ما هي فرص نجاح أو فشل الإتفاق النووي بين إيران والغرب؟

كل الأنظار متجهة نحو المفاوضات النووية بين إيران والغرب بقيادة الولايات المتحدة في ظل معلومات متضاربة حول أمكانية نجاح هذه المفاوضات أو اصطدامها بعوائق تؤدي إلى فشلها، وبالتالي العودة إلى المربع الأول في هذا الملف الشديد الحساسية الذي سيكون لنجاح أو فشل التوقيع على اتفاق بشأنه انعكاسات وتداعيات على جميع القضايا الساخنة في كل أرجاء المنطقة .

وفي هذا الإطار، تُوجت ثلاثة أيام من اللقاءات الإيرانية الأمريكية، بلقاء موسع بين طهران والسداسية، في مدينة مونترو السويسرية، وخرج وزير الخارجية الإيرانية بعد ذلك ليقول، إن الطرفين اقتربا أكثر من اتخاذ قرار سياسي، لكن ظريف تحدث عن خلافات في قضايا سياسية وفنية لاتزال عالقة، حيث لا تزال طهران التي تسعى نحو اتفاق يحفظ حقوقها النووية، تصر على رفع كل العقوبات عنها ودفعة واحدة في حال تم هذا الإتفاق، في المقابل تصر الولايات المتحدة على رفع العقوبات عن إيران خطوة مقابل خطوة. وفي القضايا الفنية، يدعو الغرب إلى تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم من 20 ألف إلى بضعة آلاف. كما تمثل مدة الاتفاق، خلافا آخرا، حيث ترفض طهران طلب واشنطن تفاهما يقيد النووي الإيراني لـ 10 سنوات، لكن الخلافات لا تخفي خلفها حاجة الطرفين إلى اتفاق بمصالح مشتركة.

وحتى نهاية الشهر الجاري، موعد التوقيع على اتفاق إطار سياسي، ستجري إيران مفاوضات أخرى مع القوى الكبرى، تسبقها مباحثات لتقليص الخلاف مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الإثنين المقبل في طهران، إنه الطريق إلى الحل، خطوة خطوة.وقد بدت المفاوضات في مدينة مونترو السويسرية، كمن يسير في طريق سالكة بصعوبة بين طهران والسداسية، لكن الاتفاق التاريخي لايزال بحاجة إلى قرارات سياسية لتقديم تنازلات ومن الجميع، وهنا تكمن العقدة الأكثر صعوبة.

إلى ذلك وفي ختام الأيام الثلاثة للمفاوضات النووية في سويسرا مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إن الاتفاق النهائي حول برنامج إيران النووي يجب أن يحظى بموافقة المجتمع الدولي.وقال كيري للصحافيين في مدينة مونترو إن «الهدف ليس التوصل إلى أي اتفاق، وإنما التوصل إلى الاتفاق الصحيح الذي يمكن أن ينجح أمام تدقيق» المجتمع الدولي.

لكن لا تزال هناك «تحديات صعبة» يتوجب حلها قبل نهاية المهلة المحددة في 31 آذار الحالي، للتوصل إلى اتفاق، بحسب ما قال مسؤول أميركي كبير، مؤكداً «إننا نعمل بكل طاقتنا» لبلوغ الهدف.وأضاف هذا المسؤول أنه «كما في مكعب روبيك… فإن لم يتم وضع كل قطعة في مكانها لا يقبل أي شيء حتى يصبح كل شيء مقبولاً». ويعلم المسؤولون الأميركيون تماماً «أن العالم أجمع سيتفحص كل سطر وكل كلمة» في هذا الاتفاق المفترض.

وسيجري كيري السبت، محادثات في باريس مع نظرائه الفرنسي والألماني والبريطاني تتناول البرنامج النووي الأيراني، على أن تعقد المحادثات الثنائية المقبلة بين الأميركيين والإيرانيين في 15 آذار الحالي، «على الأرجح في جنيف»، كما قال المسؤول الأميركي. ومن المقرر أن يلتقي المدراء السياسيون للدول الكبرى في مجموعة الـ «5+1» وإيران مجدداً في مونترو، لاستعراض نتائج الأيام الثلاثة من المفاوضات.

