توسُّع تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا

قام السفير الليبي السابق في الإمارات العربية المتحدة والمنسق الرئيسي السابق لـ “مجموعة الاستقرار الليبية”، عارف علي النايض، بزيارة واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر، لمناقشة تواجد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في بلاده. وفي رأيه أن التنظيم يتوسع بسرعة وقد يهدد أوروبا، على الرغم من أن تقييم الحكومة الأمريكية حول ذلك هو أقل تأكيداً، إذ يعتقد بعض مسؤولي الاستخبارات الأمريكيين أن نايض قد يكون مبالغاً في تقديره للموضوع، غير أن السفيرة الأمريكية في ليبيا ديبورا جونز سألت في تغريدة نشرتها في ٤ شباط/فبراير ما إذا كانت “ليبيا المنقسمة” تستطيع أن تصمد أمام «داعش».

وفي الواقع، كثّف التنظيم حضوره المادي والإعلامي بشكل ملحوظ في ليبيا منذ أن أعلن “مجلس شورى شباب الإسلام” في مدينة درنة مبايعته للجماعة في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وبعد ذلك، اعترف زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي بانضمام “أقاليم” برقة وطرابلس وفزان الليبية إلى “الخلافة” التي ينسبها إلى نفسه. وفي الوقت عينه، عمد داعمو التنظيم الناشطون على شبكة الإنترنت إلى تجنيد أعضاء جدد بصورة مكثفة بينما أخذوا يروّجون لصالح توسع «داعش» في ليبيا واتّباع استراتيجية جديدة في شمال أفريقيا.

جداول أعمال متعارضة

ينتمي النايض إلى “مجلس النواب” في مدينة طبرق، وهي هيئة صَنفت الإسلاميين في ليبيا بوجه عام كـ “إرهابيين” ولديها مصلحة في تضخيم الخطر الذين يشكلونه – على غرار “عملية الكرامة” بقيادة اللواء خليفة حفتر، وهي حملة عاملت المتطرفين والإسلاميين السياسيين على حد سواء كإرهابيين. وفي المقابل، يعمد خصوم “مجلس النواب” في طرابلس – وهم “المؤتمر الوطني العام” الإسلامي الذي يقع تحت سيطرة الثوريين المتشددين والميليشيا المعروفة بـ”عملية فجر ليبيا” – إلى التقليل من أهمية هذا الخطر. على سبيل المثال، أنكر رئيس الوزراء في طرابلس عمر الحاسي وميليشيا “غرفة عمليات ثوار ليبيا” أي علاقة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» بالهجوم الذي وقع في ٢٧ كانون الثاني/يناير على فندق كورنثيا في طرابلس.

وكلما أصبحت القوى الخارجية مقتنعة بأن وجود «داعش» في ليبيا يشكل تهديداً، كلما زاد احتمال تدخلها بالنيابة عن الجهات التي تنشط في محاربة المتطرفين. وحتى الآن، انخرطت قوى “عملية الكرامة” في حرب مدن ضد العناصر الأكثر تطرفاً المرتبطة بصورة غير مباشرة بـ “عملية فجر ليبيا”، مثل “أنصار الشريعة في ليبيا”.

أنشطة «داعش» في ليبيا

ترك تنظيم «الدولة الإسلامية»، على أقل تقدير، بصماته في مدن بنغازي وسرت وطرابلس وأجزاء من جنوب ليبيا. وكان بث التنظيم من مكتبه الإعلامي في “إقليم فزان” محدوداً للغاية، على الرغم من أنه تبنى الهجوم الذي وقع في ٣ كانون الثاني/يناير على نقطة تفتيش للجيش الليبي خارج مدينة سوكنة مما أدى إلى مقتل أكثر من عشرة جنود. وتنشط مكاتب «داعش» الإعلامية بصورة أكثر بكثير في برقة وطرابلس في بثها للأنشطة “اللينة” مثل “الحسبة” و “الدعوة”، بالإضافة إلى محتوى “صلب” متعلق بالأمن والعنف.

وفي برقة، تتخطى أنشطة تنظيم «الدولة الإسلامية» ما كُتب عن درنة إلى حد كبير. فقد روج التنظيم لأنشطة “الحسبة” مثل حرق علب السجائر وتلف النراجيل وهدم التماثيل والأضرحة/المقامات “المتعددة الآلهة” وإقناع المسلمين في أسواق الهواء الطلق بالإقلاع عن أنشطتهم التجارية والانضمام إلى عناصر التنظيم في الجامع [الجوامع] (وتُتخذ تدابير أكثر قسرية في سوريا والعراق). وتخللت أنشطة “الدعوة” توزيع “التوجيه الطبي” في برقة وتقديم المساعدة العامة للمحتاجين والحلوى والهدايا للأطفال في بنغازي. أما أنشطة «داعش» “الصلبة” في برقة فقد شملت إعدام صحفيَيْن تونسيَيْن وقتال الشوارع في بنغازي والنزاعات المسلحة وإطلاق الصواريخ وأنشطة العصابات في عين مارة.

وبالإضافة إلى استهداف اللواء حفتر وقواته، تركز الدعاية المضادة التي يقوم بها تنظيم «الدولة الإسلامية» على “الصحوات”، وهي مجموعة قوات غير نظامية تحارب إلى جانب “عملية الكرامة” وملقبة بهذا الإسم تيمناً بـ “الصحوة” القبلية السنية التي أُقيمت لمحاربة تنظيم «القاعدة» في محافظة الأنبار في العراق، التي تعود إليها جذور نشأة تنظيم «داعش». وقد تشكلت “الصحوات الليبية” على الأرجح كقوة لمكافحة التمرد موازية لـ “عملية الكرامة” بعد أن أبعد “تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا” وحلفاؤه اللواء حفتر من بنغازي في تموز/يوليو ٢٠١٤؛ وقد أصبحت “الصحوات” معروفة جيداً خلال الهجوم المضاد الذي وقع في تشرين الأول/أكتوبر. ومنذ ذلك الحين، حاول تنظيم «الدولة الإسلامية» – من خلال الصور التي نشرها – إلقاء اللوم على حفتر و “الصحوات” بالتسبب بتدمير بنغازي، تلك “الصحوات” التي يصفها الكاتب الجهادي أبو معاذ البرقاوي بـ “صحوات الكفر”.

وفي طرابلس، استفاد تنظيم «داعش» من الهدوء النسبي للقيام بأنشطة “الدعوة” في جو مريح بصورة أكثر كـ “اللقاءات والتعارف” وتوزيع الأموال النقدية والألبسة. إلا أن الخطر المباشر الذي يهدد الهدوء السائد في طرابلس يتمثل بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» بحد ذاته، إذ أن الجماعة تبنّت سلسلة من الهجمات استهدفت رموزاً أجنبية، بما فيها مبنىً أمنياً دبلوماسياً والسفارة الجزائرية وفندق كورنثيا. وتتوافق التقارير عن المعارك المسلحة ضد الميليشيات الإسلامية الداعمة لـ “المؤتمر الوطني العام” مع دعاية «داعش» التي تسعى إلى تحجيم الإسلاميين السياسيين. وقد روج مؤيدو تنظيم «الدولة الإسلامية» مثل المدون غريب الإخوان للشعار المضاد لـ “عملية فجر ليبيا” بإطلاقه الشعار “فجر الحق لا فجر ليبيا”.

التنافس على دور حامي حمى الجهاد في ليبيا

يبرز حالياً إجماع على أن تنظيم «داعش» يستقطب أعضاء من “أنصار الشريعة في ليبيا”، (راجع المقالة باللغة الانكليزية “نموذج الدولة الإسلامية،” واشنطن بوست). ويُعزى هذا الإستقطاب على الأرجح إلى الانتصارات التي يحققها التنظيم في بلدان شرق البحر الأبيض المتوسط وتوسعه السريع في ليبيا، في حين شكل الهجوم المضاد البطيء والساحق الذي نفذته “عملية الكرامة” ضغطاً على “أنصار الشريعة في ليبيا”.

