دبلوماسي أوروبي لـ”الأنباء”: عقبات تواجه الاتفاق النووي

تنشغل الأوساط السياسية بلملمة الخلافات الداخلية التي عادت إلى الواجهة خلال جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، حيث تشكل أزمة التمديد لمسؤولي الاجهزة الامنية تباينا بين القوى كافة وتثير جدالا قد يخرج عن حدوده، لا سيما أن المواجهة المستعرة في الاقليم على خليفة التدخل الإيراني في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، والمتزامنة مع التقارب في المفاوضات الايرانية مع الدول الست، قد يدفع إلى تغيير المعادلات والتوازنات لا سيما تلك التي رست عليها الأمور في الداخل اللبناني منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام والتي حالت دون الإتفاق على رئيس للجمهورية، تلك التوازنات المهددة بالتخلخل وفق لعبة الأحجام والأدوار التي تعيشها المنطقة والمعرضة لمزيد من خلط الأوراق، تدفع بالقوى السياسية الرقص على حافة الهاوية بإنتظار تبيان نتائج مصار الأمور الخارجية المرجح أن تتضح معالمها نهاية الشهر الجاري.

خلط الأوراق هذا والذي ينتظر رسم حدود التنازلات التي سيقدم عليها الطرفين الإيراني والأميركي لن يقتصر  فقط وفق مصادر دبلوماسية أوروبية، على دور وموقع إيران، إنما أيضا حجم وتأثير ومكمانة القوى الأخرى في المنطقة وضمنها إسرائيل، وهذا الخلط لن يكون خارج إطار القرارات الدولية المرتبطة بأزمات المنطقة والمتوقع إصدارها، وبالتالي فإن المواقف الاعلامية لهذا الفريق أو ذاك وتحت اي ظرف لن تكون ذات تأثير فعلي ما لم تنسجم والمقررات الدولية التي قد تترك الامور معلقة في مكان ما كما هو حال مؤتمر جنيف (1) المتعلق بالازمة السورية.

ورأت المصادر أن تمرير إتفاق نهائي بين أميركا وإيران بمعزل عن الدول الست غير ممكن، لان إيران تشترط رفع العقوبات مقابل اي إتفاق نهائي وهذا دونه عقبات، كما أن الدول الست بما فيها الولايات المتحدة، تريد ضمان عدم إمتلاك إيران للقوة النووية، وبالتالي لاي قوة تهديد لأمن المنطقة، فيما إيران اليوم تهدد أمن المنطقة، في اليمن وتتدخل في العراق وسوريا ولبنان وغزة والبحرين.

المصادر أشارت إلى أن إيران تريد اتفاقا شاملا يضمن موقعها ودورها في المنطقة وتحاول الضغط عسكريا للوصول إلى هذا الدور بمعزل عن الاتفاق او قبله لفرض امر واقع جديد، لكن ذلك سيدفع بالمنطقة الى مزيد من العنف ولن يعطي ايران الشرعية السياسية لدورها، فالدول الست قد تعطي لإيران دورا في المعادلة السياسية الاقليمية إذا ما ضمنت عبر ايران مصالحها مع دول الخليج، وبالتالي تحول ايران عن موقعها المعادي لدول الخليج، اي انضمام ايران إلى الفلك الدولي الملتزم قرارات الشرعية الدولية.

المصادر الدبلوماسية الأوروبية، رأت أن إيران وكذلك الولايات المتحدة ترغبان بالوصول إلى إتفاق، وأنهما قطعا شوطا كبيرا في ذلك، لكن آلية تظهير وتطبيق هذا الاتفاق ليست بالمسألة السهلة، فأمام الفريقين تعقيدات كبيرة، فعلى إيران تقديم تنازلات كبرى، فإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية بحاجة لمساعدة إيران في العراق، فإن هذا الأمر لا يعني أن الطرفين قد يجدان الحاجة نفسها للتعاون في مناطق اخرى كما هو الحال في سوريا واليمن، ففي اليمن تلتزم واشنطن دعم الشرعية المتمثلة بالرئيس وتعتبر حراك الحوثيين انقلابا على الشرعية، وفي سوريا وبعيدا عن تصريحات وزير الخارجية الاميركي حول الحوار مع الاسد، فإن واشنطن ملتزمة تنفيذ إتفاق جنيف 1 و2، والتي تقر بمرحلة انتقالية دون الاسد.

المصادر رأت أن الوضع في سوريا لم ينضج بعد وأن المعارك الدائرة في الشمال والجنوب والوسط تختلف فيها علاقة القوى المتقاتلة مع بعضها ومع دول الاقليم، فجبهة النصرة ليست فصيلا واحدا ولا ذات مرجعية واحدة، ففي الشمال تتلقى الدعم التركي وفي الجنوب تتلقى الدعم الدولي ومنه الاميركي.

المصادر الأوروبية رأت أن تصريحات كيري لم تعدو كونها رسالة اعلامية لم تحقق نتائجها لا على طاولة المفاوضات في لوزان ولا في صناديق الاقتراع في اسرائيل، حيث كان البيت الابيض يرغب في إسقاط نتنياهو على عكس استطلاعات الرأي، التي كانت تشير إلى تقدمه والتي حجبها نتنياهو نفسه عن الإعلام لاعطاء العملية الانتخابية طابع التحدي مع أوباما.

ورأت المصادر أن التطرف الإسرائيلي قد يزيد من تعقيد الأمور في المنطقة ويدفع نحو خلط كبير للاوراق ليس في العراق فقط بل في سوريا ولبنان ايضا، وبالتالي من صالح اللبنانيين الإسراع في حل أزماتهم الداخلية، دون انتظار متغيرات المنطقة التي قد تجرف معها الاستقرار في لبنان لا سيما وأن عملية خلط الأوراق قد تستدعي قلبا لموازين القوى العسكرية على الارض، حيث سيكون لاسرائيل دور ما على طاولة المنطقة.

المصادر كشفت أن الحديث عن إطار إتفاق بين إيران والدول الست يؤسس لاتفاق نهائي في حزيران، هو تمديد للازمة واعطاء إيران والقوى المتحاربة في المنطقة فرصة جديدة للعنف والذي يزيد من حدة الانقسام، وهو بمثابة هروب من الطرفين إلى الأمام، لعجز البيت الأبيض وكذلك طهران إتخاذ القرارات الجريئة والتنازلات المطلوبة لتوقيع هكذا اتفاق.

أما عن الداخل اللبناني والخلافات القائمة، رأى الدبلوماسي الأوروبي أن القوى السياسية اللبنانية عجزت عن التقاط الفرص المتاحة لضمان استقرار الوضع الداخلي تحت سقف المؤسسات الدستورية وعجزت عن ضمان ديمومة المؤسسات والانتقال السلس للسلطة، وبالتالي باتت تعيش في حلقة مفرغة، والحوار الجاري بين القوى لا يعدو كونه تمرير للوقت دون القدرة على اتخاذ اي قرار داخلي، لبنان ليس في حالة سوية، والاستقرار القائم مرتبط بحاجة القوى المتقاتلة في المنطقة لهذا المساحة من التلاقي، وإذا إختلت موازين القوى سيكون لبنان امام مرحلة جديدة لا تقل خطورة عن تلك التي يعيشها اليمن.

الدبلوماسي الأوروبي الذي فضل عدم الكشف عن إسمه توقع تغييرا في المشهد السوري في المرحلة القادمة سيما وأن إطارا جديدا للمعارضة يجري الحديث عنه بعد أن اوقفت الدول الداعمة للمعارضة تمويل الحكومة المؤقتة، ورأى أن مشروع دي مستورا غير قابل للتحقيق ما لم يشمل الاراضي السورية كافة فحلب لم تعد تشكل مؤشرا مهما للحل.

ونصح اللبنانيين عدم افتعال خلافات داخلية تزيد من ازماتهم السياسية إنما السعي لتمرير أمورهم بالتي هي أحسن، فأي تسوية غير متوقعة اذا حصلت في المنطقة لن تغيير من المعادلة الداخلية ما لم تتغير موازين القوى وهذا امر لا يبدو في المدى القريب.

————————————-
(*) فوزي ابوذياب