الريحاني… زيدي أم شافعي؟

جليل الهاشم

منذ نحو قرن زار أمين الريحاني اليمن وجال في أنحاء الجزيرة العربية وأصدر في العام 1923 كتابه الشهير “ملوك العرب” كان ذلك الكتاب من بين التقارير السياسية الإجتماعية الأولى التي توضع عن حالة العرب في الجزيرة وفي اليمن مروراً بنجد والحجاز وصولاً إلى الكويت ودول الخليج.

كان السؤال الذي فوجئ به الريحاني لدى مشاركته في مجلس الإمام الحاكم في صنعاء هل أنت زيدي أم شافعي؟ ولم يكن يحسب حساباً لمثل هذا السؤال وهو القادم من بلدة الفريكة في جبل لبنان حيث الأسئلة المطروحة مشابهة حول إنتماءات مذهبية وطائفية أخرى كما إنه في ثقافته الأميركية الغريبة لم يكن مستعداً لسؤال من هذا النوع وهو القادم من المغتربات محملاً بفكرة القومية العربية التي عليها أن تنهض في عصر ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتحقق للعرب ما حلموا به من دولة قوية كانت في تلك الفترة تدغدغ أفكار النخب خصوصاً في لبنان وسوريا ومصر وغيرها.

يروي الريحاني كيف خرج من حراجة السؤال متسللاً إلى طرح أفكاره الكبرى لكنه إكتشف بعداً جديداً للإنقسام داخل المجتمع اليمني بين زيدية ينتسب إليها الإمام الحاكم وشافعية تضم قبائل كبرى تتقترب من الحكم فتحصل على حصتها وإذا إبتعدت تُعاقب ما جعل اليمن السعيد كما كان يلقب تعسياً في معظم أيامه.

لكن ذلك الانقسام بقي في إطاره اليمني المحدود ورغم التطورات اللاحقة الكبرى ومنها الانقلاب على سلطة الإمامة في مطلع الستينات وقيام ثورة السلال ثم إنطلاق الكفاح المسلح في الجنوب ضد الإحتلال البريطاني لم يجعل من الخلاف اليمني الداخلي مسألة مذهبية أو طائفية، إنما أبرزه بوصفه صراعاً سياسياً بحتاً لا علاقة للدين ومذاهبه فيه مثال على ذلك أن السعودية وقفت إلى جانب سلطة الزيديين الممثلة بالأمام المخلوع ومصر الناصرية وقفت إلى جانب المنقلبين عليه وفي هذا المناخ تطورت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني إلى حزب اشتراكي ماركسي لينيني يقود دولة الإستقلال في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

نعود إلى الريحاني ومجريات قرن مضى لنفهم أبعاد ما يجري اليوم حيث حوّل الايرانيون أو يحاولون تحويل الزيدية إلى فصيل مذهبي تحت باب تصدير الثورة الايرانية ويحركون هذا الفصيل ضمن مشاريعهم العامة في المنطقة لفرض مزيد من النفوذ الذي يطال باب المندب وحدود الجزيرة العربية الجنوبية الغربية هذا هو الفرق بين خلافات 1923 الزيدية – الشافعية وخلافات المشروع الحوثي في مواجهة بقية اليمني اليوم وهو ما حاول الريحاني التنبيه إليه دون أن يدري.