الخليوي طاعون العصر الحديث

محمود الاحمدية

منذ عدّة أيّام كنت مع العائلة في طريقي إلى صوفر، وفجأة تجاوزتنا سيّارة وأصبحت في مواجهة الخطّ الموازي فانحشرت بيننا وبين السيّارة الّتي كانت أمامنا، وهذا التّصرّف يبقى عاديّاً في حياة اللّبنانيين اليوميّة,ولكن الّذي جعلني أفقد صوابي أنّه عندما رأيته وأنا خلفه يستعمل الخليويّ ومن طريقة مَيَلان سيّارته وعدم تركيزه إلاّ على الخليوي وليس الطّريق الّتي أمامه!! وفي لحظات توقّف الخطّ اليمين الصّاعد كلّه باستثنائه لأنّ نظره كان متعلّقاً بالخليوي وكانت الصّدمة الخلفيّة بالسّيّارة الّتي كانت أمامه… فتوقّف السّير كلّيّاً وكانت صدمته كبيرة وترجّلت من سيّارتي وسبقني بعض المندفعين الخيّرين الّذين نقلوا صاحب السّيّارة إلى المستشفى ومنظر الدّمّ يغطّي وجهه!!

 حادثة من مئات الحوادث الّتي غطّت شوارع وأتوسترادات  لبنان وسببها الرّئيسي القيادة بسرعة وإستعمال الخليوي في نفس الوقت بدون التّركيز على الطّريق أو الأوتوستراد!! وهذا الحادث فتح كلّ جروحي على التّفكير بهذا الوافد المرعب إلى حياتنا اليوميّة…

الخليوي حاليّاً هو رفيقك وحبيبك وكتابك ومدرستك وبيتك وعائلتك…في قلب البيوت ترى العيون جاحظة مدقّقة في الخليوي… في صالون البيت عدّة جزر متباعدة… كلٌّ على الخليوي، لا همس ولا ضجيج ولا حديث مشترك ولا ضحكة تصدر من القلب في ساعات لقاء العائلات حيث كان في الماضي البعيد يسود جوٌّ من المرح الجميل وتبادل الأحاديث الّتي تبقى زهرة العمر وربيع العمر وعطر اللّحظات النّابضة…

جاء الخليوي هذا الشّيطان الصّغير الحجم والضّخم في حجم عالمه الّذي يعادل المعمورة بين يديك وتجول كلّ أنحاء الدّنيا وتستطلع أخبار كلّ من يهمّك أمره في شوؤن هذا العالم… والخطر إذا إنزلقت يداك ودخلت عوالم الجنس ومصائبه فستجد كلّ مواخير المصائب وعالم الغرائب والنّموذج التّدميريّ لأخلاقيّات المجتمع…

هذا عن بعض السّلبيّات لا بدّ من المرور على الإيجابيّات الّتي لا تحصى للخليوي كمصدر للمعلومات مهما بلغ مستوى التّفتيش عنها والبحث عن تفاصيلها وهي ثورة تَكنولوجِيَّة حقيقيّة قلبت كلّ المعطيات وحوّلت المستحيل إلى حقيقة! وهنا لا بدّ من التّركيز على أنّ الضّحيّة الكبرى من خلال إستعمال الخليوي هو في الدّرجة الأولى الكتاب والصّحافة الورقيّة والعلاقات الإجتماعيّة الحميمة بين العائلات وبين النّاس أفراداً وجماعات…

أحببت تسليط الضّوء على موضوع خطير موضوع الخليوي الّذي يتطلّب إستنهاضاً من قبل الجهّات الرّسميّة لإقامة برامج توجيهيّة خاصّة بدور الخليويّ وكيفيّة إستعماله بطريقة ترتقي بمالكه وتحوّل السّلبي إلى إيجابيّ وتحوّل المرض أو ما سمّيته الطّاعون إلى أساس حقيقيّ لسعادة الإنسان عبر الإرتقاء في إستعماله بطريقة إيجابيّة تفتح عيوننا على كلّ الأشياء والتّجارب الجميلة في حياة الشّعوب وتنمّي ثقافتنا في كلّ جوانب الحياة من سياسيّة إلى إجتماعيّة إلى أمنيّة إلى بيئيّة فيتحوّل هذا الشّيطان الصّغير إلى ملاك ندافع عنه برموش العيون!!

الموضوع واسع جدّاً وأكتفي بما كتبت تلمّساً للإفادة على قدر المستطاع.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة