الحزم في اليمن والمشهد الإقليمي الجديد

د.خطار ابو ذياب (العرب اون لاين)

الملاحظ أن وكلاء إيران الإقليميين، من النظام السوري إلى نوري المالكي وحزب الله، رفعوا التهديدات لأنهم يخشون بدء انتكاسة المشروع الإيراني الإقليمي.

“الحزم أبو العزم أبو الظفرات والترك (أي المغادرة أو التخلي) أبو الفرك أبو الحسرات”. إنها مقولة للملك عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية السعودية، ولهذا جرى إطلاق اسم “عاصفة الحزم” على عملية التحالف العشري في اليمن استنادا إلى بيت من الشعر يجمع الحكمة والتصميم، واعتمدها الملك سلمان، استلهاما من الملك المؤسس، كي يحمي الأمن الوطني السعودي والعربي المهدد من الانهيار اليمني، واستخدام اليمن كرأس حربة لتطويق السعودية وتكريس غلبة المشروع الإمبراطوري الإيراني.

منذ سقوط صنعاء بيد الحوثيين (أنصار الله) في سبتمبر 2014 وإسقاط المبادرة الخليجية، دخل اليمن في منعطف جديد ورفض الجانب الحوثي أي حل سياسي واقعي ومتوازن مع الإصرار على استكمال الانقلاب والإمساك بمفاصل الدولة، وأدى التحالف التكتيكي مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي جعل من الانتقام لترحيله عن السلطة منهج عمل لتخريب كل العملية السياسية. ولم يكن كل هذا التحول ليحصل لولا التورط الإيراني كما يدلل على ذلك تصريح علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية الإيراني الأسبق، وأبرز مستشاري المرشد الأعلى عن “امتداد نفوذ إيران من اليمن إلى لبنان” وعن “دعم إيران حركة الحوثيين، إحدى الحركات الناجحة للصحوة الإسلامية”.

ومن المفارقات أن يأتي اجتياح صنعاء بعد أيام على اعتبار الرئيس باراك أوباما لليمن كمثل ونموذج في مكافحة الإرهاب. وللتذكير فإنه منذ العام 2000، وجه تنظيم القاعدة أول ضربة ضد مدمرة أميركية في خليج عدن. بينما اعتمدت واشنطن ضربات الطائرات دون طيار من أجل إزالة رموز القاعدة (من الحارثي في 2002 إلى العولقي في 2011) ولذا بالرغم من شعار الحوثي الدعائي “الموت لأميركا والموت لإسرائيل”، اعتبرت واشنطن أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية عدوها الأول وتغاضت بذلك عن التوسع الحوثي المدعوم إيرانيا.

إزاء هذا الواقع تعنت الحوثيون ورفضوا العودة إلى طاولة الحوار في الرياض أو الدوحة، وأصروا على أن تنعقد في صنعاء تحت أسنة الرماح. وزيادة على ذلك استمرت الاندفاعة الحوثية، بالتعاون مع القوات الموالية للرئيس السابق، في قضم المناطق وقصف القصر الرئاسي في عدن، والسعي لإزالة رمز الشرعية الرئيس عبدربه منصورهادي. وهنا بعد فشل المطالبات الدولية والإقليمية، وكذلك بعد عدم الإنصات للتحذير السعودي المباشر من السعي لاحتلال عدن، والذي وجهه علنا عميد الدبلوماسية السعودية والعربية الأمير سعود الفيصل، وبعد المكالمة الهاتفية، التي تضمنت إنذارا، بين وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان واللواء السابق أحمد علي صالح نجل الرئيس السابق، تسارعت الأحداث وصدر قرار الحزم وانطلقت العشرات من المقاتلات السعودية لضرب أهدافها المرسومة بدقة، وتعطلت قدرات الحوثيين والقوات الموالية لهم وأخذت المعادلة تنقلب في اليمن بعد أن كادت القوات المعتدية تسيطر على عدن.

في ليل الأربعاء – الخميس 25 – 26 مارس شكل عنصر المفاجأة وانتزاع المبادرة عاملين يحفزان النجاح، وكان للتحالف المرتكز على دول خليجية وعربية ودعم باكستاني وتركي، نقلة نوعية نحو بلورة مشهد إقليمي جديد وتصحيح الخلل في موازين القوى.

كانت الرياض مركز الثقل في حرب تحرير الكويت وتكوين أكبر تحالف دولي، وعندما داهم الخطر البحرين تحركت قوات درع الجزيرة دون انتظار ضوء أخضر أميركي، وهذا الأسبوع أثبتت الرياض أنها لا تتهاون في مس أمنها القومي ومحيطها الجيوسياسي المباشر. وبدت القوة الوحيدة المؤهلة في تجميع قوى عربية وإسلامية وازنة مثل تركيا وباكستان ومصر في آن معا.

ليست عملية “عاصفة الحزم” في اليمن من الرهانات السهلة نظرا لتعقيد الوضع اليمني وتشابكاته الإقليمية، لكنها مؤشر واضح لقدرة القوى العربية على الانتقال إلى دائرة الفعل وعدم التسليم بالتمدّد الإيراني على حساب المصالح العربية العليا واستقرار الدول العربية. وتمثل هذه العملية رسالة إلى واشنطن، المترددة، وإلى القوى العالمية الأخرى مفادها أن الصفقة النووية المنتظرة أو الترتيب الأميركي – الإيراني لن تهمش الوزن العربي في الإقليم.

ستتوقف تتمة الأحداث على قبول الحوثيين أو عدم قبولهم إزالة مفاعيل انقلابهم، وكذلك على ردة فعل طهران التي برعت في الحروب بالواسطة على حساب العرب والدول العربية وعلى الأراضي العربية، والملاحظ أن وكلاء إيران الإقليميين، من النظام السوري إلى نوري المالكي وحزب الله في لبنان، رفعوا الصوت والتهديدات لأنهم يخشون انعكاسات التحالف الجديد وبدء انتكاسة المشروع الإيراني الإقليمي.

والأرجح أن تدخل اليمن في مرحلة تغيير تدريجي لميزان القوى يحجم السيطرة الحوثية. لكن احتمال نقل المعركة إلى الحدود السعودية – اليمنية يمكن أن يجر المنطقة إلى مواجهة إقليمية حادة. ومن المنطقي الاعتقاد أن مصالح واشنطن والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي تتقاطع في منع الانفجار الواسع في منطقة مضيق هرمز وباب المندب، وأن زمن التسويات يمكن أن يأتي بعد تعديل ميزان القوى.

—————————————-

(*)أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

اقرأ أيضاً بقلم د.خطار ابو ذياب (العرب اون لاين)

سوريا: الانتداب الروسي وورقة اللاجئين

إيران: شرارة البازار وكماشة ترامب

اختبار القوة بين ترامب وأوروبا

القانون رقم 10: إعادة تركيب سوريا

سوريا: التغيير الديموغرافي ومصير إدلب

دلالات التصعيد الروسي الأميركي في سوريا

العرقنة واللبننة في انتخابات لبنان والعراق

فرنسا – إيران: الاختبار الكبير للوسطية الماكرونية

الغرب وإيران بين هيلي ولودريان

القدس: دوافع قرار ترامب الأحادي وتبعاته

الأزمة السورية: المسار الشائك من جنيف إلى سوتشي

تصاعد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط

إيمانويل ماكرون الأوروبي وأنجيلا ميركل الألمانية

الأمم المتحدة من وودرو ويلسون إلى دونالد ترامب

مآلات التصعيد الصارخ في الأزمة الكورية

استراتيجية الصعود الصيني: الجيش الأحمر في البحر الأحمر

السياسة الخارجية الأميركية في متاهات الترامبية

قمة ماكرون – ترامب: شهر العسل الأميركي الفرنسي

العراق بعد معركة الموصل

تقاطعات الاستراتيجية الروسية في سوريا وتداعياتها