التشويش الإسرائيلي لاقى رداً إيرانياً، حيث اعتبر الرئيس الايراني حسن روحاني أن إسرائيل «تشكل الخطر الأكبر على المنطقة»، معتبرًا أن «هذا الكيان الإرهابي الأكثر إجراماً يتحدث اليوم عن السلام والأخطار المستقبلية، في حين أنه يشكل الخطر الأكبر على المنطقة».

وأضاف روحاني أن «العالم مسرور للتقدم في المفاوضات بين إيران ومجموعة الـ5+1… إلا أن كياناً عدوانياً واحتلالياً واحداً، يرى بقاءه في ظل الحرب والعدوان، مستاءٌ وغاضبٌ من هذه المفاوضات».وأكد الرئيس الإيراني أيضاً أن «شعوب العالم وكذلك الشعب الأميركي أكثر يقظة من أن يتحدث معهم بلغة النصيحة كيان ديدنه إثارة الحروب»، متهماً إسرائيل بـ «تخزين عدد كبير» من القنابل الذرية وبرفض السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش «منشآتها النووية».

وبالرغم من التشويش الإسرائيلي الدائم، حققت المحادثات النووية تقدمًا غير مسبوق. وإذ يرى البعض أنه «من الواقعي» أن يتم التوصل إلى اتفاق قبل نهاية المهلة في آذار، حيث كانت إيران على استعداد لقبول القيود المفروضة على برنامجها النووي، وهي القيود التي تضمن أن يكون هذا البرنامج شفافًا، ومن الممكن التحقق منه، وتضمن قطع جميع المسارات المحتملة لتطوير سلاح نووي، يجب في المقلب الآخر توقع الأسوأ في حال نجح الضغط السياسي الممارس من قبل إسرائيل أو الكونغرس في منع التوصل إلى أي نوع من الاتفاق.

وفي حال الفشل، فسوف يكون المفاوضون في مواجهة خمسة خيارات، يفضي إليها عدم توقيع الاتفاق.وسيكون الخيار الأول، هو السماح بتمديد آخر للاتفاق المؤقت الذي تم توقيعه في جنيف في العام 2013، والذي سبق وجدد مرتين. ولكن، الموافقة على هذا الخيار لن تكون مرجحة، وخاصة من قبل إيران، حيث أن تجديد الاتفاق المؤقت سيبقي العقوبات في مكانها، وسيؤدي إلى استمرار تجميد تطوير البرنامج النووي الإيراني، وإلحاق الضرر بقدرة الرئيس حسن روحاني على الوفاء بوعوده المتعلقة بتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

وأما الاحتمال الآخر فهو عقد صفقة مؤقتة ثانية. وبرغم أن هذه الصفقة لن تؤدي إلى الاتفاق الشامل الذي كان عديدون يأملون الوصول إليه، فستؤدي إلى انتزاع التزامات من إيران بشأن برنامجها النووي، في مقابل تقليل العقوبات المفروضة عليها.وقد تأتي هذه الصفقة في شكل تعهد يضمن موافقة إيران على الحد من تخصيب اليورانيوم إلى مستوى الـ5 في المئة اللازمة لمحطات الطاقة النووية، في مقابل موافقة الاتحاد الأوروبي على رفع العقوبات على صادرات النفط الإيرانية ومصرفها المركزي، وإعادة قبول إيران كعضو في نظام تحويل الأموال «سويفت».

أما الاحتمالات الأخرى، فهي بالتأكيد أكثر خطورة بكثير من الاحتمالين السابقين، حيث أنه، وخلال الفترة التي تمت فيها زيادة العقوبات على إيران بشكل مطرد، كانت النتيجة الملموسة الوحيدة هي أن امتلاك إيران لأجهزة الطرد المركزي ارتفع من 164 جهازًا إلى 20 ألف جهاز. وبالتالي، وإذا ما نجح الكونغرس، وبدفع من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في عرقلة صفقة نووية شاملة، فإن هذا سيشكل فرصة واضحة للعودة إلى عملية التصعيد المتبادل.وفي هذه الحالة، لن تكون الولايات المتحدة قادرة على حشد الشركاء الآخرين لفرض مزيد من العقوبات على إيران، إذ أن الاتحاد الأوروبي والصين حريصون على رفع تلك العقوبات. ووسط المواجهة مع الغرب في شأن أوكرانيا، من غير المرجح أن تدعم روسيا أي مسعى لفرض المزيد من العقوبات على إيران في مجلس الأمن الدولي.

