أميركا بين إسرائيل وإيران

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

يعرف أركان الإدارة الأميركية أن ما يقوم به نتيناهو يزعجهم ويقلقهم ويحرجهم ويلحق الأذى المعنوي والسياسي بهم. فقد بات يستقوي بالكونجرس ويعمل بالتنسيق مع رموزه لاستمالة عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي، وذلك لمنع الرئيس من استخدام حق الفيتو في حال فرض الكونجرس عقوبات جديدة على إيران! كثيرون لا يعرفون أن الفيتو ليس حقاً مطلقاً للرئيس. فإذا اعترض ثلثا المجلس يسقط قرار الرئيس. وهذا ما يراهن عليه نتنياهو وحلفاؤه في واشنطن، ويهددون به أوباما الذي يريد الوصول إلى اتفاق مع إيران، وقد قرّر عدم استقبال نتنياهو هو ووزير خارجيته جون كيري، وذلك في سابقة غير معهودة في تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية.

لإسرائيل حساباتها، ولإيران حساباتها.. فما هي حسابات إدارة أوباما المأزومة؟ وما هي تبريراتها؟ وماذا بإمكانها فعله؟

يقول مسؤولو الإدارة: نحن مستمرون في سياستنا مع إيران. نريد الاتفاق، لكن ليس أي اتفاق. وهذا ما فعلناه حتى الآن وما أظهرناه لإسرائيل ولأصدقائنا العرب القلقين، لكننا لا نتحمل مسؤولية غياب العرب وعدم مبادرتهم، ونتائج انقساماتهم وخلافاتهم، وعدم إقدامهم، وعدم قدرتهم على اتخاذ موقف موحد من قضايا أساسية والاتكال علينا فقط. كذلك لا نستطيع أن نقبل جموح وطموح إسرائيل المفتوحين وإملاء الشروط علينا، علماً بأننا أخذنا مصالح إسرائيل العليا وأمنها في الاعتبار، بل هي في الأولوية لدينا في مقاربة سياسات المنطقة.
كنا واضحين ولا نزال مع الإيرانيين. لا رفع فورياًَ للعقوبات إذا اتفقنا. ولا إفراج سريعاً ودفعةً واحدةً عن الأموال المحجوزة. ثمة أزمة ثقة كبيرة معكم. قادرون على استفزازكم ولا نريد ذلك. هذا ما أبلغناه لحيدر العبادي مؤخراً وأنتم تلمسونه. المطلوب منكم إظهار حسن النية والجدية ونحن في مرحلة اختبار. قلنا علناً للعرب والمسلمين: نعم اخترنا هذا الطريق مع إيران، فهي دولة قوية، تنطق باسم الغالبية من الشيعة الذين يلتزمون بكلمتها وتمون على قوى أخرى. وعندما نتفق معها تلبي وتلتزم. وهذا ليس حال العرب، وتحديداً السنة، المختلفين، فلا كلمة واحدة لديهم أو مرجعية موحدة. العلاقة مع إيران أسهل. وهم يعلمون أننا ننسق في العراق. قلنا لهم: لن نضرب قواعد النظام في سوريا ولم نضربها. وقلنا لهم نستهدف «داعش» وممنوع سقوط بغداد أو إربيل، وهذا ما فعلناه. في اليمن دخلنا في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين المدعومين من قبلهم. ولا نقبل القول بأنكم سلاطين المتوسط والخليج والمحيط الهندي والبحر الأحمر، كما لا نقبل سيطرتكم على طرق إمداد النفط من باب المندب والسويس حتى مضيق هرمز! هذا أمر استراتيجي. وفي الوقت ذاته اقتصادكم يعاني. وهو اليوم يعاني أكثر بسبب انخفاض أسعار النفط! ولدينا خيارات كثيرة. أليس ذلك كافياً؟ يسأل المسؤولون الأميركيون أنفسهم؟ إذا غاب العرب، وكانت تركيا السنية مكابرة اليوم وفي الوقت ذاته لا تنطق باسمهم كلهم، فماذا نفعل؟

في الموضوع الفلسطيني أدنّا استمرار الاستيطان أكثر من مرة. ونبهنا نتنياهو إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى عزلة إسرائيل في العالم. وحاولنا على مدى أشهر الوصول إلى اتفاق بينهم وبين الفلسطينيين. في صفوف الفلسطينيين من لا يريد الاتفاق، وفي الأوساط الإسرائيلية أيضاً قوى تقوم بدور مشابه، لكن لا خيار لنا. نريد الوصول إلى اتفاق. لكننا لا يمكن أن نحل محل الآخرين. مع التأكيد أن ثابتاً في سياستنا هو عدم تهديد الأمن الإسرائيلي. والإسرائيليون من حقهم أن يثيروا مخاوف من محاولات استهدافهم من جانب المنظمات الإرهابية التي تهددهم في الداخل وفي محيط دولتهم. وهم يريدون ضمان أمنهم واستقرارهم. لا نريد للصراع أن يأخذ بعداً دينياً، لكنه للأسف، يتجه في هذا المنحى، وهذا أمر يقلقنا. ولا نرى بديلا عن التفاوض.

جماعة الكونجرس والمعارضين للاتفاق مع إيران يقولون: يطلب منا الرئيس ألا نفعل شيئاً وأن نغمض عيوننا. ألا نطلق النار. حتى توقيع الاتفاق مع إيران! هذا لن يحصل.

أما العرب والفلسطينيون فلا ضمانة لديهم من أي طرف، وهم مشتتون. والإسرائيليون مستمرون في سياساتهم.

الشرق إذن مقبل على تطورات دراماتيكية صعبة في ظل تردد الأميركيين وعجزهم حيال الفوضى السائدة في العالم.