ماذا بعد قمة التحديات العربية في زمن المتحولات الإقليمية والدولية؟

يجمع المراقبون على أن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية الـ26 والذي انعقد في منطقة شرم الشيخ المصرية على وقع العمليات العسكرية التي تقودها الدول العربية المشاركة في “عاصفة الحزم” ضد الميليشيات الإنقلابية المدعومة في اليمن من قبل المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة، هي قمة التحديات في زمن يواجه فيه الأمن القومي العربي اكبر المخاطر وأشدها  تهديدا للدول العربية وشعوبها بأمنها واستقراراها وسيادتها وحريتها وحقها في التقدم والنمو والإزدهار، خصوصا أن المتحولات الإقليمية والدولية المتسارعة قد أملت على العرب وبعد سنوات طويلة من التراجع والضعف أن يستفيقوا وأن يتوحدوا ليواجهوا بيد واحدة موحدة كل المخاطر المحدقة من ارهاب تكفيري و صهيوني بالعالم العربي هذا بالإضافة إلى التهديد القادم على العرب من وراء المشروع الإيراني الهادف إلى استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية الطامعة بالتوسع وفرض النفوذ والهيمينة في كل أرجاء المنطقة على حساب المصالح والحقوق والتطلعات العربية.

فالقمة العربية التي اختلطت خطابات ملوكها وقادتها وزعمائها بالبيانات والأخبار العسكرية المرتبطة بتطورات الأحداث الجارية في اليمن أتت لتؤكد للأصدقاء والأعداء على حد سواء بأن زمن استباحة الأرض العربية لم يعد من المسموح القبول باستمراره، وبأن كل توسع وتمدد باتجاه المنطقة العربية سوف يتم مواجهته بالقوة العسكرية العربية الموحدة القادرة بإمكانيات وقدرات وقوات جيوشها على دحر كل المؤامرات والحاق الهزيمة على الأرض بكل قوة ميلشياوية أو إقليمية تعتدي أو تهدد سلامة و عمق الأمن العربي. كما أن هذه القمة أتت لتقول بأن زمن الإستفراد بدولة عربية قد ولى إلى غير رجعة بحيث ان العرب بهذه القمة الإستثنائية قد عقدو الحزم على التصدي بقلب واحد وبيد واحدة لأي تهديد أو اعتداء يطال أي دولة عربية شقيقة وبأن التصدي للتهديدات والتحديات لم يعد مقتصرا فقط على المواقف السياسية أو التحركات الدبلوماسية باتجاه الأمم المتحدة أوالعقوبات الإقتصادية، بل أن هذا التصدي العربي الموحد بات يشمل بشكل أساسي ورئيسي خيار اللجوء إلى العمل العسكري العربي المشترك وفقا لما ينص عليه بند الدفاع العربي المشترك في ميثاق الجامعة العربية ، إلا أنه  منذ 70 عاما  على تأسيس الجامعة العربية ولغاية اليوم بقي هذا البند حبرا على ورق إلى غاية انعقاد القمة العربية الـ 26 التي وضعت هذا البند موضع التنفيذ من خلال مقراراتها التي أقرت اعتماد انشاء قوة عربية عسكرية مشتركة في إطار المواثيق العربية والدولية، تكون مهمتها التدخل العسكري السريع للرد على أي اعتداء يهدد أمن أي من الدول العربية واسقررها وأمنها.

وفي هذا الإطار، قال البيان الختامي للقمة العربية المنعقدة في مدينة شرم الشيخ المصرية والتي اختتمت أعمالها يوم الأحد إن القادة العرب وافقوا على الاقتراح بإنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات وصيانة الأمن القومي العربي.كما جاء في البيان الذي تلاه الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في اليوم الثاني للقمة أنهم دعوا المقاتلين الحوثيين الذين استولوا على أجزاء كبيرة من اليمن للتوقف عن استيلائهم على السلطة وتسليم اسلحتهم.

وكانت القمة الـ 26 العربية التأمت بزخم واسع، إذ حضرها ١٤ رئيساً وملكاً وأميراً، فيما ظل المقعد السوري شاغراً، وتصدرت عملية «عاصفة الحزم» العسكرية ملفات القمة، وحصلت على دعم واسع. وأكد القادة العرب في كلماتهم تأييدهم العمليات العسكرية ضد الانقلاب الحوثي في اليمن، وأيدوا «عاصفة الحزم» التي تهدف إلى استقرار الشعب اليمني، وحمايته من الميليشيات، ودعم الشرعية في اليمن، وفيما أكد العاهل السعودي على استمرار العمليات العسكرية حتى تحقق أهدافها، قال إن «باب الرياض مفتوح لجميع الأطياف السياسية الراغبة في الحفاظ على أمن اليمن». وشن الرئيس المصري هجوماً ضمنياً على إيران من دون أن يسميها، وقال إنها «تستغل الظروف التي تمر بها دول عربية للتدخل في شؤونها أو لاستقطاب قسم من مواطنيها بما يهدد أمننا القومي في شكل لا يمكن إغفال تبعاته. وأغرت الظروف أطرافاً في الإقليم وفي ما وراءه وأثارت مطامعها إزاء دول عربية بعينها، فاستباحت سيادتها واستحلت مواردها واستهدفت شعوبها، وتفاعلت تلك التدخلات مع مؤثرات أخرى، كالإرهاب والظروف الاقتصادية والاجتماعية، بل وحتى الاحتلال، لتزيد من وطأة التحديات وتخدم بذلك أهدافاً تضر بمصالح الأمة العربية وتحول من دون تحقيق تقدمها».

وعلى هامش القمة عُقدت قمة ثلاثية جمعت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بحثت في تطورات الملف اليمني وعملية «عاصفة الحزم»، كما اجتمع وزير الخارجية اليمني رياض ياسين لأكثر من نصف ساعة مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الموجود في شرم الشيخ، وبحث معه تطورات اليمن وعملية «عاصفة الحزم». وقال ياسين بعد الاجتماع، إن الموقف الروسي «متفهم لما يجري في اليمن، وأكدوا لنا أنهم ليسوا مع الميليشيات الحوثية ويرون أن الموقف يتطلب أن نفكر في كيف يمكن أن نتوصل إلى حوار وتفهمات».

إلى ذلك، استمرت التأكيدات السعودية على أن عملية “عاصفة الحزم” لا تستهدف طوائف يمنية، بل تستهدف ميليشيا الحوثي وقوات صالح التي أضرت بالبلاد وشرعيته ومقدراته.وهذا التأكيد جاء في خطاب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أثناء كلمته في قمة شرم الشيخ، حيث أكد أن هذه العمليات العسكرية تهدف إلى ترسيخ استقرار اليمن وشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، وتخليص اليمن من ميليشيات الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح التي تمردت على الشرعية وانزلقت بالبلاد إلى هاوية الحرب الأهلية.

التأكيد السعودي لم يكن الوحيد الذي صدر من الدول المتحالفة في “عاصفة الحزم”، فقد اعتبر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ممارسات الحوثيين الأخيرة في اليمن تقويضاً لمؤسسات الدولة، واصفاً ما تقوم به ميليشيا الحوثي بـ”الطائفية السياسية”.ومنذ الانقلاب الحوثي على المؤسسات الشرعية اليمنية، حرص الحوثيون في كل منبر على اعتبار الاعتراض السعودي يستهدف الطائفة الزيدية التي يتحدّر منها التنظيم. هذه الاتهامات ترددت بشكل مكثف أيضاً بعد عملية “عاصفة الحزم”، التي وصفها الحوثي وأتباعه بالعملية الطائفية، كما تبعهم في ترديد هذه الاتهامات حزب الله اللبناني ووسائل إعلامه.وتبقى عملية “عاصفة الحزم” مستمرة حتى رجوع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى عدن وممارسة مهامه كرئيس شرعي لليمن، بحسب التصريحات السعودية الرسمية التي أكدت أكثر من مرة ابتعادها عن التصنيف بين طوائف الشعب اليمني، وأنها قامت بهذه العمليات العسكرية لحماية الشعب اليمني ومقدراته دون تمييز.

من جهة أخرى،رد وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل على رسالة الرئيس الروسي للقمة العربية، خلال الجلسة الختامية اليوم الأحد.وقال الأمير سعود الفيصل ” روسيا سلحت النظام السوري الذي يفتك بشعبه، وهذا النظام فقد شرعيته، ورسيا تتحمل مسؤولية كبيرة في مصاب الشعب السوري”. موضحاً أن ” روسيا تقترح حلولا سليمة وهي مستمرة بتسليح النظام السوري”.وكان بوتين قال في رسالته ” روسيا تقف إلى جانب الشعوب العربية من دون أي تدخل خارجي، ونستنكر الأعمال الإجرامية للجماعات الإرهابية، ويجب تسوية الأزمات في سوريا وليبيا واليمن على أسس القانون الدولي”.

_______________

(*) – الإفتتاحية – هشام يحيى