نتنياهو و«النووي الإيراني»

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

وأخيراً قال نتنياهو كلمته في الكونجرس الأميركي. دخل في مشهد استعراضي كبير لافت، التصفيق في كل القاعة. وصلت الرسالة إلى إدارة أوباما وكل العالم، هذا «رئيس اليهود» يستقبل في أميركا بما يليق بمكانته! وأثناء إلقاء الكلمة قوطع مرات عدة بالتصفيق أيضاً، تأكيداً لدعم موقفه، الذي كان يستهدف إيران ودورها ونفوذها في المنطقة وخطر مشروعها النووي الذي يهدد «وجود إسرائيل» ! أوباما قال: «لم أشاهد الخطاب. لكنني قرأت عنه. لم أر فيه جديداً. ونتنياهو لم يقدم بديلاً عمّا نقوم به» ! حاول أن يقول إنه لم يعطه اهتماماً ووقتاً، اهتم باتصالات هاتفية مع رؤساء دول حلفاء وقرأ ملخصاً عن الكلمة وعلّق بهذا الشكل، ثمة أزمة بين أوباما ونتنياهو؟ صحيح. والأخير تصرف بوقاحة؟ صحيح. لكن ماذا في السياسة؟ الإيراني المستهدف كان في ذلك الوقت يخوض مواجهات على جبهات متعددة، في النووي كان يحرز تقدماً في مونترو بسويسرا أثناء جولة المفاوضات مع كيري وزير خارجية أوباما، وفريقه التقني. قال وزير خارجية طهران: نقترب من توقيع اتفاق مع الغرب! ايران تريد الاتفاق، تتابع ترددات وانعكاسات وتداعيات المفاوضات على الحلفاء. ولا تقبل ضغوطات إضافية أو شروطاً تعقيدية. ويبدو أن ما قاله ظريف صحيح جداً. على الأرض في العراق، يخوض قائد “فيلق القدس” الإيراني الجنرال قاسم سليماني معركة تحرير تكريت، وقطع الطريق مع الموصل، ويحقق نجاحات مصراً على عدم مشاركة الأميركيين. إنها القوات الإيرانية مع ما تبقى من الجيش العراقي الذي تريد أميركا إعادة بنائه مع الميليشيات الشيعية، تحرر «مناطق سُنية» من «الإرهاب السُني» وترفض أي شراكة أميركية. «نحن وحدنا قادرون على تحقيق الإنجازات»، هذا ما أراد القائد الإيراني قوله، وهو الذي رفض لقاء “كيري”، في موقف واضح بالغ الأهمية والدلالة. «تريدون ابتزازنا بالشراكة في مواجهة الإرهاب. تهتمون بهذا الأمر. لقد سبقناكم، وحققنا ما لم تتمكنوا من تحقيقه»! «نحن حاضرون في كل الساحات وسنكمل المعركة في العراق. ولن نسمح لداعش بالتحكم بمصيرنا». وقد بارك نائب الرئيس الأميركي “جو بايدن” العملية مبدياً عدم الانزعاج من المشاركة الإيرانية. طبعاً ثمة أزمة مع السنة الذين «تحرّر» أرضهم، ولكنها تُدمّر، ويُهجّرون منها بطريقة أو بأخرى ويتفاقم الصراع السُني- الشيعي، وسيأخذ أبعاداً خطيرة، وفي اليمن تتشدد إيران كذلك في سوريا والبحرين!

نتنياهو في المقابل أخذ من أميركا كل التطمينات والضمانات الأمنية. بين السلام والأمن، الخيار الطبيعي هو الأمن، يعني لا اهتمام بعملية السلام في فلسطين، بل إطلاق يد نتنياهو تحت عنوان الأمن، وهذه هي الأولوية الأهم بالنسبة إليه. إنه يريد فلسطين! الفيتو الأميركي على الطاولة دائماً لحماية الإرهاب الإسرائيلي. ممنوع محاكمة الجنود والضباط الإسرائيليين. وقرار بمقاضاة السلطة الفلسطينية وقطع المساعدات عنها. وعدم البدء بإعمار غزة التي يمكن أن تتعرض لحرب جديدة! لإسرائيل الحق في أن تفعل ما تشاء في مواجهة الإرهاب! أما في موضوع إيران، فهناك تأكيد أميركي أن «لا قنبلة نووية إيرانية»، أي اتفاق يجب أن يحظى بموافقة المجتمع الدولي. مطلوب من إيران تجميد بعض أنشطتها لمدة عشر سنوات! حركة مكوكية لوزير الخارجية الأميركية نحو الرياض، ومجلس التعاون الخليجي، ووزراء خارجية أوروبا تحت هذه العناوين! لقد أخذت إسرائيل الكثير حتى الآن. ومن الأساس كتبت أكثر من مرة عن: الهدف الإسرائيلي. نتنياهو يريد أن يكون الشريك المضارب. يعرف أن الأمور ذاهبة نحو الاتفاق. يريد أن يكون الشريك الفعلي فيه تحت عنوان أن ضمانات أمن إسرائيل تحددها إسرائيل، وأن ما قاله الأميركيون لتطمينه، من أن إيران ستكون منضبطة تجب ترجمته بالموافقة على مشروع ضبط إيران التي تتمدد في كل اتجاه «وتبسط سيطرتها على أربع عواصم عربية» كما قال. «وإذا استمرت على هذه الحال، فإنها تهدد وجود إسرائيل» ! بعد كل هذه الحفلة، خرج نتنياهو ليعلن: «لا نريد حرباً مع إيران، بل اتفاقاً أفضل». وهذا ما يترجم نواياه. هل يعني ذلك أنه إطمأن وانكفأ، وأن الأمور ذاهبة إلى اتفاق بسلاسة؟ النتائج ليست نهائية. قد تكون عثرات في الطريق، وكما ذكرنا مراراً قد تكون صدامات أو اصطدامات! هذه طبيعة اللعبة. إلا أننا بالتأكيد مقبلون على تطورات وانقلابات في المشهد السياسي الإقليمي ستغير وجه المنطقة. ستأخذ وقتها. ستكون مكلفة، لكنها ستغير المنطقة. إيران باتت الشريك الأساسي مع الأميركيين في مشهد فاجأ كثيرين. البعض منهم لم يخرج بعد من دائرة الصدمة، وهو يتخبط في مواقفه وسياساته ولا يعرف كيف يتصرف. رغم استعراض القوة الإيراني في البحر والبر والجو على امتداد دول في المنطقة، فإن مرشد الحركة الإيرانية وضابط إيقاعها يعرف حدود اللعبة، وكيف يستخدم الاستعراض في عروض البيع والشراء على طاولة المفاوضات. في المقلب الإسرائيلي، ثمة حركة واستعراضات وعروض وضابط إيقاع ليس بمهارة الإيراني، فهو وقع أكثر من مرة، وقد يقع أمام توقيع الإيراني اتفاقه مع أميركا، وقد يوقع المنطقة بأسرها في مشاكل كبرى، لكنه موجود بقوة وستكون أميركا إلى جانبه في كل الحالات.