الإحتفال العوني الأخير… والأفق الدّامع
محمود الاحمدية
29 مارس 2015
“الحِلْمُ غطاء ساترٌ، والعقلُ حسامٌ باترٌ، فاستُرْ خُلُقَكَ بحِلْمِكَ، وقاتِلْ هواكَ بعقلِكَ” (الإمام علي بن أبي طالب)
للوهلة الأولى تخيلت نفسي أحلم وليس حقيقة ما أشاهد… إحتفال للتيّار الوطنيّ الحرّ والّذي لنا بينهم صداقات وتواصل… صالة رحبة المساحة وطاولات وحشد لا يستهان به وتشعر بال “لوكس” الّذي يفوح عبيره من خلال الحاضرين…
آخر صرخات باريس وميلانو ونيويورك في عالم الأناقة وبالبعدين نساء ورجال… وترى النّعمة تشرقط في عيون الحاضرين… وبدأ الحفل مثل أي إحتفال سياسي وهذا دليل عافية في الوطن، هذا التّنوّع الجميل في الأفكار وفي العقائد وفي الشّرائح المتعدّدة… وكلّ شيء كان طبيعيّاً حتّى الآن…
وكانت المفاجأة غير المنتظرة الّتي تتناقض مع واقع التّحسّس مع النّاس “اللّي تحت” مع البيوت العتيقة مع أصحاب بيوت الصّفيح السّاخن وساكنيّ قعر المدينة… الإعلان المشرقط عبر المرئيّات الفضائيّة اللّبنانيّة: أسعار البطاقات للمشاركين..! كلّما إقتربَتْ الكرسيّ من مكان جلوس الجنرال عون كلّما كانت أغلى وبأسعار تتحدّى شعور النّاس… كلّما كنت أقرب وتحبّ أن تصل إليك حرارة الجنرال وبركاته، كلّما وجب عليك دفع الثّمن أكثر…
هي لغة جديدة في عالم الإحتفالات و”الفخفخة” والمظاهر الّتي تجسّد الإبتعاد عن الرّؤيا الصّحيحة والعقلانيّة السّليمة والتّصرّف المتواضع فإذا بسنبلة القمح تشرئب نحو السّماء فارغة من قمح الخير والبركة وإذا بالتّبجيل والكلمات الرنّانة تكتسح الموقف ولكن المشهد الّذي لن أنساه سريعاً وأقولها بكلّ مصداقيّة وبكلّ خلفيّة نظيفة إحتراماً لماضي التّيّار المشرق والمشرّف بالبعد النّضالي… المشهد إنقسم إلى مشهدين نافرين: أوّلهم إنحناء أحد الفنّانين على يد الجنرال وتقبيلها وثانيهم التّبرّع غير المتوقّع من وزيرٍ عاقلٍ ويحتلّ مركزاً على علاقة بمستقبل الأجيال الجديدة: ماية وخمسون ألف دولار ثمن مخطوطة للجنرال عون.
في المشهد الأوّل طرأ مباشرةً في مخيّلتي أسمان يجسّدان كرامة النّاس كلّ النّاس: كمال جنبلاط عندما قال: “قل كلمتك وامشِ” والّذي قال “الحياة إنتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضّعفاء”… والشّخصيّة الثّانية جمال عبدالنّاصر الّذي قال: “إرفع رأسك يا أخي” لكلّ عربي من الماء إلى الماء!!
الجنرال مرشّح لرئاسة الجمهوريّة أوّل صفة المفترض وجودها فيه التّسامي ولو كان الرّاحل الرّئيس فؤاد شهاب مكانه لما رضي بأقلّ من الصّعود إلى الميكروفون وتوجيه كلاماً من ذهب، كلاماً راقياً يرفض الإنحناء ويرفض الذّلّ ويرفض البازار!!
الله يشهد أنا أتكلّم عن إيمان بأنّ كلّ الّذين يتبوأون مراكزاً أوّل صفة يجب أن يتحلّوا بها: التّواضع المقرون بعزّة النّفس كقدوة للنّاس…
عتبي كبير على الفنّان المتهالك… والفنّانون بالذّات هُمُ رُسُلُ الحضارة ومخلدو بلدانهم فكلّ النّاس ترحل بإستثناء المبدعين في أمّتهم يخلدون أمّتهم ويبقون في ذاكرة النّاس! مَثَل صغير مَن يتذكّر أيّ رئيس من رؤساء ألمانيا ومَن الّذي لا يتذكَر بيتهوفن؟؟ الإنحناء وتبويس الأيادي كانت خطأ والمبلغ َالكبير المدفوع كان خطأ…
جاء كلام جميل في سورة لقمان: 18 “ولا تُصعِّر خدّكَ للنّاس ولا تمشِ في الأرضِ مَرَحاً، إنَّ الله لا يحبُّ كلَّ مختالٍ فخورٍ”.