تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

حَفِلت الأيام الماضية بتسريبات تناولت موضوع الإنتخابات الرئاسية في لبنان، وكاد جزء من هذه التسريبات يؤكد حصول الاستحقاق المُنتظر في الأيام القليلة المُقبلة، أما الجزء الآخر فقد إستبعد إنتخاب رئيس جديد قبل نهاية الصيف القادم. وبينما يربط البعض الاستحقاق بمدى تقدُّم الحوار بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، يرى البعض الآخر أن الموضوع مُعلَّق إلى حين الإنتهاء من المفاوضات الجارية في مدينة لوزان السويسرية، بين الولايات المتحدة الأميركية وايران.

تؤكد معلومات مصدرها أوساط سياسية على إطلاع بما يجري، أن الغموض ما زال سيد الموقف فيما يتعلق بالملف الرئاسي اللبناني، والتسريبات التي تحدثت إحتمال الاتفاق على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، غير صحيحة، ولم تتفق الاطراف الداخلية على هذه المسألة، كما أن العماد عون لم يُفاتح اي من القيادات التي زارها في المُدة الاخيرة في موضوع الرئاسة، بل بحث معهم في ملفات أُخرى، وهو غير مُستعد ان يُقايض للوصول إلى هذا الموقع مقابل تنازلات في ملفات هامة اُخرى.

ووفقاً للأوساط السياسية المُتابعة، فإن اي من الاتفاقات التي تمَّ الحديث عنها لم تحصل، ونفت هذه الاوساط ان يكون حصل تفاهم بين الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون، يقضي بإطلاق يد الحريري في تشكيل حكومة العهد الاولى، مُقابل مساعدة الحريري لعون للوصول إلى قصر بعبدا، كما نفت هذه الأوساط أن يكون حصل اي تفاهم بين العماد عون والدكتور سمير جعجع، يقضي بأن يتولى الأول الرئاسة ثلاث سنوات، ويخلفه الثاني بتكملة الولاية الرئاسية في الثلاث سنوات الأُخرى.

وتؤكد المُعطيات المتوافرة، أن حزب الله وإيران لا يهمهم الموضوع الرئاسي في لبنان كثيراً، لا سيما أن الرئيس لن يُغيِّر اي من المُعادلات الموجودة، مهما كان اتجاهه السياسي. والطرفان رُبما يُخططان الى تجيير تأثيرهما في هذا الموضوع الى الرئيس السوري بشار الاسد، لإعادة تسويق نفسه بين القوى اللبنانية التي لا تكنُّ له اي ود، وكذلك في استخدام الورقة الرئاسية اللبنانية في فك العزلة الدولية عن الاسد، والمُستمرَّة منذ خمس سنوات، ناهيك عن امكانية إستخدام هذه الورقة في إعادة تطبيع علاقات الاسد مع بعض الدول العربية، وعلى وجه التحديد مع مصر، ودائماً وفقاً لمعلومات مُستقاة من الاوساط السياسية المُتابعة.

لا تعني هذه المعلومات أن ظروف النجاح متوافرة لتحقيق الاهداف التي قد تكون “قوى المُمانعة” تتطلَّع اليها، ولكنها في الوقت ذاته تتأمل أن يحصل إنعطافة عند بعض دول المنطقة في هذا السياق، تُشبه الانعطافة الاميركية التي عبر عنها وزير الخارجية جون كيري، الذي قال إن الحوار مع الاسد ضروري لإنهاء الازمة السورية، ولاقى تصريحه حملة استنكار واسعة في لبنان، وفي عدد من الدول العربية الأُخرى.

في الفترة التي سبقت وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، حصل تبادل رسائل بين دول كبرى اقليمية حول الملف الرئاسي اللبناني بواسطة المبعوث الرئاسي الفرنسي فرنسوا جيرو، وتحدثت المعلومات عن إعتراض رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع على إسم مرشح التسوية الذي نال موافقة الرياض، ولم يكُن الاقتراح نافراً لدى قوى” المُمانعة “. وأُجهضت المحاولة في حينها، وأدت إلى توتر في العلاقة بين بعض المسؤولين في الرياض والدكتور جعجع، فلجأ جعجع الى إطلاق حوار جدي بين القوات اللبنانية والتيار العوني، من دون ان يصل هذا الحوار- حتى الآن- الى مُقاربة مُشتركة للملف الرئاسي الشائك.

ليس في الأُفق اي تصور واضح حول كيفية ملء الفراغ الرئاسي المُخيف، ولكن إرادة التلاقي، والاستمرار بالحوار، ما زالت قائمة بين القوى الاساسية في لبنان، وعلى وجه التحديد بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر على المستوى المسيحي، وبين تيار المُستقبل وحزب الله على المستوى الاسلامي، بالرغم من التباعد التي حصل على خلفية الوثيقة التي صدرت عن قوى 14 آذار في الاجتماع الذي عقدته هذه القوى في مُجمع البيال السبت الماضي.

المرونة التي يتعامل بها العماد ميشال عون مع القوى السياسية المُختلفة، لاتكفي للإتفاق عليه مُرشح اجماع للرئاسة. فهناك عدة نقاط ليست في صالحه، وربما أهمها الاعلان الاخير لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، حيث قال حرفياً: “إن الحل هو بإنتخاب العماد عون رئيساً دون سواه” مما اعتبرته قوى 14 آذار استفزازاً لها، وبالتالي أصبحت موافقتها على إنتخاب العماد عون اكثر صعوبة.

والاعتبارات الإقليمية التي تُحيط بالوضع اللبناني، لا تخدم التوافق، كما أن هذه الاعتبارات لا تؤكد انتصار فريق اقليمي على فريق اقليمي آخر، بالرغم من التصريح المُثير للجدل الذي أدلى به السيد علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حول إستعادة الدور الامبراطوري لإيران. وتعادل موازين التأثيرات للدول الاقليمية الكبيرة، ما زال قائماً، وليس بالضرورة أن يكون رِبح إحداها لمعركة في بغداد او صنعاء، ان يكون انتصار شاملاً في الحرب.

بالرغم من أن التسريبات التي تناولت ملف إنتخابات الرئاسة اللبنانية غير صحيحة بمُعظمها، إلا ان العوامل التي قد تُنتجُ اتفاق في ايِ لحظة متوافرة، خصوصاً ان غالبية القوى الدولية، مُتفقة على اعطاء هامش واسع للعامل الداخلي في إتخاذ القرار.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي