عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

رَبِحَ وزير الصحة اللبناني وائل أبو فاعور معركة سلامة الغذاء التي أطلقها قبل شهرين، رغم حملات المواجهة الكبيرة التي إعترضت إجراءاته، وإنطلق من النجاح في هذه المعركة إلى حرب ضروس من أجل تخفيض كلفة فاتورة الدواء في لبنان، وكانت المفاجأة الاتفاق الذي حصل بينه وبين مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي على إعتماد الوصفة الطبية الموحدة، هذه الوصفة ستوفر حسب أبو فاعور ما يزيد عن 40% من كلفة فاتورة الدواء التي تتجاوز قيمتها 1200 مليون دولار أميركي، وهي مرتفعة جداً قياساً إلى عدد السكان، ونوعية الأمراض التي يعانون منها.

رغم إتساع حجم المشكلات الصحية في البلاد، يبقى المرض الأهم الذي يُكبِل الحياة السياسية اللبنانية، هو الفراغ في سدَّة رئاسة الجمهورية للشهر السابع على التوالي، وقد نتج عن هذا الفراغ تداعيات واسعة تؤسس لمخاوف مُتعددة في المُستقبل، لعلَّ أهمها السياق الغريب لسير العمل الحكومي، والذي يعتمِد الإجماع في إتخاذ القرارات، وهذه الفرضية التوافقية لا يُمكن أن تكون مقبولة في دولٍ تنعمُ بالاستقرار والتجانُس، فكيف إذا كان الأمرُ يُطبَّق في لبنان على ما فيه من إضطرابٍ وتعدُّدية واسعة ومُتشعِّبة.

ومن المخاوف التي تُثيرها إستمرارية الفراغ الرئاسي، تهميش دور الموقع الأهم في الدولة يوماً بعد يوم، مما ينعكس سلباً على العقد الوطني بين اللبنانيين، وفقاً لما يرى رئيس الحكومة تمام سلام، الذي ذاق ذرعاً من ترؤس السلطة التنفيذية في ظُل عدم وجود رئيس للدولة يلعب دور الحكم الناظم لسير الامور، ويطمئنُّ لوجوده المسيحيين.

والفراغ الرئاسي أدى إلى إعتماد أعراف تتناقض مع الدستور، وفقاً لما يرى الرئيس السابق لمجلس النواب اللبناني حسين الحسيني.

فاتورة معالجة مرض الفراغ الرئاسي ترتفع مع الوقت، ويكاد العلاج يتطلَّب أدوية جديدة، يحتاجُ تصنيعها إلى الأسواق السياسية المحلية والخارجية.

المُعطيات المتوافرة من أكثر من مصدر، تُشير إلى تباعُد في وجهات النظر بين الافرقاء المعنيين حول كيفية مُعالجة المُعظلة، وبالتالي فلا إتفاق على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وهذه المُعطيات تؤكد أن التسريبات التي نُقلت عن نتائج إيجابية لحوار التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية صحيحة، والطرفان يرغبان بإحداث ثغرة في جدار الأزمة، خصوصاً فيما يتعلق بالملف الرئاسي، والملفات الأُخرى التي تتناول دور المسيحيين في الدولة، وعلى مستوى الرؤى التي ترسم مسار مُستقبل الكيان اللبناني المُهدد بالسقوط من جراء موجات التطرُّف والمُغالاة التي تتحكَّم بالمنطقة العربية المُحيطة.

ولكن مُعطيات هذه المصادر المُتابعة تؤكِّد أنه لم يحصل إتفاق واضح بين الطرفين حول الموضوع الرئاسي، والأمر مُقتصر عن استنتاجات لكلا الطرفين عكستها الاجواء الإيجابية لحوارهما. فالعماد عون يفترض أن قبول القوات اللبنانية بتوقيع تفاهم مع التيار الوطني الحر، يعني ضمناً موافقة على القبول بترشيحه لمنصب رئاسة الجمهورية، والدكتور سمير جعجع الذي عاد من فترة إستراحة في الخارج، يعتبر أن التفاهم بين الطرفين ضروري في هذه المرحلة للحفاظ على الدور المسيحي القوي، ولكنه لم يُشر لا من قريب ولا من بعيد إلى ملف انتخابات الرئاسة، إلا من زاوية الحرص على إيصال “رئيس مسيحي قوي” وهذه العبارة ليست بالضرورة مؤشر على الموافقة على ترشيح العماد عون، بينما يعتبرها الاخير: انها دلالة على شخصه بالذات.

لم يتمّ الإتفاق على وصفة موحدة لمعالجة مرض الفراغ الرئاسي، كما حصل مع الوصفة الطبية. فالتفاؤل الذي أشاعته إجتماعات المبعوث الفرنسي فرنسوا جيرو مع الاقطاب والمرجعيات، بددتها التصريحات التي صدرت عن مصادر الصرح البطريركي، والتي نفت وجود إتفاق على تفويض مشترك للبطريرك الراعي بإختيار مجموعة من الاسماء يتم انتخاب احداها.

كما أن المعلومات التي تمَّ تسريبها حول تسليم الأطراف السياسية كافة، بأن ما يتم الاتفاق عليه بين الدكتور جعجع والعماد عون تقبل فيه بقية القوى، كان غير صحيح أيضاً، والدليل تعميم اجواء في الأوساط السياسية، تؤكد الاعتراض على هذه الفرضية.

فرئيس اللقاء الديمقراطي النيابي وليد جنبلاط كان يعبِر عن قناعة شريحة واسعة من القوى السياسية، عندما أشار إلى أن موضوع إختيار الرئيس هو مهمة وطنية شاملة، وليست خاصية مسيحية فقط.

ومن هذه القوى الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، وحزب الكتائب والرئيس نبيه بري، وكتلة المُستقبل على ما أشار العضو فيها النائب محمد قباني. وهذه المُقاربة لا تعني استهداف حوار عون – جعجع بالمطلق، خصوصاً أن جنبلاط تحديداً، يؤيد هذا الحوار، كما الحوارات الأُخرى القائمة، وهو وضَّح كلامة قائلاً إن تصريحه لا يعني بأي شكل من الاشكال محاصرة اتفاق القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، بل الهدف تقوية مكانة ودور الرئيس العتيد، الذي هو رئيس لكل لبنان، وليس لفئة من أبنائه.

مرض الفراغ الرئاسي يتفاقم، وفاتورة علاجه ترتفع يوماً بعد يوم، ويبدو وفق كل المُعطيات أن الخارج ترك لأطباء الداخل مُعالجة المرض، والقوى الخارجية تُراقب اجراء العملية فقط، ذلك الانطباع خرج به المشاركين في حفل إستقبال العيد الوطني الإيراني في البيال، ومنهم السفير السعودي الذي كان محل ترحيبٍ واسع.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية