التقسيم فوق بحور من دماء

راجح الخوري (النهار)

هل كان نائب رئيس الكنيسة الاشورية الأب يترون كوليانا يبالغ عندما قال إن اختطاف ٩٠ مسيحياً في محافظة الحسكة على يد “داعش” تم بينما كان الطيران الدولي يحلق في فضاء المنطقة؟

قطعاً ليست هناك أي مبالغة، لأن من الواضح بعد مرور ثمانية أشهر على بدء الحرب الدولية على الإرهاب، ان ما يجري ليس حرباً على “داعش” بل تمويه وربما مخادعة، في سياق العمل لدفع المنطقة نحو مزيد من التأزيم الدموي وتأجيج الفتنة المذهبية، توصلاً الى شرذمة الدول وتقسيم الكيانات بالحديد والنار.

انتهى الاسبوع الماضي باختطاف “داعش” ١٢٠ عراقياً في الموصل، وقبل ذلك شاهد العالم مذبحة العمال الأقباط على الشاطئ الليبي، في ما يبدو انه عملية ترويع تتوسع لإغراق المنطقة من المحيط الى الخليج في الدماء، وكل ذلك في موازاة سؤال ملحّ:

هل صحيح ان هناك تحالفاً دولياً من ٦٠ دولة يخوض حرباً على الارهابيين في العراق وسوريا، الذين مهما بلغت أعدادهم لا يمكن التصديق انهم أقوى من آلة الحرب الاميركية والأوروبية، التي أسقطت صدام حسين في تسعة أيام ودمرت جيش القذافي في أقل من اسبوعين، أم أن الحرب مجرد تعمية لأن “داعش” تتوسع من العراق الى سوريا الى سيناء فليبيا والى نيجيريا ففرنسا وأوروبا، وانها قادرة على ان تضرب في باريس وفي كوبنهاغن وأي عاصمة غربية؟

عمليتا اختطاف العراقيين في الموصل والمسيحيين في الحسكة جاءتا بمثابة رد، على المؤتمرين اللذين انعقدا لمواجهة الإرهاب. فقبل ان ينهي باراك أوباما خطابه أمام “القمة الدولية لمواجهة العنف” التي ضمت ٦٠ دولة في واشنطن، كانت “داعش” تضرب في الحسكة، ومع افتتاح مؤتمر “الاسلام ومحاربة الإرهاب” الذي نظمته رابطة العالم الاسلامي في مكة ضربت “داعش” في الموصل!

واذا توقفنا أمام الإعلانات الاميركية المتناقضة حيال مسار الحرب على الارهابيين وأمام البيانات العراقية المتعارضة في ما يتصل بتحرير الموصل والمدة التي يتطلبها، ثم اذا تذكرنا ان تصريحات الجنرال جون آلن منسق الائتلاف الدولي للحرب على الارهاب تقع ايضاً في تناقض مثير، سواء بالنسبة الى الموصل أو بالنسبة الى الوقت اللازم لجهوزية المعارضة السورية التي يفترض ان تواجه “داعش”، يمكن ان نفهم ان ليس هناك حد أدنى من التحضير الميداني والتخطيط العملاني لشن حرب حقيقية على الارهابيين!

وعندما يقول أوباما أمام المؤتمرين في واشنطن إن الغارات الجوية التي يشنّها التحالف منذ أشهر لا يمكن أن تشكّل الرد الوحيد على العنف المتطرف، فذلك يعني صراحة ان الرد على “داعش” ليس واضحاً ولا جاهزاً، ولهذا فهي مستمرة في التوسع لتكتمل خرائط التقسيم فوق بحور من دماء!