محادثات أميركية-إيرانية في جنيف ولا مؤشرات لاتفاق شامل بينهما

تجري إيران والولايات المتحدة الأميركية جولات مكوكية من المحادثات المتواصلة في جنيف بغية التوصل إلى إتفاق شامل حول الملف النووي وترتيب أوضاع المنطقة ودور إيران فيها وفق ما تسوق وسائل إلإعلام العربية والدولية المقربة من إيران، كما تسوق تلك الوسائل تسريبات إعلامية تؤشر إلى وجود إتفاق منجز بين الطرفين يجري البحث في كيفية تظهيره وإقناع القوى الأخرى به، لا سيما دول الخليج العربي القلقة على أمنها بفعل التمدد الإيراني على حدودها من العراق إلى اليمن مروراً بالبحرين وجزر طنب الكبرى والصغرى، وتشدد طهران وفق مصادرها على ضرورة التوصل إلى اتفاق على كل التفاصيل في مفاوضاتها مع الدول الست المعنية بملفها النووي، مذكّرة الغرب بوجوب الاتعاظ من تجربة أوكرانيا.

ومن المتوقع أن تستمر اللقاءات التي يعقدها نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ونظيرته الأميركية ويندي شيرمان، في العاصمة السويسرية، بحضور خبراء من الجانبين، وهيلغا شميد مساعدة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي حيث يليها إجتماع أكدته الخارجية الأميركية بين وزيرَي الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والأميركي جون كيري، في جنيف مطلع الاسبوع المقبل والذي ستحضره أيضا هيلغا شميد عن الاتحاد الأوروبي، قبل الإجتماع الذي سيعقد بين إيران والدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) على مستوى المديرين السياسيين لمتابعة جهودهم الديبلوماسية في سبيل تسوية طويلة الأمد وشاملة للملف النووي الإيراني.

مؤشرات عديدة وفق مصادر دبلوماسية غربية تعيق الوصول إلى توقيع الاتفاق النووي بين إيران والأطراف الدولية، وهذا ما ألمح إليه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بقوله: “أن إبرام الاتفاق ممكن، إذا امتلك الطرف الآخر إرادة سياسية”، معتبراً أن الغرب “لن يستطيع الاستمرار في إملاءاته على العالم، بفرض عقوبات ظالمة على إيران”. وأكد ضرورة “التوصل إلى اتفاق شامل يتضمن كل التفاصيل”، وزاد: “حدّد قائد الثورة علي خامنئي إطار العمل في شكل كامل، والوفد الإيراني المفاوض ضمن هذا الإطار”. وتابع: “يجب عدم الاكتفاء بإصدار بيان سياسي، لأن إستمرار هذه الوتيرة ليس في مصلحة أي طرف”. وحض الغربيين على “تصحيح توجهاتهم إزاء الدول الأخرى، وإلا سيواجهون مشكلة تلو أخرى، كما حصل في أوكرانيا”.

تصريح ظريف الذي يستعجل الاتفاق النووي تعيقه مواقف أميركية واسرائيلية غير متحمسة لإبرام الاتفاق لا سيما أن كتلة من النواب الديمقراطيين أبلغت أوباما انها ستوافق على إصدار عقوبات جديدة على إيران بعد 24 آذار، موعد إنقضاء المهلة الممددة لتوقيع الاتفاق، ما يسقط قدرة أوباما إستخدام الفيتو بوجه الكونغرس، كما أسهمت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثية) المقربة من إيران ونهبها السفارة الأميركية في اليمن بعد خروج طاقم السفارة منها، الشكوك لدى الباحثين والخبراء الأميركيين على مستقبل المصالح الأميركية في المنطقة فيما لو فوض الغرب إيران (مهمة شرطي المنطقة) كما يسوق لها البعض، على خلفية أن إيران وحدها قادرة على ضرب داعش بعد فشل نظرية تدميرها بالضربات الجوية كما كان متوقعاً.

المصادر الغربية علقت على هذه التسريبات بالقول ان إيران وحلفاءها تحاول تسويق تلك النظرية لتسويق فائض قوة حلفائها العسكرية بالدبلوماسية، مستخدمة ترهيب حزب الله في سوريا والحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق، كجزء من هذه النظرية.

المصادر كشفت أن تقرير الهيئة الدولية للطاقة الذرية الأخير، عن عدم تعاون إيران في بعض المواقع يشكل عائقا أساسيا بوجه اي إتفاق قد تصل اليه الأطراف الدولية مع إيران، كما أن مسألة الصواريخ البالستية الإيرانية تشكل تهديداً لأمن إسرائيل وأن المصالح الغربية في المنطقة كما يهدد أمن الخليج العربي الحليف الأول للغرب، ورأت المصادر أن اي إتفاق مع إيران يشترط التزام إيران الاتفاقيات الدولية في تعاملها مع دول المنطقة، ما يعني وقف دعمها للميليشيات المسلحة، ووقف تهديد أمن وإستقرار الدول المجاورة بما فيها إسرائيل وسحب مقاتليها وخبرائها من اليمن والعراق وسوريا، متسائلا ما إذا كانت إيران مستعدة لذلك.

المصدر الدبلوماسي الغربي ألمح إلى وجود تحول في النظرة الاميركية تجاه داعش ودور إيران، إذ إعتبر أن التدخل الإيراني في العراق وسوريا أجج من العصبية المذهبية، وأسهم في إحتضان عدد من القبائل لتنظيمي داعش وجبهة النصرة، ورأت المصادر أن هذا التحول بدا واضحا في الخطاب الأخير لأوباما قبل أيام والذي ربط بين دعم المعارضة السورية وإسقاط بشار الاسد كمدخل لإنهاء ظاهرة داعش.

المصادر كشفت أن الأشهر الماضية التي كان يجري فيها الحديث عن إتفاق أميركي مع إيران كان بهدف تفكيك التحالف الإيراني –الروسي، وهذا التحالف لم يعد موجودا اليوم بفعل الأزمة الإقتصادية التي ضربت روسيا نتيجة إنخفاض أسعار النفط وبفعل العقوبات الجديدة على روسيا نتيجة تدخل بوتين وجيشه في أوكرانيا وتهديده أمن أوروبا.

وهذا الامر يسري أيضا على إيران، إذ أن المجتمع الدولي لن يسمح لايران تهديد امن الخليج العربي أو أمن إسرائيل حليفة الولايات المتحدة الاميركية، على رغم الخلافات القائمة بين أوباما ونتنياهو.

المصادر رأت أن المنطقة مقبلة على صراع كبير وفرز سياسي وجغرافي جديد وتحديد مناطق نفوذ، فإيران تعتقد أنها باتت قادرة على ربط مناطق نفوذها من اليمن إلى لبنان بعضها ببعض، والاكراد يتهيأون لدمج مناطق نفوذهم بعد تكاثفهم في كوباني وطردهم لداعش منها ما يعطي تركيا فرصة رسم حدود لها مع سوريا ومناطق كردستان الجديدة، ما يعني أن سوريا والعراق ستكونان مشتعلة لفرض مناطق النفوذ الايرانية والتركية والسنية المعتدلة المدعومة من السعودية، ما يطلق عنان الالة العسكرية الإسرائيلية توسيع حدود أمنها في القنيطرة والجولان بعد أن باتت الجبهة الشمالية والشرقية مترابطة بفعل تمدد حزب الله إلى القنيطرة.

معركة فرز النفوذ الجغرافية في بلاد الشام قد تمتد نارها إلى الخليج العربي ما لم تحزم دول مجلس التعاون أمرها وتشد أزر بعضها بعض وتدعم القبائل في اليمن والصحوات في العراق والجيش الحر في سوريا، وفرض توازن قوى مع إيران وحلفاؤها وهذا ما بدا واضحا في معركتي الجنوب (القنيطرة درعا) والشمال (حلب وريف حلب) التي نجحت المعارضة السورية في صد هجمات النظام وحلفائه وتكبيده خسائر فادحة.

إلى ذلك، أظهر تقرير أعدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لم توسّع إختبار نماذج أكثر فاعلية من أجهزة الطرد المركزي، المُستخدمة في تخصيب اليورانيوم، تنفيذاً لاتفاق جنيف المبرم مع الدول الست عام 2013.

وكان تقرير أصدرته الوكالة في تشرين الثاني الماضي أفاد بأن إيران تضخ غاز اليورانيوم في نموذج جديد قيد التطوير يُطلق عليه (آي آر-5)، ما أثار جدلاً بين محللين في شأن إمكان اعتبار الأمر انتهاكاً للاتفاق. لكن التقرير الأخير للوكالة تحدث عن فصل أجهزة (آي آر- 5).

في غضون ذلك، التقت مستشارة الأمن القومي الأميركية سوزان رايس نظيرها الإسرائيلي يوسي كوهين في البيت الأبيض، وناقشا الملف النووي الإيراني. بعد أن أجّج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو صراعه مع واشنطن، قائلاً: “نعلم أن طهران تعرف تفاصيل المحادثات، وأقول لكم إن إسرائيل أيضاً تعرف تفاصيل الإتفاق المقترح، وأعتقد بأنه سيء ويشكّل خطراً على إسرائيل، وليس عليها فقط”. وسأل: “إذا كان أي شخص يفكّر عكس ذلك، ماذا هناك لإخفائه”؟

————————————
(*) فوزي ابوذياب