زلزال النووي الإيراني

د. قصي الحسين

تتشبث الإمبراطورية الإسلامية في إيران اليوم، أكثر من أي وقت مضى بالحلم النووي. ويتجلى ذلك بالمواقف السياسية والمواقف العسكرية التي تقفها الإمبراطورية على حدّ سواء.

فالرئيس روحاني يتعهد بالتمسك بالثوابت السياسية ذات النـزعة النووية، دون المساومة عليها مطلقاً. وأن بلاده، لحاجاتها الدفاعية فقط، لا تقبل أن توقف العمل على تعزيز أجهزة الطرد المركزي بالنووي أيضاً، وأنها ستتابع الخطة المرسومة بحذافيرها لامتلاك “التكنولوجية النووية السلمية”. وبأن المفاوضات النووية، مهما بولغ في تفاصيلها، ومهما بولغ في إطالة زمنها لأعوام وأعوام، من غير الممكن أن تقبل الإمبراطورية الإسلامية، التفاوض عليها، لأنها تمثل إرادة الشعب في الحفاظ على مكتسباته الثورية النووية وعلى نزوعه إلى الاستقلالية في البحث في جميع المسائل المتعلقة بالنووي، من زاوية الحفاظ عليه لا التخلي عنه.

ويقف مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، في الحديقة الخلفية لسياسة امبراطورية إيران النووية. وهو يرصد عن كثب أي مرونة يبديها الرئيس روحاني في الملف النووي، وأي تنازلات قد تصيب إيران بضرر ما” في مواقفها الثابتة من امتلاك القدرات النووية بمفاعلها السلمي أو العسكري على حدّ سواء. وهو (أي خامنئي)، لا يثق بأية عائدات منتظرة من التنازل في الملف النووي، لصالح إبطاله أو مجرد تخفيف اندفاع عجلته.

وبرأي مرشد الثورة الإيرانية، أن رفع العقوبات عن الدولة الإيرانية ليست بمستوى تحقيق التقدم في البرنامج النووي ودعم القدرات النووية. فالتنازلات في هذا الملف قاتلة، ولا تصب أبداً في سلة الطموحات والأهداف التي تريد أن تحققها السياسة الإيرانية، بوصفها قوة امبراطورية إقليمية ودولية.

Bushehr-iran-nuclear

ويبدو أن التيار الإيراني المتشدد الذي يتزعمه مرشد الثورة علي خامنئي، هو الذي يقود دفة المفاوضات ويتحكم بتقدمها وتأخرها، حسب الظروف العسكرية للقوى العربية والإقليمية والدولية المتحالفة معها. إذ تبدو إيران اليوم البوصلة الحقيقية لسياسات الردع والممانعة في سورية والعراق وفلسطين ولبنان واليمن، وأيضاً في أوكرانيا والبحرين والسعودية وفينزويلا والجزائر، وخلفها أيضاً البريكس، حيث تنتظر بشوق مآلات المفاوضات الفاشلة، أكثر من مآلات المفاوضات الناجحة أقله على صعيد الملف النووي الإيراني.

وتجري المفاوضات النووية مع إيران، على وقع الزلزال الذي يهزّ بل يضرب سرير الحكم من جهة وحدود الأوطان والدول من جهة أخرى في آن معاً. فتهتز أجهزة الحكم وتقف على شفير السقوط. وتهتز حدود الأوطان والدول، وتقف على شفير التقسيم والشرذمة. وكلما اندفع الطرفان الإيراني والغربي في التفاوض على الملف النووي وتعقيداته، اندفعت الحروب والميليشيات السنية والشيعية ومحاور الممانعة والناتو في الضرب المبرح حتى حدود الاستحالة بلجم المواقف والعودة إلى الهدوء والحياة الطبيعية السابقة.

وتتزامن المفاوضات حول النووي الإيراني مع الارتدادات المزلزلة له في البلاد ذات الأذرع الشيعية الإيرانية أو السنية الإيرانية، لا فرق. ونموذج حماس في غزة خير شاهد على ذلك. وفي طريق التحول السني نحو القوى الإيرانية الجاذبة، نجد أمثلة أخرى في سيناء وفي مصر، وفي ليبيا وفي سورية، وفي جميع المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية في العراق والشام بعاصمتيها: الرقة والموصل.

ومهما قيل عن “دولة داعش” وعن سنيتها وأذرعها الطويلة التي تضرب حيث العرب والاسلام وحيث الغرب، فإن النظر في ذلك يجعلنا نفكر ملياً بالعلاقة التزامنية بين تهديدات الإمبراطورية الإيرانية، وتهديدات الإمبراطورية الداعشية. فهذا كله بنظرنا من تداعيات الزلزال النووي الإيراني، الذي لا يعرف طريقه إلى الهمود والخمود، إلا بعد أن تحصل إيران الامبراطورية الاقليمية والعالمية اليوم، على ما يجعلها في المعادلة العالمية لا خارجها. ولهذا نرى أن للنووي الإيراني كل هذه الارتدادات المزلزلة للسلطات وحدودها على حدّ سواء. فكفى مناورة إذاً، وكفى كذباً وتذاكي في المفاوضات النووية.

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث