ماذا بعد تعطيل جلسات مجلس الورزاء؟

لبنان على حافة الهاوية بعد أن باتت مؤسساته الدستورية “من رئاسة الجمهورية مرورا بالمجلس النيابي ووصولا إلى الحكومة” مهددة بالشلل والتعطيل، خصوصا في ظل الذرائع التي يطلقها البعض لتعطيل انتاجية جلسات مجلس الوزراء تحت عنوان رفض تكريس الفراغ في رئاسة الجمهورية في حين أن هذا البعض يتقاعس عن القيام  بأبسط واجباته الوطنية لإنهاء حالة الشغور الرئاسي من خلال اسقاط لغة التعنت والمكابرة التي تمنع لحد هذه اللحظة من قيام تفاهم وطني واسع يؤدي إلى انتخاب رئيس توافقي جديد للجمهورية يكون قادرا من خلال موقعه التوافقي على قيادة البلاد نحو شاطئ الأمان في ظل المرحلة الخطيرة والبالغة الحساسية التي يمر بها لبنان والمحيط والجوار.

وفي هذا السياق أكدت أوساط بارزة لـ «الانباء» بأن ما يطلق من مزايدات شعبوية حول موضوع آلية عمل مجلس الوزراء لن تقود سوى إلى تشنج الأوضاع التي من شأنها أن تنعكس مزيدا من التعطيل والشلل على عمل الحكومة، وهذا الامر بدوره سيتسبب بتعطيل وعرقلة شؤون الناس التي لا تحتمل في هذه الظروف الصعبة تحمل المزيد من الأعباء والأثقال  نتيجة استمرار المناكفات والسجالات السياسية ، خصوصا انه ليس هناك من داع لنشوء أزمة حول موضوع آلية عمل الحكومة طالما أن الجميع يجب في هذه المسألة العودة إلى الدستور والتقيد بأحكام مواده الذي ترعي هذه القضية وذلك بعيدا عن التسييس والحسابات الفئوية.

الأوساط شددت بأن الأولوية يجب أن تبقى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت ممكن خصوصا بعد مرور حوالي عشرة أشهر على الشغور الرئاسي الذي لا يجوز أن يستمر خلف أي ذريعة من الذرائع حتى تلك التي يتحجج بها البعض خلف ستار ربط الاستحقاق الرئاسي بالإنفراجات الدولية والإقليمية في حين أن فرصة لبننة هذا الاستحقاق الوطني لا تزال ولو بنسبة ضئيلة موجودة ومتاحة.

 وهذا امر يدركه الجميع ومع ذلك فان هناك قوى سياسية لبنانية لا تزال متمسكة بمسار التعطيل الذي يمنع انجاز الاستحقاق الرئاسي مضيفة بأن رئيس الحكومة ليس متمسكا باستمرار هذه الحكومة على حساب استمرار الشغور الرئاسي بل على العكس من ذلك فأن رئيس الحكومة يعمل بكل جدية لإنجاز الإستحقاق الرئاسي باسرع وقت ممكن إلا أن ذلك لا يعني أبدا التسليم بشرك تعطيل انتاجية عمل الحكومة من خلال بدعة اشتراط توافق جميع الوزراء حول جميع القضايا الكبيرة والصغيرة التي تعرض على مجلس الوزراء.

وبحسب مصادر لبنانية مطلعة ان اللبنانيين وبعد عشرة اشهر على الفراغ الرئاسي فقدوا حظوة لبننة الاستحقاق التي كانوا يتطلعون اليها منذ اكثر من ثلاثة عقود، باقرار الرؤساء وكبار المسئولين في الدولة، وليس ادل الى ذلك من الموقف الذي اطلقه رئيس مجلس النواب نبيه بري امام وفد نقابة الصحافة آسفا لضياع فرصة انتخاب رئيس بارادة لبنانية ومعتبرا ان العوامل الخارجية يمكن ان تؤثر مئة في المئة وصفر في المئة اي عند اتفاق اللبنانيين يصبح تأثير الخارج صفرا ، ما استدعى ردا من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع معتبرا ان تأثير العوامل الخارجية يصبح صفرا حين تستجيب الكتل المقاطعة لدعواته المتكررة لانتخاب رئيس.

وتعرب المصادر عن بالغ قلقها من تجاوز الفراغ الرئاسي كل المهل المتوقعة من موعد السنة على الشغور في 25 ايار، الى توقيع اتفاق الاطار للملف النووي في نهاية اذار، والمفاوضات الاميركية الايرانية ومصير العلاقات السعودية – الايرانية ونتائج الجولات المكوكية الفرنسية بين العواصم المؤثرة وغيرها من المحطات الداهمة التي تنقسم الآراء في شأن اي منها هي الاكثر تأثيرا على الرئاسة اللبنانية ، حتى ان البعض بات يربطها بمصير الازمة السورية البالغة التعقيد.

ولا تقلل المصادر من اهمية مجمل هذه الاستحقاقات على الوضع اللبناني ، الا انها تعتبر ان الاكثر واقعية في التأثير على الرئاسة في لبنان قد يكون الاتفاق النووي نسبة لما للجمهورية الاسلامية من قدرات “تعطيلية” في الاستحقاق اللبناني ، قد تصبح مستعدة لإزالتها اذا ما امنت لها ورقة التعطيل اللبنانية جزءا اساسيا من المكاسب في الاتفاق الذي يتطلع اليه العالم بأسره بين مرحب ومتحفظ وقلق.

الا ان طريق الاتفاق لا تبدو معبدة بالورود على رغم اصرار الجانبين على تحقيق الهدف، ذلك ان العقبات الماثلة في وجهه ما زالت كثيرة، وفق المصادر عينها، لا سيما بعد فوز الجمهوريين بالكونغرس الاميركي، حيث تبذل ادارة الرئيس باراك اوباما جهدا كبيرا في اتجاه اقناع الجمهوريين بالسير في التوقيع على الاتفاق وانجاز الصفقة مع ايران، في ضوء التباين الواضح بين الديموقراطيين والجمهوريين الذين يخشون ان يشكل اي دعم لاوباما من جانبهم جرعة اضافية لوصول رئيس ديموقراطي في الانتخابات الرئاسية الاميركية.

وتتساءل المصادر عما اذا كانت ادارة الرئيس باراك اوباما ستنجح في ارساء التفاهم بين الديموقراطيين والجمهوريين من اجل فصل الملف النووي عن ملف الازمة السورية، فتبادر الى العمل على حل سريع، قد يصبح حاجة ملحة في ضوء توسيع الجمهورية الاسلامية سيطرتها وبقعة انتشارها عبر حلفائها من العراق الى اليمن وسوريا لخلق امر واقع تستخدمه كورقة ضغط لتحصيل اوسع المكاسب في الاتفاق النووي وتعزيز دورها في المنطقة.

وفي هذا السياق، اذا كان التعطيل والعرقلة والمشاكسة هي سيدة الموقف، فما الجدوى من عقد جلسات غير منتجة؟”، هو السؤال الذي اطلقه رئيس مجلس الوزراء تمام سلام امام وفد نقابة الصحافة يظهر عمق المشكلة المستحكمة والناتجة عن عدم التوصل الى آلية لعمل الحكومة والذي لا يزال يتحكم بعدم الدعوة الى عقد جلسة للحكومة هذا الاسبوع.

الرئيس سلام، اكد إن هناك خللا جوهريا في مسارنا الديموقراطي يتمثل في الشغور في موقع رئاسة الجمهورية داعيا الى معالجة هذا الشغور بشكل لا يتعارض مع تلبية حاجات اللبنانيين وتسيير شؤونهم، ولا يؤسس في الوقت نفسه لحالة جديدة خارج اطار النظام الديمقراطي.

بدوره، أكد مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي رامي الريّس أنه “منذ اللحظات الأولى لإقرار آلية إتخاذ قرارات مجلس الوزراء تحفظنا عليها وكانت لدينا وجهة نظر أنها يمكن أن تشكل عقبة لأنه في نهاية المطاف إمتلاك كل عضو في مجلس الوزراء قرار التعطيل في كل عمل الحكومة هو أمر غير مفيد”. وأثنى الريس على “موقف الرئيس تمام سلام الذي أشار فيه إلى أن التوافق لا يعني بالضرورة الإجماع. هناك وضوح في الدستور الذي ينص على أن القرارات العادية تتخذ بالنصف +1 والقرارات الكبرى أو الميثاقية تتخذ بأكثرية الثلثين، أما تحقيق اجماع كامل لمجلس الورزاء حول كل القرارات الصغيرة والكبيرة فهي أدت إلى ما نحن فيه من مأزق اليوم. بطبيعة الحال ليس هناك أي مصلحة بتفجير الحكومة لأنها المعقل الدستوري الأخير في ظل الخلافات المستمرة حول إنتخاب الرئيس”.

وفي ملف الانتخابات الرئاسية، قال الريّس: “لا شك أن هناك رأي أساسي لكل مكونات المجتمع المسيحي في ملف انتخاب رئيس الجمهورية، لكن نحن مع إعادة الإعتبار للبعد الوطني لانتخاب الرئيس الجديد لعل ذلك يحقق ثغرة ما، لأن إنتظار التوافق المسيحي- المسيحي منذ أشهر لم يحقق أي تقدم حتى الآن. وهناك صعوبة كما يبدو أن يتخلى أحد المرشحين الرئيسيين الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون عن ترشيحه لصالح الآخر، لذلك لا بد من أن نغلب منطق التسوية في الانتخابات الرئاسية».

واعتبر الريس أن “إنتظار حصول تبلور تفاهم إقليمي –دولي حول هذا لا يبدو عناصره متوفرة في هذه اللحظة وبالتالي هذا يضاعف من مسؤوليتنا الوطنية أن نذهب إلى بناء شكل من أشكال التفاهم حول هذا الموضوع ذلك أن خريطة توزع القوى السياسية داخل مجلس النواب أصبح واضحاً إذ ليس هناك أي كتلة تستطيع أن تنتخب وحدها رئيس للجمهورية دون التفاهم مع الكتل الأخرى، لذلك لا يمكن أن نبقى إلى ما لا نهاية في هذه الدوامة”.

______________________

(*) إعداد: هشام يحيى