنان بالحديد والنار والتي جعلت من دون أي رادع او وازع أخلاقي أو انساني أشلاء ودماء ودموع وحسرة أبناء وطن الأرز وقودا لتلك الحرب العبثية التي ارتكب فيها  الكثير من الفظائع المشابهة جدا للفظائع البربرية والهمجية التي نتابعها ونشاهدها على شاشات التلفزة التي تنقل بالصوت والصورة أخبار النزاعات الدموية الجارية في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من المناطق المشتعلة في المنطقة.

أمام هذا الواقع بكل تهديداته لأمن واستقرار لبنان وسلمه الأهلي لا يجوز ومن غير المقبول الإستسلام بل المطلوب الإرتقاء في تحمل المسؤولية الوطنية ليكون لبنان وأهله اوفياء للشهداء الذين سقطوا في الحرب الأهلية التي يجب أن تبقى ذكرى لإستقاء العبر من تجاربها لمنع تكرارها في أي حاضر أو مستقبل في لبنان الذي لا يحتمل مجددا أي مغامرات من شأنها أن تستدرج مجددا إلى ساحته حروب الآخرين التي تتسلل من وراء زواريب الحروب الأهلية التي تبقى سيفا مسلطا على لبنان وشعبه طالما أننا لا نزال نعيش في كنف ذلك النظام الطائفي المريض الذي آن الأوان للخروج منه نحو آفاق نظام  سياسي جديد عادل  قادر على بناء الدولة اللبنانية المدنية العصرية الحديثة التي تحقق آمال وتطلعات الشعب اللبناني الذي يستحق بعد كل التضحيات والمعاناة أن يعيش في كنف دولة القانون والمؤسسات التي يتساوى فيها جميع الناس تحت سقف الدستور والقوانين المرعية الإجراء.

 لذلك في الذكرى الـ 40 للحرب الأهلية المطلوب في لبنان أكثر من مجرد تحركات فلكلورية رمزية لبعض النشطاء في المجتمع المدني والأهلي على أهميتها أو بعض البرامج التلفزيونية المكررة والتي في أحيان كثيرة تكون ممجوجة بضيوفها الطائفيين والمذهبيين الذي ينادون بالوطنية وشعارات التصدي لمنع عودة الحرب الأهلية، في حين أنه بعد 40 سنة على تلك الحرب الأهلية في العالم 1975 فأنه لا شيء يحمي لبنان سوى المبادرة باتجاه ترجمة شعار “تنذكر وما تنعاد”  إلى أفعال واجراءات فعلية عملية حازمة قادرة على تحقيق تغييرات اصلاحية جدية وحقيقية في جوهر وبنية هذا النظام السياسي البائد الذي يصب الزيت على نار التوترات والإنقسامات الطائفية والمذهبية التي تبقي لبنان دائما على صفيح الفتنة الطائفية والمذهبية الحاضرة دائما وأبدأ في أي ظرف صعب على اشعال نيران الحرب الأهلية في لبنان.

أخيرا عندما  نتحدث أو نستذكر أو نستحضر في أذهاننا الحرب الأهلية في العام 1975 وغيرها من الحروب الأهلية السابقة بين اللبنانيين، وبهدف الوصول إلى  جوهر المصالحة الوطنية الحقيقية، و من باب إستخلاص العبر من التجارب التاريخية المريرة لكي نحصن مناعة لبنان من الحروب الداخلية، المطلوب من اللبنانيين الإعتراف بكل جرأة، بأنهم في الحرب الإهلية التي انطلقت شرارتها مع بوسطة عين الرمانة في العام 1975 والتي تحولت بعد ذلك بسرعة إلى حرب الآخرين على أرض لبنان،  قد مارسوا شتى  أعمال القنص والقصف والضرب العشوائي بمختلف أنواع الأسلحة واكثرها فتكا وحرقا وتدميرا  الذي استهدف المدنيين الأبرياء  في المستشفيات والمدارس والأفران وتقاطع الطرقات والتجمعات السكنية، كما أنهم قد ارتكبوا شتى أنواع  القتل والقهر ضد بعضهم البعض من خطف وتعذيب وتنكيل وتهجير وذبح على الهوية الطائفية والمذهبية وغيرها من الموبقات خلف شعارات واهية غير الوطنية و لا تمت بأي صلة إلى القيم والمبائ الأخلاقية والإنسانية العالية التي تحملها رسالة لبنان الحضارية .

______________________

(*) – الإفتتاحية – بقلم هشام يحيى