المثبطات وغنى طرابلس

د. قصي الحسين

في الثالث عشر من نيسان من العام 2010، حلّ مركز البحوث والتنمية المستدامة ضيفاً على بيت الفن، بمناسبة بيروت عاصمة عالمية للكتاب، برعاية دولة الرئيس نجيب ميقاتي.

واليوم بعد خمس سنوات، يحل مركز البحوث من جديد ضيفاً على بيت الفن، مركز العزم الثقافي، في مساء ثقافي مميز تحت عنوان: “المشهدية بين الحركة والسكون” بمشاركة نخبة من الفنانين التشكيليين والأكاديميين: د. فايق الحميصي والمخرج جو قديح والدكتور عادل قديح والفنان محمد عزيزة، يدير الحوار الأستاذ علي العلي.

وتكتسب فعاليات هذا المساء الثقافي أهميتها، كونها تقام في عاصمة الشمال طرابلس، التي لم يتسنّ للعروس بعد، أن تخلع ثوب الحزن والحداد، ما يجعلها محط اهتمامات مختلف النشاطات الثقافية والسياسية والاقتصادية، وهي، كانت، قبل، كما هي بعد، الأمر الذي يجعل الأيام والأماسي الثقافية بطرابلس، موضع اهتمام. كيف لا، فمعاً، مع المتابعين والمعنيين، دفء النشاط وحرارة الإهتمام به.في افتتاح منتديات العزم الثقافية، سمعت دولة الرئيس نجيب ميقاتي يقول في الحفل: “إن الثقافة في طرابلس لها دور مهم تقوم به”. وأخذاً بهذا القول، والتأكيد على أولويته، يدشن اليوم مركز البحوث تعاونه مع مركز العزم الثقافي بيت الفن، بهذا المساء الثقافي بامتياز، وكأن طرابلس، لم تعرف أسىً، ولا هي ستعرفه أو تتعرف عليه بأي وجه من الوجوه. فخطورة هذه الحرب الناشبة، إنما هي ناشئة من كونها تستهدف، قبل كل شيء، تفكيرنا وثمار تفكيرنا، مناعة وجودنا، وأعتقد جازماً، أن النخب الثقافية بطرابلس، لا تزال تتحدث باستمرار عن أهمية هوية المدينة الثقافية التاريخية وحيويتها، وضرورة تجسيدها، سلوكاً ونشاطاً، من خلال ما تختزنه في داخلها من طاقات ثقافية وفكرية وفنية.

إن مركز البحوث وحده، ومتعاوناً، إنما يرسي قواعد التأسيس الجدي لفضاء معرفي وثقافي، يسمح لأصحاب الطاقات، بالتعبير عن أعمالهم وإبداعاتهم، من ضمن مساحة الاعتراف بضرورة التغيير.

ومركز البحوث والتنمية المستدامة، متعاوناً مع كلية الفنون الفرع الثالث، إنما يؤسس أيضاً من ضمن مسافة الاعتراف بضرورة التنشئة والتطوير، وإصراره على اصدار مجلة “نشر بحث” إنما يأتي في إطار تقديم “معونة بحثية” لأجل التطوير. فمركز البحوث مطالب إذاً، بإقامة مركز أبحاث معرفي يحرّم احتكار المعارف ويحارب التفاوت الثقافي والفكري، بحيث يتبلور عنه كيان ثقافي بحثي متين تكون الحرية والمعرفة والتنمية إكسير جدارته في الجامعة وفي المجتمع على حدّ سواء.

وتمر طرابلس بمرحلة مهمة من التطورات التي شملت العديد من المظاهر الاجتماعية والسياسية والأمنية والثقافية والفكرية والاقتصادية. وأثبتت هذه التطورات جميعها أن المدينة عصيّة على الموت. وأنه لا يزال بالإمكان ربط الثقافة فيها بالنهوض ورفدها بالمستجدات التحويلية والبناء عليها، وهدف مركز البحوث والتنمية المستدامة الأساس في الجسم الأكاديمي والجامعي، إنما هو تنفيذ نوع من الضبط الثقافي والفكري داخل المجتمع والذي ينهض به الباحثون والأكاديميون، وربطه علاقة الباحثين والأكاديميين بالمنتديات والمراكز البحثية المؤاخية في لبنان والخارج، بموجب اتفاقات وعقود شفاهية ومدونة لتنظيم العلاقة معها تنظيماً موصوفاً، تتبع فيه الاتفاقات التعاونية: القانونية والعرفية.

تطورت النظرة إلى المدن منذ مطلع القرن العشرين، خاصة فيما يتعلق بدورها الثقافي والأكاديمي والبحثي. ولا سيما دورها كحاضنة استشراف وتخطيط وبحث. ثمة مكان جيد في طرابلس لفهم الحاضر، ولطرح الأسئلة حول المستقبل، وهو أديم طرابلس التاريخي، مع السفر فوقها بأبطأ ما يمكن، لأن العمل البحثي والأكاديمي، إنما يحتاج إلى كثير من التأني. ومركز البحوث والتنمية المستدامة، يحاول أن يكون جسراً بينه وبين البيئات الثقافية والفكرية والأكاديمية، يساهم في تقريب المسافات بينه وبينها، كما يحاول أن يكون أرضاً لجميع الباحثين والأكاديميين والناشطين، والتفكير معهم بعقل بارد ومن دون أي انفعال لأي سبب أو لأي حدث.

مثقلاً، كان العام 2013/ 2014، بالتحديات والتساؤلات والأحداث الجسام التي اهتزت لها المدينة، كما الوطن: تداعيات الجوار الاقليمي وعبء اللجوء والقلق الأمني، وصعوبات عديدة واجهت الحياة الثقافية والأكاديمية بكل وجوهها. وآفاق متغيرة تفرض نفسها على المشهد الإقليمي، وتدعونا كمراكز بحوث ومنتديات ثقافية وجمعيات أهلية ومجموعات أكاديمية إلى البحث والتبصر: هل لا يزال البحث أو النشاط الثقافي والفكري أولوية. وأي تدريب على ذلك في غشاوة الخطط وغياب السياسات. نرجو أن يكون العام 2015 موعداً جديداً لإطلاق مبادرات جديدة ونوعية، على الرغم مما نواجهه من مثبطات. فمهمة المثقف والأكاديمي أن يضع حداً للمثبطات لأجل غدٍ أكثر غنى للمدينة والوطن.

——————————————

(*)  القيت في افتتاح ندوة: “المشهدية بين الحركة والسكون”، بمركز العزم الثقافي، طرابلس 

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث