طريق إيران

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

عندما سيطر الحوثيون على اليمن وأذلّوا الأميركيين فطردوهم وأخرجوهم في مشهد مذل من البلاد، بعد أن صادروا أسلحة من قوات المارينز وسيارات تابعة للسفارة، أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية «جاين ساكي»، قائلة: «نؤكد استيلاء الحوثيين على السيارات. هذا العمل غير مقبول. نطالبهم باحترام الملكية الخاصة وبإعادة تلك السيارات»! هذه هي قضية أميركا في اليمن: حماية الملكية الخاصة. إعادة السيارات المصادرة وليس إعادة السلطة إلى أصحابها والوضع إلى ما كان عليه، كما كان يؤكد مسؤولون أميركيون ودوليون! فرض الحوثيون الأمر الواقع في البلاد. فيما كثيرون غارقون في التحليلات المبنية على التمنيات: «لقد غرقت إيران في اليمن»، «تمدّدت كثيراً ولا تستطيع استيعاب تمدّدها»، «تمدّدت ولكنها لم تحسم بعد» (!) هكذا يقولون!

طالبت دول مجلس التعاون الخليجي بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع. جاء القرار على غير ما توقع البعض، بل «معيباً» بالنسبة إلى خصوم إيران والحوثيين. «استنكار» ما جرى وليس «إدانته»! «رفع الإقامة الجبرية عن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والانسحاب من المؤسسات والعودة إلى التفاوض»! فيما كانت المواقف تؤكد رفض ما جرى وتدعو إلى التمسك بالشرعية ممثلة بالرئيس والحكومة! اليوم أصبحت القضية صحة «الرئيس هادي» وإطلاق سراحه مع رفاقه، والدعوة إلى التفاوض. التفاوض انطلاقاً من الأمر الواقع. من النقطة التي وصلت إليها الأمور. أي التفاوض من موقع القوة بالنسبة للحوثيين! ومع ذلك فقد رفض الحوثيون قرار مجلس الأمن وتمسكوا بإجراءاتهم، ولم يحدث شيء! والغارقون في تحليلات التمنيات لا يزالون يتحدثون عن ازدياد العبء الإيراني ويعتقدون أن الحوثيين سيكونون في مواجهة صعبة مع «القاعدة»، وكلا الفريقين أعداء، فليتقاتلا حتى النهاية! وأن إيران غير قادرة على تحمّل هذا العبء، ما يعني استمرار الحرب واتساع رقعتها وتدمير البلاد وإفقار أهلها أكثر فأكثر!
ولعل ذلك ما أشار إليه بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة عندما قال مؤخراً: «إن اليمن ينهار أمام عيوننا». وللأسف، فإن المنطقة كلها تقريباً تنهار أمام عيوننا.

أما في إيران فالواقع ليس كذلك، فقائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني، يقول: «إن مؤشرات تصدير الثورة الإسلامية باتت مشهودة اليوم في كل المنطقة، سواء من البحرين والعراق، إلى سوريا واليمن، وحتى شمال أفريقيا»!

كلام لافت لأن المسؤولين الإيرانيين كانوا يتجنبون الحديث عن تصدير الثورة ويبعثون برسائل طمأنة لدول الجوار.

لكن ممثل الإمام خامنئي في الحرس الثوري قال: «من اليمن إلى العراق، إلى سوريا ولبنان وفلسطين، جيش ضخم من القوات الشعبية يتكوّن. وهذه الحركة لن تهزم».

وعلناً أصبح الحديث عن الدور والنفوذ الإيرانيين في المنطقة، في ظل استمرار الضغط على المفاوضات الغربية الإيرانية حول الملف النووي لطهران، والابتزاز الإسرائيلي المفضوح والمفتوح للأميركيين ولمجموعة 5+1، لمنع الوصول إلى اتفاق لا يحظى بموافقة اللوبي الصهيوني في أميركا والقوى الإسرائيلية الحاكمة والمرشحة للاستمرار في الحكم بعد انتخابات مارس المقبل.

في هذا الوقت صدر موقف من واشنطن يقول: «إن المسؤولين الأميركيين يجرون اتصالات مع مسؤولين يمنيين وأطراف أخرى لبحث سبل مواجهة تمدّد الإرهاب في شبه الجزيرة العربية». ويعني ذلك، وبوضوح، أن الأولوية ليست لمواجهة الحوثيين بل لمواجهة تنظيم «القاعدة».

وهكذا فقد احترم الحوثيون الملكية الخاصة وأعادوا السيارات، باعتبارها أمانة، إلى أصحابها وسلموها في مطار صنعاء الدولي! هذا فيما خرج الرئيس روحاني ليقول: «بسط السلام والاستقرار واستئصال الإرهاب في الشرق الأوسط، يمرّان عبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية. رأيتم أن الدولة التي ساعدت شعوب العراق وسوريا واليمن لمواجهة المجموعات الإرهابية هي جمهورية إيران الإسلامية. ليس للعالم طريق آخر غير الاتفاق مع إيران»!

ذاهبون إلى تصعيد كبير سيدمّر المنطقة التي لا يعرف أهلها طريقهم، فيما إيران حدّدت طريقها وفريقها وطريقتها للعبور!