16 آذار… فيما يتعدى تجديد الوعد والعهد!

مرة جديدة تعود ذكرى 16 آذار في مرحلة دقيقة وبالغة الخطورة على لبنان والمنطقة، وللذكرى هذا العام نكهة وأبعاد مميزة كونها تأتي في زمن حمم البراكين المشتعلة في فضاء المنطقة العربية التي تستحضر بقوة زخم النضال الذي شهده لبنان بجبله وعاصمته وجنوبه وشمالة وبقاعه ذات يوم مع المعلم الشهيد  كمال جنبلاط الذي انطلق معه زمن الربيع العربي الجميل في سبيل تغيير هذا النظام الطائفي البائد وحماية هوية لبنان العربية ودعم القضية الفلسطينية بوجه أنظمة القمع و الرجعية العربية والمشروع الصهيوني في المنطقة.

بعد 38 عاما في 16 آذار، يتجدد الحلم ببناء لبنان البلد الحديث التقدمي  غير الطائفي المتحرر من السجن العربي الكبير ، وفي هذه المناسبة لا بد من العودة إلى تطبيق برنامج العمل الاصلاحي الذي طرحه كمال  جنبلاط والحركة الوطنية منذ العام 1975 الذي لو طبق في حينه لوفّر على البلد وشعبه الكثير من المعاناة والجرائم والحروب.ولو قدر للمعلم أن يكون بيننا لكان اليوم هو راس الحربة في قيادة ثورة الشباب في سبيل التغيير الديمقراطي واستكمال الإصلاح السياسي القادر على تحقيق حلم كمال جنبلاط الإنساني هذا الحلم الذي يستكمل مع الشباب والكوادر والجماهير التقدمية المستمرون رغم كل الصعاب في تكريس روح التحرر الثائرة على الجهل والتخلف من أجل قيام قوة عربية نخبوية قادرة من خلال الفكر والعقل والعلم والنضال على تحقيق حلم كمال جنبلاط وحمل قضيته التي ستبقي في نفوس الأحرار وتنتصر انتصار الحق على الباطل.

وفيما يتعدى تجديد الوعد والعهد للمبادئ والقيم التي أرساها المعلم، فأنه في هذه المناسبة نقول بأن الانحياز إلى كمال جنبلاط وحمل راية قضيته الإنسانية لم تعد ترفا  سياسيا وطنيا عروبيا  أو مجرد نضال عابر في مرحلة من مراحل تاريخ  المنطقة العربية،  بل هي حقيقة ضرورية ملحة لا بديل عنها في ظل ما نشهده من تحولات عميقة تجري من حولنا نحن فيها أكثر ما نحتاج إلى تراث كمال جنبلاط لتتكشف لنا أكثر أفاق التحرر و الحرية والإنعتاق من كل قيود مجاهلنا،  لنكتشف بوعينا الإنساني العروبي الوطني حقائق المستقبل الذي رسمه وخططه كمال جنبلاط بفكره مستقبل زاهر بالحريات وواعد بالاحترام المطلق لحقوق الإنسان ، إنه المستقبل الذي يشهد سقوط الأنظمة القمعية وتتحقق معه إرادة الشعوب وتنتصر معه معايير الإنسانية على اطلاقها.

وفيما يتعدى تجديد الوعد والعهد للمبادئ والقيم التي أرساها المعلم أيضا، هناك حاجة حقيقية ملحة للعودة إلى التراث النضالي للحزب التقدمي الإشتراكي الذي أرسى مضامينه الوطنية والعربية المعلم كمال جنبلاط الذي استطاع بحكمته ورؤيته التقدمية أن يوازن بين الدفاع عن وحدة لبنان وسلامة أراضيه وسيادته واستقلاله،والحفاظ على نظامه الديموقراطي،والدفاع عن حقوق وحريات الإنسان،والتمسك بالعدالة الإجتماعية،وإقامة الدولة المدنية، وبين تمسكه بخياره في الدفاع عن هوية لبنان العربية انطلاقاً من قناعته الراسخة بأنه لا مستقبل للبنان خارج محيطه العربي،فاستقلال لبنان لا يقوى إلا بتعزيز انتمائه إلعربي، إذ لا يمكن للحياد أن يكون له مكان في هذا الوطن  ”لأنه يعني العودة بنا إلى بلد لا صفة له ولا ولاء يربطه إلا الذي يصل بينه وبين أرضه وحدها،وهذا الأمر يتناقض كلياً مع إحدى اهم المبادئ التي تاسس عليها اتفاق الطائف اي ” أن لبنان عربي الهوية والإنتماء”.

فالمرحلة الصعبة والخطيرة التي يمر بها لبنان ومحيطه وجواره باتت تتطلب من جميع النخب السياسية أكثر من أي وقت مضى التأمل بكل وعي وتجرد بتجربة ومسيرة شهيد لبنان والقضية الفلسطيينة في 16 آذار كي تتمكن منالعودة فعليا إلى جوهر تجربة نضال المعلم كمال جنبلاط لأستكمالها ومتابعتها بشكل حثيث ومسؤول لأنها تهدف إلى  إيجاد لبنان الوطن الحقيقي الموحد  القائم على مفهوم المواطنية، لبنان المرتكز إلى العروبة، و بناء ثقافة الاتجاه الإنساني كسبيل وحيد يحمي هذا الوطن  بتعدده وتنوعه ويؤدي إلى تطوره وتعزيز استقراره.وهذا الامر يتطلب منا اليوم الإلتزام بأقصى درجات التضامن بالثوابت السياسية التي سار عليها المعلم  من خلال مسيرته منذ تاسيس الحزب التقدمي الإشتراكي والتي تضمنت دائماً  التأكيد على عروبة لبنان كعمق ضروري وثابت لحماية الخصوصية اللبنانية ، عوض الذهاب نحو التقوقع والإنغلاق وإنتاج أشكال جديدة من الإنعزال السياسي الذي لا لون له ولا دين ولا طائفة، والإلتزام بإتفاق الطائف واستكمال تطبيق كافة بنوده الإصلاحية بعيداً عن الانتقائية والمصالح السياسية .

وفي ظل  التحديات و الصعاب المعيشية والإجتماعية  والإقتصادية لا بد في وبعد تجاوز رمزية استحضار ذكرى 16 آذار من تجديد الإلتزام أيضاً بخيارات ونهحج المعلم على الصعيد الاجتماعي والإقتصادي والمتمثلة بالإنحياز المطلق إلى قضية العمال والفقراء والعدالة الاجتماعية والتمسك بالبعد الاجتماعي والاقتصادي للديمقراطية، وبحق كل مواطن لبناني  في العلم والتطور والعيش بكرامة.وهذه الخيارات تتلاقي مع مضامين  النضال من اجل الحرية والتقدم وإقامة نظام ديمقراطي عصري في لبنان الذي لا خلاص له للخروج من دوامة الأزمات المتكررة دون الشروع بتحطيم أغلال الطائفية والمذهبية التي بمساوئها وإخفاقاتها  تتعارض مع قيم المواطنة الصحيحة والعدالة  والمساواة.

________________

(*) – إعداد: هشام يحيى