تهديد رئيس «التقدمي» رسالة .. أخطأت العنوان

صلاح تقي الدين (المستقبل)

عشية دخول ثورة الشعب السوري ضد نظام الطاغية في دمشق عامها الخامس، عادت المعلومات الصحافية والأمنية الرسمية مجدّداً إلى الحديث عن موجة تفجيرات واغتيالات لتوتير الوضع الداخلي في لبنان، وأحدثها ما ورد في مقال نشرته صحيفة «الأخبار» تضمن تهديداً مباشراً لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط.

ومنذ اليوم الأول للثورة، لم يخف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط موقفه المؤيد لها، ولم يفوّت مناسبة لإعادة تأكيد موقفه مع التشديد على أنه يختلف في هذا الموقف «مع حزب الله الذي اتفقنا معه على تنظيم الخلاف»، وكان يجد من موقعه الوسطي مساحة تتيح له التعبير بحرية عن معارضته لبشار الأسد «الذي قتل شعبه ودمّر بلاده وحضارتها الأقدم في العالم».

غير أن اللافت في الأيام القليلة الماضية، كان عودة «لغة التهديد والوعيد» التي ميّزت خطاب فريق «الممانعة» المؤيد للنظام القمعي في دمشق، إلى النشاط، ومن أبرز معالمه كانت الرسالة التي وجهت عبر كاتب في صحيفة «الأخبار» إلى جنبلاط، وهي رسالة واضحة مفادها «تصفيته» جسدياً لكي ينجح «حلف المقاومة» في تحصين محافظة «السويداء» في جنوب سوريا «سياسياً وعسكرياً وأمنياً«.

ورغم أن الأجواء العامة في البلاد ارتاحت نسبياً مع منطق الحوار السائد حالياً، والذي نجح على الأقل في تخفيف حدة الاحتقان والتوتر المذهبي الذي كان وصل إلى ذروته نتيجة توسع رقعة المعارك العسكرية في سوريا وانخراط «حزب الله» بشكل واضح وصريح وعلني فيها إلى جانب النظام، ونجاح هذا النظام في «استجلاب» ما هبّ ودب من المقاتلين الأجانب الذين انخرطوا في هذه المعارك، ما أفقد الثورة بعضاً من روحيتها الحقيقية وهي مطالبة الشعب السوري بالحرية والديموقراطية، إلا أن «من شبّ على شيء شاب عليه» ولغة التخوين والتهديد عادت لتكون وسيلة «إفهام من يلزم».

وعن هذا التهديد الذي صدر بعد فترة «الهدوء» تجاه جنبلاط، قال مفوض الإعلام في الحزب «التقدمي الاشتراكي» رامي الريّس «ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتعرّض فيها جنبلاط لتهديدات من هذا النوع، لكن هذا التهديد لن يثنينا عن موقفنا السياسي الداعم للثورة السورية ولحق الشعب السوري في الحرية والكرامة».

أضاف الريس لـ»المستقبل» ان «تاريخ وليد جنبلاط في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتأييده المقاومة ليس بحاجة الى شهادة من أحد، لكن هذا التهديد يأتي في لحظة نجح فيها جنبلاط في تشجيع اللبنانيين على الحوار في ما بينهم مهما اختلفت آراؤهم وأفكارهم، وتوقيت هذا التهديد بالتالي ليس بريئاً»، متسائلاً عما إذا كانت الحقيقة هي تخريب هذه الأجواء الحوارية في لبنان، وإعادة مستوى التوتر المذهبي إلى حالة الاحتقان والغليان وصولاً إلى «الانفجار الذي لن ينجو أحد من براثنه».

وأكّد أن «لغة التهديد والوعيد لم تعد تفعل فعلها منذ زمن بعيد، وليس وليد جنبلاط الذي بذل أغلى الأثمان لحماية الاستقرار هو من يُهدد بسطرين في جريدة صفراء«.

وآثر جنبلاط الذي تلقّف الرسالة المباشرة عبر مقال «الأخبار»، وبخلاف مرّات عديدة أخرى تلقى فيها رسائل تهديد وتخوين مختلفة، ألا يسكت وكان الردّ الأول على لسان عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب غازي العريضي الذي استغلّ مناسبة شعبية وسياسية بارزة تمثّلت بتشييع أحد كبار المناضلين الوطنيين والذي عرف بتأييده ثورة الشعب السوري ضد النظام الأسدي، الكاتب والحقوقي بشير هلال، ليردّ بلهجة حاسمة باسم جنبلاط وبحضوره على هذا التهديد، متعهّداً بـ«الثبات على خط المدرسة النضالية الوطنية الكبيرة التي قادها الشهيد كمال جنبلاط وعلى المسيرة التي قدّمت رفيق الحريري شهيداً، ووعدنا أن نبقى أوفياء لهذه المسيرة».

كثيرون ممن فاتتهم قراءة المقال في صحيفة «الأخبار» فوجئوا بكلام العريضي، واعتبروا أن التصعيد الخطابي ربما نجم عن موقف إقليمي قرأه جنبلاط وأراد توجيه رسالة على طريقته فجاءت عبر العريضي، غير أن جنبلاط أصدر بياناً واضحاً قال فيه «قرأنا كلاماً لأحد أبواق نظام الإرهاب في سوريا، يرسم سيناريوهات مؤامرات ويقول بلغة التهديد الواضح… ينبغي كسر الحلقة المركزية والأضعف معاً- في المؤامرة، أعني وليد جنبلاط».

ويستعيد الريّس في حديثه إلى «المستقبل» المرحلة التي سبقت اغتيال الرئيس الحريري وما جرى نقله في تلك المرحلة من تهديد مباشر عن لسان رئيس نظام الإرهاب السوري للحريري وجنبلاط بأنه «سيدمّر البلد على رأسيهما» إن سارا ضد إرادته في التمديد لرئيس نظام الوصاية آنذاك اميل لحود، ويقول «حاولوا اغتيال مروان حمادة، واغتالوا الرئيس الشهيد وباسل فليحان ولم يتراجع جنبلاط عن موقفه، فهل سيتراجع الآن لأنه تلقى تهديداً في مقال نشرته صحيفة اعتادت على نشر مقالات التحريض والتهديد؟ لا أعتقد ذلك».

وعن ارتباط المقال بجهود يبذلها جنبلاط لدفع أبناء طائفة الموحدين الدروز للانخراط في الثورة ضد نظام الأسد، يقول الريّس «كان وليد بك واضحاً في دعوته أبناء السويداء للانتفاض على الواقع المرير الذي فرضه النظام البعثي عليهم، لكنه اعترف مراراً بأن جلّ ما قام به هو دعوتهم إلى التعايش مع البحر المحيط بهم ولم يفلح، فإذا كان التهديد قد صدر بسبب رؤية النظام في سوريا لتحوّل ما في موقف أبناء السويداء، فهذا أمر يعنيه ويعني أبناء جبل العرب، وفي نهاية الأمر، الدروز عرب أقحاح ومسلمون اشتهروا بالدفاع عن الثغور، ولن يكون غريباً عليهم، لو أنهم تأخروا، في تلقّف دعوة جنبلاط».

وشدّد على أنه «في الوقت الذي تبذل فيه القيادات السياسية جهوداً في سبيل تجنيب لبنان الارتدادات النارية للأزمة السورية، وفي الوقت الذي لم يوفر فيه جنبلاط تحديداً أي جهد في سبيل الدفع إلى الحوار لتحصين الداخل، تجد أن هناك جهات متضررة من هذه الأجواء وغير قادرة على الحياة من دون الفتنة، وتلجأ إلى كل الأساليب التي تخدم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإحياء أجواء التوتر المذهبي، فهل حشر جنبلاط لإخراجه حلّ، أم أنه طريق لفتح الأزمة على مصراعيها؟».

من يقرأ تاريخ جنبلاط بإمعان وتروٍ، يعرف أنه ليس الشخص المناسب ترهيبه أو تخويفه بمقال من هنا، أو تصريح من هناك، ويعرف أكثر أنه دفع ضريبة الدم للحفاظ على وحدة لبنان وسيادته، فعلى صاحب المقال ومن أوحى له بنشره أن يعرف أنه «أخطأ العنوان».

اقرأ أيضاً بقلم صلاح تقي الدين (المستقبل)

كاسر الأعراف والتقاليد

ليت «عدوى» الجبل تصيب كلّ لبنان

لبنان على «رادار» الصحافة العالمية

عندما يعطى جرم سماحة «المؤبد» في بريطانيا!

هل تكون «كوباني» الجنوب السوري؟

الموحّدون في سوريا يُسقطون «السلاح» .. المشبوه

انهيار النظام السوري بات وشيكاً

أي رسائل أراد رئيس «التقدمي» توجيهها؟

بين جنبلاط والحريري.. ونصرالله

يحق لـ «أبو تيمور» التقاعد.. ولكن

«الاشتراكي»: موقف وطني والتجاوب ضروري

تفاؤل بري الرئاسي دونه .. الحوار

جنبلاط لـ «المستقبل»: كيف أقف ضد السوريين الذين اختاروا إسقاط بشار؟

..عودة الدروز الى الجذور

تمديد التفاؤل من ساحة النجمة الى.. الساحة الحمراء

همّ الانتخاب من المختارة الى معراب

جنبلاط.. حراك في «أهرامات» الاعتدال

«ضربة المعلم» ترتد على.. نظامه

التمديد في مواجهة الشغور

رئيس «التقدمي» يثمّن عودة الحريري «لتعزيز الاعتدال»