استشهاد حسان ابو اسماعيل ذكرى تاريخ لا ينسى

يدور الزمن دورته كل عام وتعود معه الذكريات المتراكمة والمثقلة بأحداث السنين ، وعبره وتضحياته ولا تخلف الارقام المتكررة مواعيدها ولا تفلح عدادات السنين المتبدلة من محو تلك الذكريات، وهذا حال السابع والعشرين من آذار الذي انطبعت على صفحته سنة 1954 جريمة اغتيال الطالب الجامعي الشهيد حسان أبو اسماعيل، اول شهيد للحركة الطلابية في لبنان وجرح عدد من الطلاب بينهم مصطفى نصرالله الذي اصيب اصابة اقعدته طوال حياته وحتى وافته المنية بسببها.

ذنب حسان ابو اسماعيل ورفيقه مصطفى نصرالله أنهما من الطلاب المنتسبين إلى صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي، وأنهما مع رفاقهم وزملائهم من الطلاب الجامعيين شاركوا في تظاهرة طلابية تندد بحلف بغداد، وبمحاولة الرئيس كميل شمعون أخذ لبنان للإتضمام الى هذا الحلف الذي دفع باتجاه تشكيله الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور الذي حكم الولايات المتحدة الاميركية من سنة 1953 الى سنة 1961، وهو الذي شهد اكبر الزلازل السياسية التي عصفت في منطقتنا والعالم بعد الحرب الثانية من العدوان الثلاثي على مصر وخروج الاستعمار الفرنسي من المغرب العربي واعادة شاه ايران الى عرشه بعد اجهاض ثورة (مصدق) وهو الذي امر بتنفيذ الانزال العسكري في لبنان عام 1958، لفرض توازن اقليمي بديل عن حلف بغداد، اثر الانقلاب العسكري في العراق ضد حكم نوري السعيد، واندلاع الثورة الشعبية في لبنان بوجه حكم الرئيس كميل شمعون.

حلف بغداد أو الحلف الثلاث أو مشروع ايزنهاور، الذي كان يضم الى العراق كل من تركيا وإيران، ويهدف الى تطويق الخيارات الكبرى التي سلكتها شعوب المنطقة في مواجهة التحديات التي عصفت بها اثر نكبة فلسطين عام 1948 وقيام دولة اسرائيل، واهمها ثورة الضباط الاحرار في مصر عام 1952 وصعود نجم الزعيم عبد الناصر الذي سارع الى بناء قوة الجيش المصري وتعزيزه بالسلاح وبناء السد العالي وتأميم قناة السويس، كمرتكز لبناء منظومة عربية قادرة على حماية الدول العربية ومواردها، وتحقيق طموحات شعوبها في الارتقاء والتقدم.

ذنب حسان ابو اسماعيل ورفيقه مصطفى نصر الله، انهما آمنا بحقهما بالتظاهر والتعبير عن الرأي، ومواجهة النظام السياسي القمعي، آمنا بحقهما بالعيش الكريم في نظام ديمقراطي، يوفر للشباب الحق بالمشاركة والعمل والحق بالتجمع، واصلاح النظام التربوي والتعليم، في زمن أخذت السلطة السياسية البلاد نحو الاحتكار وتعميم سياسة الفساد والصفقات والانقلاب على العهود والمواثيق التي اقسم على تنفيذها بعد الثورة البيضاء التي اوصلته الى سدة الرئاسة، وهذا ما بدا واضحا في المناقشات الصاخبة التي حفلت بها الجلسة النيابية التي عقدها مجلس النواب، قبل ظهر الاول من نيسان 1954، وناقش فيها وقائع جريمة اغتيال الشهيد حسان ابو اسماعيل وجرح رفيقه مصطفى نصر الله برصاص رجال الامن، حيث عرت تلك المناقشت عجز السلطة السياسية تقبل الرأي الأخر، وأزمتها في إدارة الشأن العام والتزامها الخيارات الاقليمية المغايرة لتوجهات الرأي العام الوطني والعربي.

لقد شكلت لحظة استشهاد حسان ابو اسماعيل في مرحلة من الغليان الاقليمي نقطة تحول في مصار الاحداث في لبنان، على أكثر من صعيد، لا سيما في اتجاه تراكم الاحداث والضغط الشعبي ضد حكم كميل شمعون، والدفع باتجاه تشكيل تكتل وطني من الاحزاب والشخصيات الوطنية والتقدمية شاركت في ثورة الـ1958 التي اسقطت حكم شمعون, لقد عمَّد استشهاد الرفيق حسان ابو اسماعيل مسيرة الحركة الطلابية بدمائه، ودفع باستشهاده الى تأطير العمل الشبابي والطلابي مأسس وعي طلابي تقدمي اسهم في الدفع باتجاه انشاء الجامعة اللبنانية وتفعيل العمل المطلبي وتعزيز مفهوم المشاركة وديمقراطية التعليم. فكانت منظمة الشباب التقدمي وما زالت في طليعة القوى الشبابية والطلابية المجددة للعمل المطلبي والتغييري والاصلاحي، ومدرسة لتأطير العمل الشبابي، حيث اسهمت الحركة الطلابية والشبابية في تشكيل قوة دفع تغييرية وضعت لبنان في مقدمة شعوب المنطقة كقوة حاضنة لحركات التحرر العربي والوطني، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطيني.

كما اسس استشهاد ابو اسماعيل التقدمي الاشتراكي الى الربط بين الالتزام الحزبي القائم على خدمة المجتمع وقضاياه وبين مبدأ التفاني والاخلاص في الالتزام الى حد التضحية بالذات حيث ارسى استشهاد حسان ابو اسماعيل واستشهاد الرفاق الاوائل الذين سقطوا في معمودية الدم في مهرجان الباروك عام 1951، مبدأ التضحية بالذات من أجل سعادة وطمئنينة الأخرين، حيث يقول المعلم الشهيد كمال جنبلاط في تأبينه ثلة من شهداء الحزب، “وهل من شيء أشرف من العبور فوق جسر الموت إلى الحياة التي تهدف إلى إحياء الأخرين، وإلى محض قضيتهم قوة الانتصار مع الزمن، من أجل سعادة وطمأنينة الأخرين”.

فمبدأ التضحية بالذات في سبيل القضايا الوطنية والانسانية والتغييرية والتحررية ومن أجل مستقبل الآخرين أنار مسيرة الحزب وعزز مكانتها وارسى اسساً جديدة لمفهوم الالتزام الحزبي والعمل السياسي سيما وان الحزب قدم على مذبح الشهادة قافلة كبيرة من المناضلين على رأسهم المعلم الشهيد كمال جنبلاط الذي سقط مدافعا عن مبادئه وخياراته الكبرى لاسيما القضية الفلسطينية والاصلاح السياسي للنظام الطائفي في لبنان فكان معلم الشهداء.

معمودية الدم التي سلك طريقها الشهيد حسان ابو اسماعيل الذي نستذكره اليوم في واحدة من محطات الحزب النضالية، ارست مبدأ التضحية التي شكلت عماد النضال التحرري للمقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية ، وارسى مبدأ الانتصار مع الزمن، على الاحتلال الاسرائيلي وعلى النظام الامني الذي حكم لبنان في ذلك الوقت.

اليوم وفيما نستذكر استشهاد الرفيق ابو اسماعيل، في مواجهة حلف بغداد، نستذكر معه تاريخاً من النضال الوطني والعربي، ومسيرة من التضحيات، ونستلهم العبر من هذا التاريخ ومن تلك التحولات والاعاصير التي عصفت في منطقتنا والتي كان لها تداعيات خطيرة على استقرار لبنان وأمنه وموقعه وسلمه الاهلي، ونتطلع الى ما يتشكل حولنا من محاور علنا ننجح في تحييّد لبنان عن هذه الصراعات دون ان نتخلى عن مبادئنا وقناعاتنا وانتمائنا العربي.

—————————————

(*) فوزي ابوذياب