هل سمعتم بفلسطين؟

راجح الخوري (النهار)

فلسطين، هل سمع أحد بين المحيط والخليج بفلسطين؟ هل يتذكر أحد القضية الفلسطينية؟ هل يتذكر العرب ان أشقاءهم الذين في التيه بعدما احتُلّت أرضهم منذ عام ١٩٤٨، يتم تهجيرهم الآن مرة ثانية؟ فقد ألقي بهم خارج أرضهم وتاريخهم والجغرافيا، والآن يُلقى بهم خارج الاهتمام العربي لكأنهم من كوكب آخر!

فعلاً غريب، حتى الذين تسلقوا الى الواجهات على أكتاف فلسطين نسوا القضية، وحتى الذين استعملوا القضية طبلاً لجمع المؤيدين نسوا طبولهم والمزامير والقصائد والأكاذيب. أعرف ان “الربيع العربي” يمطر دماً بين المحيط والخليج، وأعرف ان شعوباً عربية تأكل لحمها كما أُكل ويؤكل لحم الفلسطينيين، لكنني لا أصدق اننا كتبنا تاريخاً من المزاعم والأكاذيب.

٦٧ عاماً من القصائد والعنتريات ودعم الشعب الفلسطيني و”لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. وها هي أنظمة الزعيق تخوض أشرس المعارك ضد شعوبها وليس لتحرير حفنة من تراب فلسطين أو لتوفير كسرة خبز لطفل فلسطيني جائع سواء كان في اللجوء أو كان في أوشفيتز الضفة أو القطاع حيث يواصل نتنياهو التهام الأرض والشعب.
٦٧ عاماً من الإدعاءات، وليس مطلوباً الآن ونحن في زمن البؤس العربي والإنهيارات العربية والفجائع والخيبات، وصفوف القتلى يسقطون برصاص جيء به على اسم فلسطين، ولم نكن نظن انه جيء به لذبح الشعوب.

ليس مطلوباً منكم تحرير فلسطين ولا مطلوب مقاتلة المحتلّين ولا مطلوب ان تواجهوا الذين يصادرون الأرض ويلقون اشقاءكم في العراء، أعرف انكم في العراء وأعرف اننا كنا دائماً في عراء، لأن الأكاذيب عراء لا يوفّر لا سقفاً ولا ملجأً، لكنه بالتأكيد يوفّر كثيراً من العار.

سيقول الكثيرون منكم ما الذي أيقظه على فلسطين، وما الذي يدفعه في هذه الحشرة النازفة دماً وعاراً من المحيط الى الخليج، لتذكّر القضية وأهل القضية وفلسطين الضحية، لكنني لا أطلب اكثر من قصيدة ولو كاذبة لجرح فلسطين الفاغر، لا أطلب اكثر من محاضرة عن فلسطين المنسية، لا أطلب اكثر من مقال عن فلسطين التي إحتلت تاريخاً من حبر العرب وأقلام العرب وأفكار العرب ومزاعم العرب… وأكاذيب العرب وأنعم وأكرم.

والذي أيقظني هو ان حكومة نتنياهو أعلنت عشية اجتياحه باراك أوباما عن خطة جديدة لبناء ٦٣ ألف وحدة سكنية في أراضي الفلسطينيين ومساكن العرب تسوّى بالأرض، وان محكمة اميركية غرّمت الفلسطينيين ٢٠٠ مليون دولار عن أعمال عنف قاموا بها ضد الأحتلال قبل عشرة أعوام، في حين تعجز السلطة عن دفع رواتب موظفيها، وتعرقل اميركا دعاوى الفلسطينيين أمام محكمة الجنايات الدولية… والذي أيقظني انني لم أقرأ تصريحاً واحداً أو مقالاً عن كل هذا!