أضعف الإيمان (يمشي رويداً ويكون أوّلَ)

داوود الشريان (الحياة)

تباعَدَ اليمن بعضُه من بعض. فاضطرَّت السعودية إلى الذي ليس منه بدّ. وقرَّرَت دخول الحرب لحماية اليمن من عبث الحوثي. خلال السنوات الماضية خاض الحوثيون ست حروب على الشعب اليمني، بالتنسيق مع علي عبدالله صالح الذي كان يستخدمهم لخلط الأوراق، والسيطرة على البلد. الحوثي كان فزّاعة يستخدمها علي صالح لتخويف جيرانه ومعارضيه. وهو أقنع الآخرين بأن وجوده ضمانة لعدم سيطرة الحوثيين، وانزلاق اليمن في حرب أهلية. وحين خرج علي صالح من المشهد، قرّر الحوثيون بدعم منه، وبمساندة إيرانية، استكمال اللعبة القديمة.

علي عبدالله صالح راهن على أن السعودية لا يمكن أن تتدخل في اليمن، وأقصى ما يمكن أن تفعله أن تدعو إلى مصالحة، وتحمي حدودها. لكن تقديره خانه هذه المرة. وفاجأت الرياض علي صالح وإيران والحوثي بحرب تضم تحالفاً يعتبر سابقة في حروب المنطقة، وجرى الإعداد لها على نحو يوازي قوتها.

السعودية تكره الحرب، وخلال الحروب التي شهدتها المنطقة في العقدين الماضيين، كانت الرياض تشارك مُجبَرة، وتتحاشى الظهور في المقدّمة، على رغم أنها كانت قوة فاعلة عسكرياً و “لوجستياً”. هذا الزهد بالحروب جعل الآخرين في المنطقة يخطئون في تقدير قوتها العسكرية والسياسية. لكن السعودية تغيَّرت، و “عاصفة الحزم” دليل على أنها استبدلت الحرب بالتريُّث والصبر. ولن تقبل بعد هذه الحرب التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، فضلاً عن أن هذه الحرب كشفت قدرة السعودية على الحشد العربي والإقليمي والدولي لدعم مواقفها السياسية. وهي أثبتت للشعب السعودي، وللآخرين، أن صبرها ليس ضعفاً، لكنها كانت وفيّة لدورها التاريخي في تكريس الاستقرار والتنمية والتعايش، وحين أُجبِرت، فاجأت الجميع بعاصفة تشبه حلمها.

هذه الحرب التي تخوضها السعودية بتحالف عربي ودولي، ستقلب معادلة التوازن في المنطقة. إيران كانت تراهن على حال الجمود التي تعيشها المنطقة، واستحالة خلق توازن على الأرض في سورية، ولهذا تمادت. لكن الرياض قلبت هذه الحقيقة من خلال “عاصفة الحزم”. وخلال المرحلة القريبة المقبلة سنرى تأثير هذه الحرب في تغيير الوضع في سورية، وربما العراق، فضلاً عن أنها جدّدت ثقة السعوديين في جيشهم، وقيادتهم السياسية، فالجيش السعودي كان يشارك في الحروب السابقة كطرف، لكنه اليوم يخطّط للحرب ويقودها باقتدار، وهذا سيكون له تأثير كبير على دور السعودية الإقليمي في المرحلة المقبلة.

“عاصفة الحزم” أعلنت بوضوح أن السعودية تملك قوةً بحجم موقعها العربي والإقليمي، ودورها السياسي.

لا شك في أن السعودية أُجبِرت على إطلاق “عاصفة الحزم”. وهي وجدت أن الحوثي، بتوجيه ودعم من إيران، يسعى إلى خطف اليمن خارج محيطه العربي، فاضطرّت إلى وقف هذا التجاوز الخطير على أمنها، وأمن المنطقة.

الأكيد أن “عاصفة الحزم” أداة سياسية. وإيران تعرف ذلك، ولعلها أدركت أن من بدأَ حرباً بهذا المستوى من التخطيط والتنسيق، سيكون قادراً على حسمها لمصلحة أهدافه.