في جميع تلك الحالات، سيكون الخيار الوحيد المتاح أمام واشنطن هو فرض عقوبات جديدة أحادية الجانب. وفي الوقت نفسه، سوف يعني هذا توسيع إيران لبرنامجها النووي.وفي نهاية المطاف، سوف يكون بإمكان إيران الوصول إلى نقطة «الاختراق» في مستوى التخصيب، وهو ما يخيف أصلاً الغرب. وبرغم أن هذا سوف يؤدي إلى إعادة المفاوضات، إلا أن الولايات المتحدة هذه المرة سوف تكون مضطرة للتفاوض مع إيران أقوى، وبالتالي، منح المزيد من التنازلات. الخيار الأخير بالنسبة للولايات المتحدة هو الحرب، وهو غير مطروح أصلاً، إذ سيكون لهذه الحرب عواقب مهمة، بالإضافة إلى عدم الاستقرار، ما يؤدي من جديد إلى تسوية تفاوضية.

وحتى وإن دار الحديث عن تسوية شاملة، فإن إيران التي تضطلع بدور مهم في المنطقة، لن تتخلى عن نفوذها الإقليمي لقاء تنازلات في الملف النووي. وأكد المختص في الشوؤن الإيرانية في مركز الأزمات الدولية علي فايز عدم وجود علاقة بين الملف النووي والقضايا الإقليمية، قائلاً في حديث لوكالة «فرانس برس» إن الدول العظمى وإيران «تتفاوض بجدية بشأن النقطة الأولى، لكنها تبادلت فقط وجهات نظر حول النقطة الثانية». وأضاف أن تعاون إيران والدول العظمى حول مناطق النزاع في المنطقة لن يؤثر على عنصرين أساسيين في ملف ايران: الوقت اللازم لإيران لإنتاج القنبلة الذرية ورفع العقوبات، موضحاً أنهم «سيكونون في موقع أفضل لحل الخلافات» إذا تم الانتهاء من الازمة النووية.

من جهته قال المحلل السياسي الإيراني أمير محبيان، إن طهران لن تقبل «بأي حال من الأحوال التفاوض بشأن نفوذها»، معتبراً أن «الدولة الوحيدة التي تحارب اليوم تنظيم داعش على الأرض هي إيران لا الائتلاف الدولي بقيادة أميركية. أي مسؤول غير مخول ولن يتم تخويله التفاوض حول نفوذ إيران». أما الاحتمال الخامس في حال فشلت المحادثات الراهنة، فسيكون انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، وجميع الاتفاقيات الأخرى التي تقيد قدرتها النووية.

وكان محمد البرادعي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقًا، قد أوضح في كتابه «عصر الخداع» في العام 2005، أن الوكالة اكتشفت قيام كل من مصر، وكوريا الجنوبية، وإيران، بانتهاك معاهدة حظر الانتشار النووي. وبرغم ذلك، أحيل ملف إيران فقط إلى مجلس الأمن، وكانت طهران هي الوحيدة التي تعرضت للعقوبات الدولية. ولذلك، من الممكن القول إن معاهدة حظر الانتشار النووي أصبحت على نحو فعال أداة سياسية تستخدمها الولايات المتحدة لفرض عقوبات على إيران، في حين يمكن لإسرائيل أن تمتلك قنابل نووية من دون التعرض لأي عقوبات، لأنها ببساطة لم توقع على معاهدة حظر الانتشار النووي. وبالتالي، وفي حال فشل المحادثات الراهنة، قد تعيد إيران النظر في عضويتها في هذه الاتفاقيات، وهي العضوية التي استخدمت حتى الآن كحجة لفرض المزيد من العقوبات عليها.

__________________

(*) – إعداد: هشام يحيى