سبع حالات انتحار في 15 يوماً: ما التفسير؟

ربيع دمج- الانباء

 سبعة جرائم “إنتحار” وقعت في غضون إسبوعين في مناطق مختلفة من لبنان، الضحايا السبعة لم يتجاوز عمر الواحد منهم أكثر من 29 سنة، آخرها جريمة قتل نفس وقعت في بلدة الحدث (قضاء بعبدا) الجمعة الماضي أي قبل عيد الأم بيوم واحد كان ضحيتها الشاب فارس زيادة (29 سنة) الذي قدّم لوالدته الثكلى هدية لن تنساها طوال عمرها ليلة عيدها، كم ترك لطفليه الصغيرين “روي” و”جو” مستقبلاً سيكون حتماً ثقيلاً عليهما.

معظم ضحايا هذه الجرائم كانوا يتعاطون المخدرات ولدوافع نفسية أدت إلى وقوعهم في شرك الإكتئاب فأقدموا على الإنتحار تاركين الحسرة واللوعة في صدور أهلهم.

قبل فارس بيومين وقعت جريمة مماثلة في منطقة عين الرمانة شارع صنين ذهب ضحيتها شاب يُدعى يوسف سعد (23 عاماً) وبحسب المقربين من محيط العائلة في المنطقة المذكورة اكدوا أن يوسف كان يتعاطى حبوباً مخدّرة وقبل إنتحاره بأسبوع إنزوى داخل غرفته دون التكلًم مع أحد وصباح الإثنين 17 آذار أقدم على قتل نفسه بواسطة مسدس حربي، لتجده والدته غارقاً في دمائه داخل الغرفة، ولغرابة القدر انه في التاريخ عينه وقعت جريمتان متشابهتان واحدة في بلدة الحدث أيضاً إلا أن الضحية داني أبي نصر (23 عاماً) لم يطلق النار على نفسه بل تجرع كمية زائدة من المخدرات فسقط ميتاً على قارعة طريق شارع الحمرا في الحدث.

انتحار1

في هذا الوقت، عُثر على الشابة نيكول عساف (21 عاماً) جثة هامدة قرب حائط الطابق الأرضي من فندق “ميدتاون” في شارع الحمرا، وبعد تحقيقات مطوًلة تبين ان سبب الوفاة سقوطها من الطابق الخامس من مبنى قيد الإنشاء خلف الفندق المذكور، وبعد الغوص في التحقيقات أكثر فأكثر تم التوصل إلى أن عساف كانت مدمنة على حبوب المخدرات بسبب مشاكل عائلية وعاطفية، وكانت قبل إنتحارها بشهر واحد إعتزمت على العلاج للتخلص من هذه الآفة لكن دخولها في مرحلة إكتئاب عميقة دفعها للإنتحار.

وبالعودة إلى آخر جريمة (الحدث) وضحيتها فارس فقد أفاد سكان المنطقة لموقع “الأنباء” ان والدة الضحية انعام دخلت صباح يوم الجريمة إلى الدكان الذي تمتلكه في الشارع،  حيث كان إبنها يعمل معها في المحل، فوجدت الدماء تغطي المكان وجثة ابنها ملقاة على الأرض وإلى جانبه مسدس حربي، الصدمة لم تساعدها على الصراخ فخرجت من المحل وهي تلطم نفسها ما أثار إنتباه أبناء الحي وقاموا على الفور الإتصال بالصليب الأحمر، وحضرت القوى الأمنية وفتحت التحقيق. هناك من يقول ان فارس غرق في أيامه الاخيرة بديون خاصة بالمحل وآخرون يؤكدون أنه كان يتعاطى حبوب مخدرة بسبب أزمة نفسية كان يمر بها، لكنه توقف عن التعاطي وان إقدامه على الإنتحار ربما يعود لتوقفه عن هذه الآفة وإرتفاع الحالة العصبية لديه.

