كيف يجب تفسير اقتراع الناخبين في الانتخابات الأخيرة

استناداً إلى تركيبة الكنيست الـ20 كما تظهرها نتائج الانتخابات، فإن بنيامين نتنياهو سيواصل شغل منصب رئيس الحكومة. لقد خاض نتنياهو الانتخابات من أجل هذا المنصب ونجح في الحصول على ولاية أخرى. صحيح أنه لم ينتخب مباشرة لمنصب رئاسة الحكومة، لكن استناداً إلى أسلوب الحكم الائتلافي وفي ضوء الطابع الخاص المعقد للنظام السياسي في إسرائيل، هذه كانت النتيجة.

من بين السمات البارزة للانتخابات الديمقراطية أن الخاسر يقر بخسارته ويقبل حكم الناخب. وحسناً فعل يتسحاق هيرتسوغ عندما اتصل هاتفياً بنتنياهو وهنأه على فوزه. لكن بعد الانتخابات بدأت تبرز تفسيرات تتعلق بدلالة هذه الانتخابات من خلال توجّه لخلق أسطورة أو خرافة تصور نتائجها وكأنها فوز ساحق لليمين ودعم من الشعب لمواقفه السياسية. لكن هذه التفسيرات لا تمت إلى الواقع بأي صلة. صحيح أن الشعب قال كلمته، لكن يتعين علينا وبرغم أن نتنياهو سيشكل الحكومة المقبلة، أن ندرس جيداً ماذا قال الشعب.

عندما حاول نفتالي بينت تفسير الهزيمة القاسية التي مني بها حزبه كتب: “المعسكر القومي نال أغلبية لم يسبق لها مثيل”. لكن هذا خطأ. فمعسكر اليمين، أو كما يسميه أنصاره “المعسكر القومي”، أو من يسميهم نتنياهو “شركاءه الطبيعيين”، مؤلف من الليكود ومن حزب البيت اليهودي بكل مكوناته، ومن إسرائيل بيتنا والحزبين الحريديين [شاس ويهدوت هتوراه]. وقوة هذه الكتلة من حيث عدد المقاعد لم تكبر في هذه الانتخابات بل تقلصت بأربعة مقاعد. ونتنياهو انتخب رئيساً للحكومة ليس بسبب تعاظم قوة اليمين، بل على الرغم من ضعفه.

الصورة الصحيحة نجدها في الأرقام التي لا يمكن الالتفاف عليها. من الممكن إخفاء الأرقام أو محاولة طمسها أو تجاهلها، لكن لا يمكن تزييفها أو تشويهها ولا يمكن إنكارها. منذ انتخابات 2009 خسرت كلتة اليمين تسعة مقاعد. في 2013 كان لهذه الكتلة 61 مقعداً (مقابل 66 في 2009)، واليوم لديها 57 مقعداً. وفي 2013 كان في إمكان نتنياهو نظرياً تشكيل حكومة يمينية ضيقة تتمتع بأغلبية صوت واحد، لكنه اليوم لا يستطيع تشكيل حكومة من دون حزب وسط واحد على الأقل. وفي هذه الانتخابات خسرت كتلة اليمين مقعدين لليسار ومقعدين للوسط.

الانتصار الذي حققه الليكود وزيادة قوته بنسبة 50% إنجاز مثير للإعجاب. لكن هذه الزيادة جاءت فقط من داخل كتلة اليمين (أربعة مقاعد من البيت اليهودي الذي عاد إلى حجمه الطبيعي كحزب قطاعي، وخمسة مقاعد من إسرائيل بيتنا الذي تراجعت قوته البرلمانية إلى النصف، ومقعد واحد من يهدوت هتواره). لقد “امتص” الليكود المقاعد من أحزاب تدور في فلكه، وحسناً فعل لأن إسرائيل بحاجة إلى أحزاب كبيرة. لكنه لم يستطع أن يحصل ولو على ربع مقعد من اليسار أو الوسط.

إن المحاولة الحمقاء لتصوير حزب “كلنا” بوصفه حزباً ينتمي إلى كتلة اليمين لا أساس لها في الواقع، فقد كان موشيه كحلون مصراً طوال الوقت على تأكيد أنه لا ينتمي إلى أي كتلة وأنه حزب وسط واضح. وفي المواجهة التلفزيونية بين ثمانية زعماء أحزاب، هاجم كحلون نفتالي بينت ووصفه بالواهم، مشدداً على أنه ضد بناء المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية.

يعرف رئيس الحكومة جيداً الأرقام ومغزاها الحقيقي، ونأمل أن يتصرف وفقاً لها.

————————

(*) يهودا بن مئير – باحث في معهد دراسات الأمن القومي/ “هآرتس”

نقلا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية