بعد كلام “نصرالله – الحريري”… هل ينأى لبنان بنفسه عن مفاعيـل “البركان اليمني”؟

لا تزال التطورات اليمنية بكافة أبعادها الإقليمية والدولية تتقدم على ما عداها من ملفات داخلية على ضوء ما تكتسبه هذه التطورات من أهمية من شأنها أن تحمل تباعا انعكاسات وارتدادات على لبنان والتي ظهرت أولى مؤشراتها بالأمس بخطاب امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وبرد رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري على هذا الخطاب في منحى لا يدل سوى على أن الملف اليمني بكافة تعقيداته بات ملفا انقساميا اضافيا في لبنان لا يقل خطورة عن بقية  الإنقسامات القائمة حول الملف السوري وغيره من الملفات الداخلية والخارجية الحساسة المرتبطة بصراعات القوى الكبرى في كافة أرجاء المنطقة.

وبحسب أوساط مراقبة فأن خطاب السيد نصرالله وما تبعه من موقف للرئيس الحريري لم يتجاوز لحد الآن وحتى اشعار آخر سقف الإنضباط الذي يحدده الحوار الداخلي في لبنان، ما يعني بأن هذه المواقف اللبنانية من الإنفجار اليمني لا تزال ضمن الإطار المقبول الذي يسمح للبنان بالنأي بنفسه بالحد الأدنى عن البركان اليمني على الرغم من أن هذه المواقف الأولية للأطراف اللبنانية من ما يجري يبقى رهينة التطورات القادمة على ضوء المواقف التي ستتخذها الجامعة العربية وما سيلي هذه المواقف من تدابير واجراءات قد تتخذها الدول العربية لحسم الأمور في اليمن من خلال تصعيد العمل العسكري في سياق “عاصفة الحزم”.

وفي خضم الانفجار الاقليمي والاستنفار العربي في مواجهة الزحف الايراني ومنع طهران من السيطرة على احد ابرز المنافذ البحرية الاستراتيجية، باب المندب ومضيق هرموز، توقفت اوساط سياسية مراقبة عند تداعيات الازمة اليمنية على ملفات الداخل التي كانت حتى الامس القريب مربوطة ارتباطا وثيقا بالملف النووي الايراني وما سيؤول اليه كباش الساعات الاخيرة، الا ان الانفجار اليمني وانتقال المبارزة الخليجية – الايرانية من دائرة المواقف التصعيدية الى المواجهة الميدانية يبدو انه سيلعب دورا فاعلا في بت مصير الازمات اللبنانية العالقة ما دام الرهان على حلها مرتبطا في شق اساسي بالعلاقات السعودية – الايرانية.

وفي قراءة لخلفيات وتداعيات الحدث اليمني، أوضحت مصادر سياسية عليمة ان ما قبل اليمن ليس حتما كما بعده ذلك ان القرار السعودي بوقف الزحف الحوثي يبدو حاسما، فالمملكة لن تسمح لايران بالسيطرة على المنافذ الاستراتيجية الحيوية ولا على الثروات النفطية اليمنية، وعلى وجه الخصوص تعريض حدودها لاي خطر والسماح لايران بعدما فرضت سطوتها على العراق وسوريا بالسيطرة على اليمن، مشيرة الى ان الرهان الايراني على التفكك العربي واستمالة الولايات المتحدة الى طهران من البوابة النووية وامتلاك السلاح لتغذية الصراع العربي، سقط بعدما حزم العرب أمرهم واعادوا تنظيم صفوفهم عبر توحيد الموقف واحياء دور الجامعة العربية وتشكيل قوة تحالف عربية آسيوية متراصة فاجأت العالم وايران وحملتها ربما على الدخول الميداني الى صنعاء. واكدت ان مجمل ما يجري في اليمن ربما يشكل احد محطات المناورة السياسية في اللعبة النووية الدولية التي تحتاج الى توظيف كل الاوراق المتاحة لممارسة الضغط وتحصيل اكبر قدر من المكاسب قبيل التوقيع، مشيرة الى ان المواقف الاميركية والسورية الاخيرة ان لجهة استعداد الرئيس بشار الاسد للتفاوض مع الاميركيين، او لوصف وزير خارجية اميركا جون كيري الاسد بالديكتاتور والطاغية، ليست منفصلة عن هذا الملف.

الى ذلك، تترقب الساحة اللبنانية الداخلية مفاعيل “الانفجار” اليمني الاقليمي على المستوى الداخلي، في ضوء ما افرزته من انقسام في المواقف بين فريقي 14 اذار الذي اعتبر قادته ان الخطوة العربية الخليجية حكيمة تخدم المصلحتين اليمنية والعربية، و8 اذار الذي عبر عنه بيان “حزب الله” امس بوصف التدخل السعودي بالعدواني المستنكر الذي يقود المنطقة الى توترات خطيرة. وموقف الحزب سيستكمل اليوم في خلال اطلالة امينه العام السيد حسن نصرالله مساء للاضاءة على ملفين أساسيين، التطورات اليمنية، حيث يتوقع ان يطلق نصرالله موقفا تصعيديا قويا ازاء “عاصفة الحزم” وشهادة الرئيس فؤاد السنيورة في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تضمنت اشارات الى دور “حزب الله” في مرحلة ما قبل الاغتيال، وكشفه ان الرئيس رفيق الحريري كان أبلغه عن احباط اكثر من محاولة للحزب لاغتياله.

ومهما بلغت المواقف من سخونة، فانها لن تتخطى وفق ما قالت مصادر مراقبة السقف المرسوم للاستقرار الداخلي الذي يشكل حاجة للاطراف كافة بمن فيهم “حزب الله” والذي فرض انطلاق الحوار بين الحزب وتيار “المستقبل” وتجاوزه كل الافخاخ والمطبات التي اعترضت تقدمه. وفي هذا المجال، اكد عضو الوفد الحواري في تيار “المستقبل” النائب سمير الجسر ان الجلسة الحوارية التاسعة لن تتأثر بالتطورات اليمنية لانها شأن اقليمي، في حين ان الحوار يعقد لهدفين داخليين: تنفيس الاحتقان المذهبي وايجاد حل لانتخاب رئيس جمهورية، الا انه اشار الى ان الوضع في اليمن سيحضر في الحوار من زاوية النقاش من دون الغوص في التفاصيل.

ومما لا شك فيه، وفق ما تقول الاوساط ان عملية “عاصفة الحزم” السعودية الخليجية المباركة اميركيا وروسيا خلفت انعكاسات بالغة السلبية على مسار هذه العلاقات بات يخشى معها ان تصبح الازمات اللبنانية مفتوحة من دون افق للحل خصوصا اذا ما اظهرت التطورات ان “العاصفة” ليست مقتصرة على رسالة خليجية الى طهران لوقف “تطاولها” على المملكة بل ستتعداها الى ما هو ابعد بكثير في ضوء القلق الخليجي من ان تتم صفقة الاتفاق النووي على حساب التوازنات الاقليمية وتوسيع نفوذ ايران في الدول العربية. وتبعا لذلك، تبدي الاوساط قلقا نسبيا على مصير الرئاسة وسائر الملفات غير انها لا ترى، اقله في المدى المنظور، انعكاسات امنية على المسرح اللبناني، المحصن بمظلة الاستقرار الدولي وبوعي القيادات السياسية المقتنعة بضرورة عدم الانزلاق الى المحظور الامني. وهي للغاية ماضية في مسلسل حوارات الداخل على الساحتين المسيحية والاسلامية، وتعتبر ان نأي مجلس الوزراء بنفسه عن الحدث اليمني امس رسم اشارة واضحة الى ما سيكون عليه الموقف اللبناني الرسمي من الموضوع ورغبة الاطراف الداخلية بعدم الوقوع مجددا في فخ الانقسامات والاصطفافات السياسية الحادة التي ليّنتها الجولات الحوارية الهادفة الى تنفيس الاحتقان المذهبي في الشارع، معربة عن اعتقادها ان ما سرى على مجلس الوزراء سينسحب على جولة الحوار التاسعة بين “حزب الله” الذي اصدر بيان استنكار شديد اللهجة ضد “العدوان السعودي – الاميركي على اليمن” وتيار “المستقبل” الذي وصف زعيمه الرئيس سعد الحريري الخطوة بالحكيمة والسليمة والشجاعة. وتشير الاوساط الى ان انقسام المواقف لن يترجم عمليا بحيث يعبر كل طرف في الداخل عن رأيه تحت سقف حددته مقتضيات المرحلة سياسيا والضوابط الامنية ولن يكون بمقدور اي جهة تجاوزه.

وتعزو الاوساط المشار اليها “الصحوة العربية” المتجددة التي تجلت بوضوح في المواقف عبر بيان الجامعة العربية وفي الميدان مع اصطفاف عدد كبير من الدول العربية والاسيوية الى جانب الخليجيين لا سيما مصر وباكستان ووضع امكانياتها العسكرية في اي هجوم قد يشن على الحوثيين الى تنبه مجمل هذه الدول الى الهدف الذي تسعى اليه ايران من وراء دفع ودعم الحوثيين وهو ذو وجهين: وضع اليد على مناطق النفط وطرقها والتحكم بقناة السويس وباب المندب ومضيق هرموز والضغط على الخليج بعدما صدر موقف دولي اسبغ على المنطقة تسمية “الخليج العربي” بعدما كان يسمى الخليج الفارسي. اما الوجه الثاني فيتمثل بتعزيز الدور الايراني في المنطقة كشريك اساسي وقوة اقليمية مؤثرة عشية التوقيع على الاتفاق النووي بما يمكنّ طهران من التحكم بمسار المفاوضات ومحاولة فرض شروطها في اللحظات الاخيرة على الحسم خصوصا مع بروز محاولات من اكثر من جهة لعرقلة التوقيع لا سيما من الجانبين الاسرائيلي والفرنسي، ولم تتوان ايران عن التلويح بورقة تفجير المنطقة من خلال تحريك الحوثيين لارسال الرسالة الى من يعنيهم الامر بوجوب وقف اللعب على وتر الانجاز النووي.

_____________________

(*) – الافتتاحية – هشام يحيى