كمال جنبلاط البيئي: سابق لعصره

محمود الاحمدية

“يومَ تُبصر في أصغر أقحوانة وسامًا، وفي أحقر حشرة معلِّمًا، يوم ذاك تتسابق الدّراري لتجلسَ أوسمةً على صدرك، وتشتهي الأرض لو تكون منبرًا لك”. (ميخائيل نعيمة)

وكأنّ ميخائيل نعيمة وقبل نصف قرن، وبهذه الحكمة البيئيّة الرائعة كان يتوجّه مباشرةً إلى كمال جنبلاط… المعلّم الذي سبق عصره عندما نبّه وبطريقة علميّة استقرائيّة واضحة من خطر تعدّي الإنسان على الطبيعة وعلى التّوازن البيئي…

في كتاب أدب الحياة يلاحظ “بأنّ الإنسان خرج عن المألوف والمعقول والطّبيعي في عدد كبير من الأشياء، وأخذ يستصنع بيئته دون أن ينظرَ بدقّة إلى حقيقة تكوّن هذه البيئة، وكيف أنّها أوجدت لذاتها أنظمةً خاصّةً لتحويل جميع الإفرازات والنفايات إلى عناصرَ جديدة تدخل في صنع وتغذية النبات والحيوان، اللذين يمتصّانها في حركة دائبة وحلقة متّصلة لا تتوقّف في فعلها”. ويُنبِّه بصوت عالٍ من تمادي الإنسان في عدم احترامه هذا الكون عندما يستشهد قائلاً: “وقد ارتفعت صرخات العلماء في كلّ قطر للتّدليل على محاولة الإنسان المعاصر، في طموحه المجنون، أن ينتحرَ وأن يجعلَ الطبيعةَ الحيّة تنتحر معه على وجه الأرض”، ناقلاً عن الدكتور شوايترز قوله المأثور “إنّ الإنسان قد فقد موهبة التحسّب ومجانبة الضرر، فإنّه سينتهي شأنه بتهديم هذه الأرض”.

وفي الآونة الأخيرة، كثُرت وفي مختلف وسائل الإعلام على الصعيدين المحلّي والعالمي التحليلات والشروحات العلمية عن مسألة الاحتباس الحراري وتكثّفت المناقشات العميقة بمدى الغازات المشكّلة للاحتباس الحراري إذا ما زاد معدّل إنتاجها من قبل الإنسان وتدخّله السافر في مسألة لها علاقة مباشرة بالحياة على الأرض وبمفاعيل ارتفاع الحرارة على المحيطات والمُناخ وتأثيراتها على كلّ القوى الحيّة والتوازن على سطح هذا الكوكب وهل هناك خطر للعودة إلى عصور جليدية جديدة أو الوصول بالحياة عبر عدّة عقود أن تصبح مستحيلة في كوكبنا الأرض… من خلال هذا الواقع الحالي نرى تقاطعًا غريبًا وإعجازيًّا مع تنبّؤ كمال جنبلاط منذ نصف قرن عندما يقول في الصفحة 150 من كتاب “أدب الحياة” إنّ الجنسَ البشريَّ قد يكون في حالة اضطراب وخطر أكثر ممّا نستطيع أن نتصوّرَ ذلك، ويمكن أن لا يُدرك الإنسان هذا الخطر إلاّ بعد أن يكونَ قد تجاوز به نقطة اللارجوع، أي حيث لا يعود يُفيد أي تدبير. ويقارب الحقيقة الحاليّة عندما يقول على لسان العالم الدكتور كول: “نحن في الحقيقة نلعب بأنفسنا وبالبشريّة لعبة الروليت الروسية فإنّنا نستمرّ بوضع كيماويات جديدة في البيئة المحيطة، دون أن نختبرَ النتيجة التي يمكن أن تُسفر عنها، فإذا إحدى هذه المواد الكيميائية أحدثت تسمُّمًا شاملاً للجراثيم الصانعة النيتروجين، فإنّ الإنسانَ لا يعود يستطيع أن يتنشّقَ الهواء في شهيقه وزفيره” أي بكلمة تعود الأرض إلى الظروف التي كانت عليها قبل ولادة هذا اللون من الحيوان ذي الرئة والألبان الذي يتوّج سلالته الإنسان.

ومن باب التوضيح للقارئ الكريم نقول: إنّ الهواء يحتوي على بعض الغازات بنسب خفيفة ومنها ثاني أوكسيد الكربون وأوكسيد النيتروجين والكلورو فلوروكاربون والميتان وبخار الماء، ومن مزايا هذه الغازات أنّها تشكّل غطاءً يحمي حرارة الأرض الضرورية لحياة الإنسان فإذا ما تحوّلت نشاطات الإنسان إلى زيادتها بنسب كبيرة فأولى نتائجها زيارة الحرارة وتغيّر المُناخ والعالم كلّه يتخوّف من هذا الانقلاب غير الطبيعي ومؤتمر كيوتو الذي انعفقد لوضع حدّ لانبعاث الغازات لايزال متعثّرًا سبب عدم توقيع الولايات المتّحدة…

لن أُطيلَ لأنّ كمال جنبلاط قد تنبّأ واستقرأ وقارن ونبّه قبل عشرات السنوات… ووصلنا إلى ما كان ينبّه عنه…

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة