أفكار.. للتدوير

محمود الاحمدية

العالم يسعى باتجاه أن يصير التدوير فكراً صناعياً وسلوكاً فردياً يبدأ بالإقلال من المخلفات، وبإيجاد أفضل الطرق للاستفادة منها.

التدوير اصطلاح مستحدث، تتبناه الإدارات البيئية في العالم كأساس من أسس سياسات صون الموارد الطبيعية، التي جارت عليها أنشطة البشر، عبر قرن مضى، حيث كان يجري الاغتراف من تلك الموارد، حية وغير حية، ببلا حساب، لتدور المصانع، وتتدفق السلع في الأسواق، وينعم بها المستهلكون القادرون. والسعي الآن، على مستوى عالمي، باتجاه أن يصير التدوير فكراً صناعيا”، وسلوكاً فردياً، يبدأ بالإقلال من المخلفات، وبإيجاد أفضل الطرق للاستفادة منها، بتدويرها – هي، خالصة بذاتها، أو مخلوطة بخامات أصلية – في خطوط إنتاج خاصة جديدة، لإنتاج السلعة الأولى، مرة أخرى، أو قد يكون المنتج سلعة مختلفة تماماً.

وفيما يلي بعض أفكار لتدوير المخلفات وبقايا المواد المهملة، نقدمها لمحبي البيئة في بلادنا العربية، فلعلها تجد صدى طيباً لدى مواطنينا، على المستويين الفردي والمؤسساتي، فتجد طريقها إلى التنفيذ والإنتاج، في مختبراتنا ومصانعنا، بل لعلها تتزايد، فنضيف إليها من خبراتنا ما يناسب مواردنا وظروفنا المحلية.

الفكرة الأولى: إنتاج أقلام رصاص من المخلفات الورقية ويمكننا أن نطلق عليه اسم “قلم الكئاب البيئيين”، ويصنّع من المخلفات الورقية: الهالك من أوراق الصحف والمجلات، ونفيات صناعة تعبئة وتغليف السلع. أما مادة الكتابة، فهي خليط من الجرافيت والطين والشمع. وهي فكرة موجهة إلى النفايات الورقية بالدرجة الأولى، وهي جزء من مشكلة النفايات الصلبة، التي تمثل عبئاً ثقيلاً على إدارات صون البيئة في عالمنا. إن حجم استهلاك الورق يمكن أن يدل على حجم النفايات المختلفة عنه، فاستهلاك ورق التصوير الضوئي في انجلترا، على سبيل المثال، يتجاوز 500 بليون ورقة، بالعام، أي بمعدل 930 ألف ورقة، في كل دقيقة من ساعات اليوم. ولا شك أن تصنيع “قلم الئاب البيئيين” فكرة جديدة وطريفة، تضاف إلى تجارب أخرى ذات قيمة بيئية موجبة، مثل تجارب العديد من شركات الورق بأنحاء متعددة من العالم، في تصنيع ورق طباعة عالي الجودة، من مادة مخلقة 100% من النفايات الورقية للمكاتب والمنازل. إن إعادة استخدام طن واحد من النفايات الورقية، ينقذ حوالي 17 شجرة متوسطة الحجم من القطع لاستخدامها في صناعة الورق.

الفكرة الثانية: بلاط من المخلفات المطاطية والبلاط المنتج خشن الملمس، يحمي من الانزلاق، وهو مصنّع من بقايا وقصاصات مطاطية مختلفة عن صناعات الإطارات وكرات اللعب والأحذية الرياضية، وهو قابل للالتصاق بأي سطح، ويمكن طلاؤه بكل أنواع الطلاءات، كما يصلح للطباعة عليه. وثمة إحصائية، بحاجة للتحديث، تفيد بأن إطارات السيارات المستهلكة، الملقاةعلى جوانب الطرق السريعة، بالولايات المتحدة وحدها، تكفي لبناء أربعة أهرامات عملاقة، طول كل منها 481 مترا”، ومساحة قاعدته 755 قدما” !

الفكرة الثالثة: ألواح عازلة من المخلفات الورقية والبلاستيكية وتعتمد صناعته، بنسبة 50% على المهمل من الأكواب والأطباق المصنوعة من مادة البوليستيرين، وهي تستخدم لمرة واحدة ، ثم تلقى في سلال المهملات. ولهذه الألواح قيمة عزل كهربي عالية، غير أن ما يهم أنصار البيئة من هذه الفكرة، هو مساهمتها في التخلص من نوع هام وخطير من أنواع المخلفات الصلبة. لقد انتشر استخدام هذا النوع من الأكواب والأطباق في المنتديات والمطاعم التي تقدم الوجبات السريعة، وفي أماكن العمل، بل وفي المنازل أيضاً. وتظهر مشكلة هذه المخلفات بوضوح عندما تتجمع في مستودعات القمامة، أو تنتشر وتتناثر هنا وهناك ويا ليتها تتحلل وتختفي، ولكنها غير قابلة للتحلل ، فتبقي لأمد طويل. وهي مصنوعة – أساسا – من مادة البوليستيرين، وهي من اللدائن المكونة من البنزين، وهو مادة مسرطنة.

الفكرة الرابعة: خشب أقل في مشغولاتنا الخشبية وهدفها النهائي هو حماية الأشجار، فنحن إذا استخدمنا خشبا أقل، خفضنا من احتمتلات قطع مزيد من الأشجار، إذ أننا – من جهة النظر البيئية – نخسر كثيرا مع كل شجرة تسقط ضحية لاحتياجاتنا المتزايدة من الأخشاب. وتؤكد الإحصائيات أن استهلاك البشر من الخشاب قد تضاعف، في الفترة من بداية عقد الخمسينيات من القرن الماضي، حتى الآن، بالرغم من وجود بدائل عديدة للخشب، في اكثر من مجال. على أي حال، فإن الفكرة التدويرية، التي نقدمها الآن، تقوم على خفض نسبة الخشب في العوارض المستخدمة في أعمال النجارة، ومختلف الأشغال الخشبية، بنسبة 65%، وذلك بأن تتكون العارضة من مجرد شفتين من الخشب، تحيطان بقلب من مادة بلاستيكية رغوية، خالية من غازات الكلوروفلوروكربون. ليتنا ننتبه، أكثر، إلى هذه الغازات التي تحسب من فوقنا غطاءنا الطبيعي من الأوزون. هل تعرف كم تبقى هذه الغازات، إذا انطلقت إلى الغلاف الجوي؟

إن معظمها يعيش لمدة قرن كامل، غير أن بعضها يمكنه أن يستمر نشطاً لمدة 20 الف سنة! إن كل جزيء من هذه الغازات، تمنعه من التسرب إلى الغلاف الجوي، نحمي به مائه ألف جزيئ من الأوزون، من التفكك والضياع!

نعود إلى فكرة اختزال حجم الخشب، التي يمكن أن تتعاظم قيمتها إذا كان مصدر المادة البلاستيكية من النفايات الصلبة. إن لهذه الفكرة ميزة إضافية، غير المردود البيئي، هي خفة الوزن، فهي أقل بمقدار الثلث من وزن مساحة مماثلة من الخشب الخاص.

الفكرة الخامسة: أسفلت زجاجي ننقلها لكم من مدينة توليدو، بولاية أوهايو الأمريكية، حيث يتباهى سكان تلك المدينة لقد تزايدت المخلفات الزجاجية في مستودعات قمامة المدينة، وبلغت أطنانا. بأن طرق مدينتهم مسفلتة بالزجاج كسر الزجاج، ففكر القائمون على إدارة شؤون المدينة، بالتعاون مع بعض الهيئات العلمية، في وسيلة علمية للتخلص من هذه النفايات، وبالوقت ذاته، إجاد فائدة لها. وبرزت فكرة استخدام الزجاج في إنتاج نوع جديد من الإسفلت الزجاجي، وهو خليط من الزجاج المجروش، والقار. وقد أثبتت التجربة صلاحية هذه المادة الجديدة لأن تكون سطح طريق لامعاط نظيفا. والمهم، أن إعداد الأسفلت الجديد لبعض طرق تلك المدينة يستهلك 15 طنا من المخلفات الزجاجية، سنويا”.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة