سبب إضافي لتأييد الثورات

إحدى فضائل الثورات العربية أنها كشفت عن عمق أزمة دولنا، هذه الدول والأنظمة، إسلامية كانت أم علمانية، تعيش على كذبة كبيرة، إختصارها أنها أمر واقع وأن لا شيء تحدى قدرتها على البقاء سابقا.

الدول التي نعيش فيها في منطقتنا العربية مجرد تقليد سيء للدول الغربية الحديثة، لم يعد من المجدي اليوم إتهام “الإستعمار” او “المؤامرة الغربية” بتدبير كل ذلك، لا بل لا بد من الإعتراف بأننا فشلنا في بناء دول وفق النموذج الحديث.

ليس صدفة أن القوانين في دولنا تطبق على فئات وتستثنى منها فئات، إنها طبيعة الأمور، وبالتالي فإن الدولة نفسها هي لفئات دون غيرها، وليس الحديث هنا عن أغنياء وفقراء، وفق التقسيم الكلاسيكي لفئات المجتمع وطبقاته، بل الحديث عن فئات حاكمة وأخرى مقموعة.

حتى لا يطول الحديث، نحن قلدنا نماذج الدولة الحديثة ولكن مجرد نسخ أعمى لبعض الجوانب الشكلية من الدولة، أهملنا من الدولة الحديثة أنها مؤسسات محمية بقوانين إلزامية للكل، وهي تعاقد بين السكان الموجودين في محيطها على أسلوب حياة وإلتزاما بهذا الأسلوب تقدم المؤسسات خدمات مقابلة، وترعى أنماط الإنتاج للدولة، التي يفترض أن لها دور إقتصادي وإنتاجي في محيطها وفي العالم.

هذا العقد الإجتماعي غير قابل للخرق، وهو محمي بآليات تداول سلمي للسلطة، وبهيئات تبدأ من البلديات وتنتهي بالنواب والرئاسة، والقضاء يملك إستقلالية فعلية ليتمكن من مراقبة الكل وتطبيق القوانين، والإعلام ممول من الناس الذين يدفعون مقابل خدمته سواء عبر شراء الصحف او الدعايات.

ولكن حين قلدنا نموذج الدولة الحديثة إبتكرنا إختراعا جديدا، إما الحكم بمنحة إلهية غير قابلة للنقاش، أو الحكم بالانقلاب العسكري وهو أيضا لا يحبذ النقاش، وفي كلا الحالتين يصبح الحكم محصورا بعائلة أو فئة دون غيرها، ومحميا بالقمع، ويتغذى من إقتصاديات غير منتجة، سمته الأساسية هي توظيف الازلام، وقضاؤه يشبه الحكم المنحاز، وصحافته هي مجرد تعبئة إعلامية وصحافة حزبية، وليست صحافة تراقب، وإنتخاباته لتأكيد المؤكد وإستمرار حكم الفئة نفسها، إن كانت عائلة أو حزب أو فئة دينية.

إن العالم الحديث، بتقنياته وسرعة تبلور اقتصادياته وكثافة الإنتاج الصناعي والفكري، لم يعد يتسع لأشكال مشابهة من السلطة، بات يضعها في خانة واضحة: الدولة الفاشلة.

كل دولنا فاشلة، علاقتنا بأنظمة حكمنا فاشلة، ترقي كوادرنا فاشل، العلاقات البينية بين فئات مجتمعاتنا فاشلة، إقتصادياتنا فاشلة وكذلك تجاراتنا التي تشبه عمليات النصب.

لذا كشفت الثورات العربية العورة مرة واحدة، فإما أن نعيد صياغة العلاقات ما بين الناس وأنظمة حكمهم، وإما أن نقبل بأنظمة حكم قدرية تبقى بالقمع والعنف، من ممالك وإمارات ومشايخ وجنرالات وأنظمة محاصصة وتقاسم وصولا إلى دولة إسلامية من هنا وداعش من هناك.

على الأقل وبعد أن عرت الثورات العربية هذا الواقع لم يعد بإمكاننا تجاهله.