لكن مهما كانت الظروف والأسباب فالنتيجة واحدة “جريمة قتل النفس ببرودة أعصاب”، وهذه الظاهرة لا تبشر بالخير بتاتاً فمقارنة مع سكان لبنان وتحديداً شريحة الشباب فإن عدد جرائم الإنتحار خلال الشهر الواحد هي مرتفعة نسبياً. فماذا يقول الطب النفسي وعلم الإجتماع في هذا الصدد؟

تقول إخصائية علم نفس الإجرامي سهام ابو حنا  في حديث خاص لجريدة “الأنباء” أنّ “آخر الدراسات التي تناولت ملابسات مشكلة الانتحار، تحديداً في صفوف المراهقين والشباب أظهرت أن الاضطرابات النفسية تحوّلت مؤخراً الى حالة وبائية تستدعي التدخل السريع من قبل المعنيين في الحقلين الاجتماعي والنفسي”.

وتضيف أبو حنّا أن “هذه الحالة لم تعد تقتصر على مجتمع معيّن، بل انتشرت بفعل عدوى حضارة العولمة الى مجتمعات كانت في الماضي أكثر أماناً واطمئناناً، وفي مقدّمها مجتمعاتنا الشرقية المحافظة والمتديّنة. وهو دليل واضح على حقيقة أن جينات الإنسان الوراثية ليست وحدها المسؤولة عن منحاه السلوكي، بل أصبحت تعتبر عاملاً مشاركاً في عملية التفاعل البشري مع مؤثرات البيئة الخارجية، وما ينجم عنها من تغيّرات في الميول والتوجّهات ونسبة التكيّف مع الواقع”.

انتحار

وتشير أبو حنا إلى بعض سبل الوقاية من هذه الظاهرة التي تتطور في مجتعمنا وضرورة الحدّ منها عبر ” إنشاء مراكز للعناية بمشاكل الشباب، وتوجيه العائلات لمنع تفاقم الهوة بين الأجيال، وبالتالي إعادة اللحمة العائلية إثر التفكّك الذي نال من بنيتها بفعل سرعة التطور الحضاري”، مشددة على ضرورة إلقاء الضوء على الأمراض والإضطرابات النفسية التي تتسبب بالانتحار، وتشجيع الأهل على إستشارة الأطباء النفسيين من دون خوف أو خجل. فالأمراض النفسية هي بمجملها بيولوجية المنشأ، وتحتاج الى العلاج بالأدوية وحان الوقت كي نخرج (كشرقيين) عن صمتنا وخجلنا لإنقاذ أبنائنا من موت محتّم، لأن علاج الحالة في الوقت المناسب  ليس عيباً او فضيحة وهو أفضل من كلام الناس وخجل الاهل بعد وقوع الواقعة”.

كلام أبو حنا يتطابق مع ما قاله عالم الإجتماع  الدكتور سامر حيدر لجريدة “الأنباء” هو أن “الانتحار هو حال قصوى من حالات الضيق التي بدأنا نلمس تزايدها عند الشرائح الاجتماعية والامر لم يعد محصورا بفئات عمرية معينة”، مشيرا إلى أن “الاضطرابات النفسية تتزايد، ومثلها تعاطي المهدئات، حبوب المنومات، إدمان الكحول، وطبعا المخدرات”.

 ويشدد حيدر على أن “عوامل الضغط يقابلها قيم التربية وحماية المجتمع ووجود الاصدقاء، والتمسك بالايمان، وهذا ما نلاحظ تراجعه كقيم في أيامنا هذه مما يدفعها الى ضرورة التنبه الى تنمية حس الثقة بالنفس، والقدرة على المواجهة وتوعية المجتمع لأهمية التماسك القيمي الاخلاقي. أما دور الدولة ومؤسساتها فهي عديدة في مجال الوقاية وأبرزها تأمين الرؤية الواضحة لمستقبل الشباب، وأيضا في بث شعور الامان لدى المواطنين”.

ومن هذه النقطة يبدأ التحدّي الكبير: هل ستقوم الوزارات المعنية بالإهتمام بهذا الموضوع الشائك للحد من ظاهرة الإنتحار التي ترتفع ام ستبقى مكتوفة الأيدي تتفرج على ضحية جديدة تلوى الأخرى؟