“عاصفة الحزم” تعيد إنتاج الوطن الأكبر

بقلم صلاح تقي الدين

سنوات طويلة عاش العالم العربي خلالها ما يشبه “حلم اليقظة”، حيث كانت أصداء الشعارات القومية والتقدمية واليسارية تتردّ أكثر من أصوات الآذان وأجراس الكنائس، وتمعن في تعزيز الانتماء القومي، فيما راح فنانو العرب يبدعون في تلحين أجمل القصائد والأغنيات والأناشيد التي تركت في نفوس العرب، ونحن منهم وفي مقدّمهم، بعضاً من الآمال المعقودة على الارادة والشهامة والفروسية العربية التي ستعيد لنا ما افتقدناه على أيدي عدو غاشم كان السبب الأول والأخير في سلب الآمال والأحلام، لكن الواقع كان أكثر إيلاماً، وبدت الأحلام أوهاماً.

“أبو خالد” جمال عبد الناصر، الملك فيصل بن عبد العزيز، “أبو عمّار” ياسر عرفات، أسماء حُفرت في ذاكرتنا وعزّزت شعورنا بالانتماء العربي والقومي، زادها رسوخاً تلك العلاقات الممّيزة التي نسجها مع هؤلاء العمالقة، عملاق لبناني هو “المعلم” كمال جنبلاط، فكان جيل مناضل في سبيل “القضية” وشهداء “فدائيون” سقطوا في سبيلها ودم عزيز سال لتعبيد طريقها، لكن السنوات مرّت عجافاً ولم تتقدّم القضية حتى خُيّل للواهمين أنها تراجعت، بل برز “متاجرون” بها “أسديون” اغتالوا “المعلم” واستعدوا “ابو عمار” وأسقطوا قومية أبو خالد “بالضربة القاضية” وتسبّبوا بتلاشي الأحلام رويداً رويداً، وتحويل الشعارات إلى “اطلال”، فراح العرب يتندرون بها.

ومع تلاشي الأحلام وأفول القضية، غرق العرب في سبات طويل، فيما العدو نفسه أمعن في غيّه لأن العرب “منقسمين” ولن يتوحّدوا يوماً، ولن يبادروا، وهم “لا يقرأون التاريخ”، لكنهم لم يتخيّلوا أن ملامح تشكيل إمبراطورية جديدة على حساب أراضيهم والتباهي بالاستيلاء على عواصم عربية اربع، وهو تعدٍ غاشم على “الخطوط الحمر” الجغرافية والسياسية والتاريخية، سيكون بمثابة “الترياق” الذي يعيد النبض إلى عروق العرب، ويوحّد كلمتهم ويدفعهم إلى “المبادرة”.

ولأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز رأى أن “القصة ما بقى بدها”، وأنه لن يكون “شاهد زور” خلال عهده على “غفوة” العرب، لأن هذه “الامبراطورية” لا يمكن لها أن تكون على حساب العرب وأراضيهم، ولا على حساب الحدّ الأدنى من كرامتهم وفروسيتهم، قرّر سلوك طريق المواجهة، و”عاصفة الحزم” الخطوة الأولى على هذه الطريق.

فجأة أحسّ العرب من المحيط إلى الخليج بعودة الروح، واجتمعوا في قمة تاريخية وحّدت كلمتهم على خلفية موسيقى نشيد “الوطن الأكبر” لمحمد عبد الوهاب، وأعلنوا بوضوح لا لبس فيه، الاستمرار حتى تحقيق الهدف وهو حماية سيادة وشرعية السلطة الدستورية في اليمن الذي يجب أن يعود “سعيداً”. خلاصة الكلمة التي خرج بها العرب من مؤتمرهم هي أنهم “استفاقوا”، ولن يعودوا إلى “أحلام اليقظة” مجدّداً لأن الاتكال على الشهامة والكرامة وحسن الجوار وحده من دون فروسية لا ينفع، ولأنه بوجه السيف لا بد من رفع السيف.

أميركا فوجئت، والسيناتور جون ماكين قالها علناً “ما حدث لم يحدث من قبل”، وهو يعني إقدام العرب، مبادرتهم، والتخلّي عن “حروب الواسطة”، فـ “لا يحك جلدك غير ظفرك”، وأظافر العرب طويلة. “الامبراطور” نفسه أصيب بصدمة، عبّر عنها بـ “الواسطة” في لبنان، فلاديمير بوتين في روسيا اصيب بالدهشة وطالب العرب بتوحيد كلمتهم في وجه ما يسمّى “داعش”، ناسياً أو متناسياً أنه عن قصد أو غير قصد ساهم مع “أزلامه” في دمشق بخلق هذا الوحش، لكن لكل وقت أوانه، لكن وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل كان بالمرصاد وردّ على بوتين.

“عاصفة الحزم” مستمرة، وبدلاً من تلاشي أحلام العرب، ستسقط أحلام الامبراطورية، وستلفح برياحها العاتية “بيداء” الشام، عاجلاً أم آجلاً، وما سقوط ادلب بيد الثوار إلا البداية. الملك سلمان أعاد النبض إلى عروق العرب، وأحيا أحلامنا التي بدأت بالتحقّق، وما أَضيق العيش لولا فسحة الأمل.