أزمة الحكومة قد تطول وسلام لن يقبل باستمرار التعطيل

تقف السياسة في لبنان على رصيف الإنتظار، فالحوار الجاري بين القوى السياسية يحقق أهدافه الإعلامية فيما عين المتحاورين على الخارج وتطوراته، وعلى رصيف الإنتظار توقفت محركات المؤسسات واحدة تلوى الاخرى.

فبعد الفراغ الرئاسي الذي ينشط الحديث عنه في المناسبات الرسمية والخطب السياسية، تبدو القوى السياسية عاجزة عن حل تلك المعضلة الوطنية، لا بل فإن لغة العجز والفراغ والتعطيل إستساغت عقول المعنيين وباتت المناورات السياسية ومصالح القوى المعنية تعلو فوق لغة الدستور ومصالح اللبنانيين.

الحكومة معطلة ويبدو أن عطلتها ستدوم إلى حين الإتفاق على آلية جديدة تحفظ هيبة الدستور وتضمن لمجلس الوزراء إنتاجية يرضى عنها رئيسه ومن معه من الوزراء الحريصين على الدولة ومصالح مواطنيها، وأيا تكن المعطيات المعلنة وغير المعلنة لحصيلة الاتصالات المكوكية بين السراي الحكومي وسائر المقار السياسية لانتاج توافق على آلية العمل الحكومي، فلا جلسة لمجلس الوزراء للاسبوع الثاني والرئيس تمام سلام لن يدعو إلى جلسة لا تحسم خيار الآلية الجديدة، لا بلا فإنه تسأل عن الجدوى من عقد جلسات غير منتجة في ضوء سياسة التعطيل والعرقلة والمشاكسة.

فالرئيس سلام ومعه عدد من الوزراء حريصون على سير العمل في المؤسسات ويرفضون التعطيل، والتعطيل ليس في الامتناع عن عقد جلسة مجلس الوزراء إنما في كيفية إتخاذ القرار، حيث الدستور أعطى نسباً وحدد ألية عمل لمجلس الوزراء، كما وأن اعتماد الآلية الحالية والتي اعطت لكل وزير سلطة رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية كما قال الرئيس نبيه بري، ستكرس الفراغ الدستوري في الرئاسة الأولى، بدلا من الدفع نحو تعبئة الفراغ بانتخاب رئيس جديد، ولذا قال الرئيس سلام “ليست لدي رغبة في أي ممارسة حكومية تثبت الشغور. المطلوب عدم تعطيل الدولة وعدم التصرف وكأن تعطيل عمل الحكومة هو بديل من انتخاب رئيس متمنيا لو ان الجهود التي بذلت لتعطيلها وضعت من اجل انتخاب رئيس لكنا اليوم نعيش في ظروف سياسية افضل، ودعا القوى السياسية إلى التوجه لانتخاب رئيس لنرتاح من الوضع الشاذ”.

وأضاء الرئيس سلام على حقيقة آلية العمل الراهنة بالإشارة إلى أنه “منذ بداية الشغور ارتأى بالتواصل مع القوى السياسية، إعتماد التوافق وهو في صلب المادة 65 من الدستور لكن التوافق لا يعني بالضرورة الاجماع، بل يحتمل وجود تباينات في الرأي تحت سقفه، وقد فهم بعض الوزراء التوافق على انه فرصة للتعطيل”.

من جهته، وزير الصحة وائل أبو فاعور أشار إلى أن “الدستور واضح فالقرارات العادية تتخذ بالنصف+1 والمصيرية بالثلثين ونحن ضد مبدأ الفيتو لكل وزير”، وقال “نحن مع الدستور والآلية المعتمدة حالياً غير دستورية وقد تحفظنا عنها منذ البداية”، ودعا إلى تسهيل عمل الحكومة حيث القضايا الخلافية لا تعالج إلا بالحوار.

وفي السياق ذاته، رأت مصادر سياسية مطلعة أن حرص الرئيس سلام على الوفاق وإشراك جميع المكونات داخل حكومته في القرار في ظل غياب الرئيس، لا يجوز أن يوظفه البعض لمصلحته ويحوله إلى إجتهاد وحق مكتسب أو يستغله لتحويل الجلسة كما حصل أخيرا إلى حلبة صراعات وتصفية حسابات سياسية بعيدا من المصلحة العامة، حتى بات المجلس وكأنه في مرحلة تصريف أعمال.

وأوضحت أن تسليم رئيس الحكومة بالآلية فهمه البعض على أن كل وزير تحول إلى رئيس جمهورية، بما يطيح بدور رئيس الحكومة وصلاحياته، مشيرة إلى أن الدستور حدد صلاحيات مجلس الوزراء، وما دامت البلاد دخلت في مرحلة الشغور الرئاسي فإن جل ما يجب فعله هو الإبقاء على صلاحيات مجلس الوزراء كما هي وعدم تعطيلها، وإعتماد سياسة الاجماع فقط في القرارات التي تستوجب الصلاحيات الرئاسية.

من جهة أخرى، وفيما يدخل موضوع الآليات الحكومية البلاد في إصطفاف جديد، يكثف الرئيس سلام إتصالاته خلال اليومين المقبلين ويجتمع إلى مسؤولين للتشاور في الصيغ المقترحة لآلية العمل الجديدة، وضعت مصادر أخرى أزمة الآليات في سياق الخلافات الدائرة على تفسير الدستور، وأوضحت أن المشاورات تتركز على صيغة من اثنتين، الابقاء على آلية العمل الحالية مع تقديم ضمانات بعدم التعطيل، أو إعتماد نص المادة 65 من الدستور التي تحدد الاكثرية اللازمة تبعا للمواضيع العادية او الاستثنائية اذا ما تعذر إتخاذ القرارات بالتوافق.

من جهة أخرى رأت المصادر عينها أن الحوار الجاري بين تيار المستقبل وحزب الله والمرجح أن يعقد جلسة جديدة الاثنين المقبل في عين التينة، سوف يستكمل البحث في الخطة الدفاعية الوطنية لمواجهة الارهاب والتي يبدو أن لكل طرف رؤية متناقضة لها عن رؤية الطرف الاخر، ورجحت المصادر أن يتناول الحوار موضوع الشغور الرئاسي في ظل الأزمة الحكومية الى أن هذا البحث لا يعدو كونه تبادل آراء حيث يدرك الطرفين أن قرار انتخاب رئيس الجمهورية ينتظر حلحلة إقليمية فيما الواقع يتجه عكس ذلك وأحداث اليمن دليل واضح على ذلك.

وسط هذه الأجواء، يشق ملف العسكريين المخطوفين طريقه في إتجاه حل جدي، وسط إرتفاع منسوب التفاؤل لدى الاهالي وتقاطع المعلومات عند ايجابيات كبيرة طرأت في المفاوضات تفسح المجال للافراج عن العسكريين خلال فترة شهر او شهرين اذا لم يطرأ ما يعرقل هذا المسار حيث كشف مصدر مقربة من أهالي العسكريين الذين زاروا جرود عرسال ان لا تعثر في المفاوضات مع “داعش” كما اشيع، بل اخذ ورد قد تتبلور نتائجه في وقت غير بعيد. وفي وقت تحدثت المعلومات عن وجود مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم في الامارات على ان يتوجه الى تركيا لمتابعة المفاوضات.

——————————-

(*) فوزي ابو ذياب