الفجوة بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول إيران

الجدال القائم حول الدعوة التي توجه بها رئيس مجلس النواب الأمريكي، الجمهوري جون بينر، إلى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لإلقاء كلمة أمام اجتماع مشترك للكونغرس ترك أثراً مثيراً للسخرية بتحويل الانتباه من الموضوع نفسه الذي يريد نتنياهو مناقشته ألا وهو: المشاكل الناشئة عن صفقة محتملة حول البرنامج النووي الإيراني. وبالرغم من أنّ الجميع يناقشون مدى صواب خطوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بتحدي سياسة الرئيس أوباما في مثل هذا المحيط، تم غض النظر عن الطبيعة الحزبية لهذه الدعوة كما وعن توقيت الخطاب – قبل أسبوعين فقط من الانتخابات الإسرائيلية – وعن فحوى المسألة برمّتها. فلماذا هذا الانقسام بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، وهل يمكن رأب الصدع بينهما؟

لا تُخفى الهوة الفاصلة بين الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء إسرائيل. فمن الواضح أن الرئيس أوباما مستعد للقبول بصفقة تحدّ من البرنامج النووي الإيراني ربما للسنوات الخمس عشرة القادمة، وذلك بطريقة تضمن أن يكون الإيرانيون على بُعد عام من إنتاج اليورانيوم المستخدم في الأسلحة. ومع ذلك، لن تكون إيران ملزمة بتفكيك أي من منشآتها أو بنيتها التحتية النووية – وبعد انقضاء مدة الاتفاق، سيُسمح لها بتنفيذ برنامج نووي صناعي الحجم والحظوة بمعاملة مخصصة لأي طرف آخر في معاهدة حظر الانتشار النووي.

ولكن هذا الأمر يعني من وجهة نظر نتنياهو ترك إيران كدولة على حافة “العتبة النووية”. ومع أن الموقف العلني الذي يبديه رئيس الوزراء الإسرائيلي يعترض على منح إيران أي قدرة على تخصيب اليورانيوم ويطالب بتفكيك منشآتها النووية، توحي الأحاديث التي أجريتها مع أطراف إسرائيلية إلى أن بوسعهم في الواقع التعايش مع اتفاق يتيح لإيران قدرة تخصيب صغيرة. وبرأيهم، إن التراجع عن العقوبات يجب أن يقابله تراجع جدي في البرنامج النووي الإيراني. وعلى العكس من ذلك، إن الاتفاق الذي تجري دراسته وفقاً للتقارير سوف يحد من البرنامج النووي الإيراني، دون أن يقلصه بشكل كبير، مقابل التراجع عن العقوبات.

ويجادل الإسرائيليون بأن السماح لإيران بتنفيذ برنامج صناعي الحجم للطاقة النووية سيمكّنها من أن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية في الوقت الذي تختاره. وبالفعل، فإن نظام الشفافية أو التدقيق اللازم للكشف عما يعرف بتجاوز العتبة النووية والمعتمد في برنامج صغير، من غير المرجح أن يجدي نفعاً مع برنامج ضخم. وقد تحدث أولي هاينونين، مسؤول سابق في “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” – المسؤولة عن نظام التحقق – بصراحة ووضوح حول هذا الموضوع. وأكد هاينونين على أن ما قد يكون فعالاً بالنسبة لبرنامج يضم بين ألف وألفي جهاز طرد مركزي لن يجدي نفعاً لبرنامج يضم عشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي ما لم يتم وضع بروتوكولات جديدة وإعادة تحديد آلية النفاذ والسماح بوجود المزيد من المفتشين.

لذلك، ترتبط المخاوف الإسرائيلية، على الأقل جزئياً، بصعوبة التحقق من التزام الإيرانيين بمعاهدة حظر الانتشار النووي حين يحصلون على برنامج من الحجم الصناعي. ولا شك في أن هذه المخاوف تنشأ أيضاً عن القلق من مدى رغبة الولايات المتحدة وغيرها من الدول في منع إيران من تجاوز العتبة النووية لصنع الأسلحة، وخصوصاً إذا وافقت هذه البلدان على اتفاق يسمح لإيران بإنشاء بنية تحتية نووية ضخمة. فهل تستطيع إدارة أوباما معالجة هذه المخاوف؟

والجواب هو نعم، بشرط أن تكون الإدارة مستعدة لاتخاذ خطوتين:

الخطوة الأولى، يجب أن تحرص الإدارة على أن تنص تدابير التدقيق والتحقق المدرجة في الاتفاق على حق النفاذ إلى كافة المنشآت المصرح عنها وغير المصرح عنها “في أي مكان وفي أي وقت كان”. كذلك، عليها أن تدعم هذه التدابير الواردة في البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي، بواسطة أساليب جديدة لضمان التفتيش الفعال لبرنامج نووي كبير. وبما أن أي اتفاق يعقد مع إيران سيصبح بمثابة سابقة في هذا الإطار، لا بد أن تلقى هذه الخطوة دعم شركاء الولايات المتحدة الخمس في المفاوضات.

أما الخطوة الثانية فتستدعي من الإدارة الأمريكية أن تكون مستعدة لتوضيح العواقب الناجمة عن كافة فئات انتهاك الاتفاق بشكل مسبق، على أن يكون الاندفاعٍ نحو تصنيع الأسلحة هو الانتهاك الأفظع وعاقبته استخدام القوة. وستزيد مصداقية هذه العواقب بشكلٍ كبير إذا ما درستها الإدارة مع الكونغرس وتم ترسيخها في هيئة قانون وإذا ما تم تطبيق هذه العواقب، ولا سيما استخدام القوة، على التحرك الإيراني لتطوير أسلحة نووية بعد انقضاء مدة الاتفاق.

إن تضمين هذه التدابير في القانون يشكل رسالة واضحة وبرهاناً على توافق الرئيس والكونغرس حول هذه المسألة. وكذلك سيعتبر رادعاً لإيران، وسيطمئن الإسرائيليين حول ثبات تحرّك الولايات المتحدة وإجرآتها – الأمر الذي يقضي على مصدر رئيسي لتخوفهم من هذا الاتفاق.

من المفترض أن تجد الإدارة الأمريكية أيضاً، هذه المقاربة مقبولة. فهي لن تعرّض المساعي الدبلوماسية الراهنة للخطر، بل ستمنح الإدارة سبيلاً للتعاون مع الكونغرس وستعطي أعضاء الكونغرس وسيلة لتحقيق رغبتهم بترك بصمة على هذا الاتفاق. كما أنها ستتماشى مع جوهر المبررات التي تقدمها الإدارة، وهي: أن الاتفاق سيحد من البرنامج الإيراني ويمنع إيران من الاستحواذ على أسلحة نووية – وسوف تتمكن الولايات المتحدة من ردع الإيرانيين حتى بعد انقضاء مدة الاتفاق البالغة 15 عاماً. وبالإضافة إلى ذلك، إنها قد تردم الهوة القائمة بين أوباما ونتنياهو.

 ———————————-

(*) دينيس روس / معهد واشنطن