وتعكس هذه المنافسة على ما يبدو الديناميات الجهادية في سوريا والعراق، حيث فقدت «جبهة النصرة» التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة» أراضٍ ومحاربين لصالح تنظيم «الدولة الإسلامية» الأكثر تطرفاً. وفي حين أن موقف “أنصار الشريعة في ليبيا” من تنظيمي «داعش» و «القاعدة» غير واضح بالكامل، إلا أن عدداً متزايداً من الناشطين على شبكة الإنترنت المناصرين لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا يتحدثون عن المنظمتين على أنهما كيان واحد، مشيدين بمقاتليهم ولكنهم يقولون بأنّ الوقت قد حان لانضمامهم إلى الخلافة. وقد نشر غريب الإخوان، على سبيل المثال، مقالاً بعنوان “إلى جنود «القاعدة» في ليبيا” ونشر رسماً بعنوان “ليبيا… ضياع الفرصة أو بيعة الخليفة إبراهيم”. وكذلك، كتب البرقاوي في نهاية كانون الثاني/يناير مقالاً بعنوان “لا تنظيم (في اشارة إلى تنظيم «القاعدة» على الأرجح) في ظل الدولة (الإسلامية)”، حيث طرح السؤال التالي: “فما بالكم يا جنود أنصار الشريعة تتأخرون عن هذا الواجب الحتمي عليكم ببيعة الخليفة ابراهيم؟” كما زعم مباشرةً أن “أنصار الشريعة في ليبيا” هي “فرع من تنظيم «القاعدة» في ليبيا” – وفي الواقع، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن هذه الجماعة ذات صلة بـ تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وأن الأمم المتحدة قد أدرجتها على قائمة العقوبات المفروضة على تنظيم «القاعدة».
وفي موازاة ذلك، أشاد مناصر آخر لـ «داعش» بـ “أنصار الشريعة في ليبيا” بينما دعاها إلى الانضمام إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، زاعماً أن هذه هي رغبة جنود المشاة التابعين لـ تنظيم “أنصار الشريعة في ليبيا”. كما شهّر بتحالفات “أنصار الشريعة في ليبيا” وبزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري. وقد استشهد معلق آخر بمثال “مجلس شورى شباب الإسلام”، مشدداً بقوله “ليحذوا حذوا إخوانهم في درنة في خطوة لا تقل أهمية عن فتح الموصل وما تلاها”.

نحو استراتيجية كبرى لـ «داعش»

قدم الناشطون المناصرون لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» أيضاً مبررات للتوسع على المستوى الاستراتيجي. فقد أشار أبو ارحيم الليبي إلى ليبيا على أنها “البوابة الاستراتيجية لـ «الدولة الإسلامية»” وقال إن “البعض قد لا يدركون حجم ليبيا، ومدى انتشار الأسلحة المتنوعة… فليبيا تطل على البحر والصحراء والجبال، [بالإضافة إلى] مصر والسودان وتشاد والنيجر والجزائر وتونس”.

وقد دافع البرقاوي عن هذا المبرر في منشور بعنوان “انضموا إلى حظيرة الخلافة”، معلناً أن تنظيم «داعش» يسعى إلى إزالة الحدود التونسية والليبية والمصرية. وقد استشهد بإنشاء القرى المدموجة في “إقليم الفرات” في سوريا والعراق كسابقة. وبالمثل،حث غريب الإخوان القادة الجهاديين في ليبيا “على الاقتداء بإخوانهم في درنة” من أجل “إنشاء جبهة غربية ستلتقي مع إخوانهم في «أنصار بيت المقدس»”، وهي جماعة تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في شبه جزيرة سيناء. وأضاف “وربما قدر الله لهم أن يكونوا بوابة تحرير فلسطين الغربية”.

واعتبر آخرون أن توسع «داعش» في ليبيا من شأنه أن يقلص الضغط على التنظيم في بلدان شرق البحر الأبيض المتوسط. كما أن استيلاء الجهاديين السنة على ليبيا قد يعوض من خسارة اليمن لصالح الحوثيين، وهم شيعة زيدية ذات صلة بإيران.

التحديات

تتمثل إحدى أبرز العقبات في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا في إيجاد الموارد والإرادة الضرورية لتنظيم استراتيجية واختيار شركاء. وينطبق ذلك بشكل خاص في ضوء الأولوية التي توليها واشنطن والآخرون لمحاربة التنظيم في العراق وسوريا. وفي المستقبل، لا بد من أن يرتكز أي قرار متعلق بالسياسات الواجب اتخاذها في ليبيا على فهم دقيق للمشهد المتطرف المتغير. وصحيح أنه لدى اللواء حفتر و “مجلس النواب” حوافز لتضخيم الخطر، إلا أن دوافعهم لا تنفي الاتجاه العام المقلق المذكور أعلاه. وإذا صبت الأطراف المعنية جم تركيزها على مناقشة مدى انتشار «داعش» الفعلي في ليبيا، فهي ستهمل الزيادة الثابتة في أنشطة التنظيم اللينة والصلبة، بما فيها الجهود المقلقة الرامية إلى تجنيد محاربين مخضرمين من “أنصار الشريعة في ليبيا”. وحتى لو كان حضور تنظيم «الدولة الإسلامية» العسكري على الأرض محدوداً في الوقت الراهن، يضع مؤيدو التنظيم أسساً لاستراتيجية طويلة الأمد في ليبيا وبقية شمال أفريقيا.

————————————

(*) اندرو إنجل / معهد واشنطن