إيران ..مخاوف على النفوذ

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

كأن إيران تقول: إذا كان ثمة مشكلة بين الإدارة الأميركية ونتنياهو فهل ندفع نحن الثمن أو الشعب الفلسطيني أو سوريا أو لبنان. أو تجرّ المنطقة إلى حرب مفتوحة بسبب الجنون الإسرائيلي، وفي نهاية المطاف تقول أميركا إنها تؤيد حق إسرائيل في الردّ على استهدافها؟ نحن واثقون أن إدارة أوباما تريد حلاً معنا. وهي جادة في توجهاتها، لكنها مترددة في قراراتها. فهل نتحمّل نحن المسؤولية؟ دخلنا المفاوضات صادقين ولا نزال نعبـّر عن مواقفنا بصدق. وإذا كان ثمة متطرفون في أميركا، في الإدارة أو في الكونجرس أو في أي مكان، وإذا كانت الإدارة تتعرض لضغوط فنحن أيضاً لدينا متشددون ونتعرض لضغوط ومع ذلك نستمر في سياساتنا وعلى قاعدة ثوابتنا المعلنة. ويخطئ من يعتقد أننا سنتخلى عن مصالحنا وسنخضع لابتزاز هذا أو ذاك إذا كان الطرف – أو الأطراف – الذي أو التي – نفاوض لا تملك قرارها. أو تستمر في تردّدها، ومن حقنا أن نقيم كل الحسابات لكل الاحتمالات لندافع عن أنفسنا. نحن التزمنا التعاون بأشكال مختلفة في مواجهة الإرهاب، نحن كنا سبّاقين في منع «داعش» من التمدّد في العراق أميركا كانت سباقة في خلق كل الأسباب لنمو هذه الظواهر. ومن الأساس نحن ضد الإرهاب. نحن حمينا بغداد وأربيل، وقدمنا تضحيات وخدمات للجميع في وقت أميركا رفضت علناً مشاركتنا في التحالف ووضعت شروطاً لذلك. ليس سراً أننا أقوياء في العراق (ومعروف أن القرار الأول هو لإيران)، وأنه لدينا علاقات مع الحكومة ومع قوى نافذة على الأرض. عاد الأميركيون بصفة مستشارين إلى العراق للمساعدة في مواجهة الإرهاب وإعادة بناء القوات المسلحة. وعددهم يقدّر بالآلاف، نحن لا نضمن أمن أحد هناك إذا كانت سياساتهم ستتعارض مع ضمان أمن الناس ومصالحهم أو تغطي الاعتداء عليهم. (يعني الأميركيون في العراق مجدداً رهائن، ولاتحتمل أي إدارة استهدافهم أو خطفهم أو النيل منهم). ماذا في المنطق الإيراني أو الحسابات الإيرانية بعد عملية إسرائيل في القنيطرة واستهدافها جنرالاً إيرانياً كبيراً وعدداً من قيادات «حزب الله» الأمنية، وردّ الحزب عليها في عملية نوعية في مزارع شبعا وخارج الخط الأزرق؟

إيران وسّعت دائرة نفوذها، عززت أوراقها للتفاوض. واعتمدت سياسة النفس الطويل راغبة في الوصول إلى اتفاق مع أميركا والغرب وتقديم تنازلات، لكنها لن تبددّ أوراقها في لعبة ابتزاز مفتوحة في حساباتها ومنطقها، المتمثل في: أننا نفاوض أميركا والغرب ولا نفاوض إسرائيل، نحن جادون في التفاوض صادقون واضحون. حريصون على إنجاح المفاوضات، صحيح أننا نفاوض بعناد، هذا حقنا، لكن إذا كانت إسرائيل تريد تخريب المفاوضات، فهي حليفة أميركا الاستراتيجية. والإدارات الأميركية المتعاقبة التزمت الدفاع عن إسرائيل في المفاصل الأساسية بحق وبغير حق. فلا يمكن أن تفاوضنا أميركا، وتبرّر اعتداء حليفتها علينا! ولا يمكن أن تفاوضنا أميركا بفريق وتترك فريقاً آخر يعتدي علينا، وتنتقد حقنا في الدفاع عن أنفسنا أو تحمّلنا مسؤولية أي ردّ فعل على استهدافنا؟

هي تقول: أبلغتنا أميركا أنها لن تستهدف قوات النظام في سوريا عند تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، «داعش» ومثيلاته، فهل يترجم ذلك بأنها تهاجم هي هذه المنظمات وتطلق يد إسرائيل في ضرب المواقع السورية واستهداف مسؤولين إيرانيين أيضاً على الأرض السورية؟ وما علينا إلا السكوت؟ ليس سراً أننا موجودون، ولدينا نفوذ كبير في اليمن وفي لبنان وسوريا وفلسطين والبحرين وعدد آخر من الدول. فهل مطلوب أن نخلي مواقعنا، وأن نتراجع عن مواقفنا من أجل الإسرائيليين، أو تقديراً لتردّد أو ضعف الإدارة الأميركية؟ وهذا أمر لن يحصل. في وقت يمارسون علينا أقسى الضغوطات الاقتصادية والمالية ولا يقرّون بحقنا في رفع العقوبات عنا وإعادة أموالنا إلينا؟

بين الموقفين الإسرائيلي والإيراني المأزوم هو الأميركي. العربي غائب، التركي يحاول الحصول على مكتسبات هنا وهناك وتحقيق هدف المنطقة العازلة. والمنطقة ستشهد تبادل ضربات نوعية وعمليات أمنية وتصعيداً في ساحات كثيرة للوصول إلى اتفاق مضبوط، مدروس، أو ستكون في حرب طويلة مفتوحة.