رد حزب الله على عملية القنيطرة معادلة جديدة خارج حدود (1701)؟

طوى حزب الله واسرائيل صفحة عملية القنيطرة وردودها على قاعدة جديدة مفتوحة على احتمالات شتى، تحتمل تفسيرات عدة تتيح لكلا الطرفين تبرير اكتفائهما بنتائج الرسائل الدموية ومعانيها والتي بدأت بعملية القنيطرة وانتهت بعملية مزارع شبعا، إلا أن خلاصة تلك الرسائل أفضت الى نتيجة واحدة أن المواجهة المفتوحة بين حزب الله وإيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، باتت محكومة بضوابط سياسية هشة تتيح للطرفين فرصة تجاوز تلك الضوابط وقلب المعادلة وفق احتياجات ومصالح الطرفين.

عملية القنيطرة التي سقط فيها العميد في الحرس الثوري الايراني محمد علي الله دادي وجهاد وعماد مغنية وعلي عيسى وغيرهما من مقاتلي حزب الله، ارادت من خلالها اسرائيل ابلاغ حزب الله ومن خلفه ايران، بانها لن تسمح ببناء قواعد عسكرية للحزب ولايران على حدودها الجنوبية الشرقية مع سوريا، وأنها إضافة الى منعها نقل الاسلحة الاستراتيجية الى حزب الله عبر سوريا والتي قامت اسرائيل مرات عدة بتدمير تلك الصواريخ وقواعدها في سوريا او خلال نقلها من سوريا الى لبنان، فإنها لن تقبل بعد انسحاب الجيش السوري عن الحدود السورية مع اسرائيل في اي لحظة تفرضها الاحداث المرتبطة بالحرب الاهلية السورية، بأن يحل مكانه حزب الله او أي قوة أخرى تهدد أمن إسرائيل خارج إطار اتفاق الهدنة الموقع عام 1973.

ويأتي هذا التطور بعد ان دعا أمين عام حزب الله السيد حسن نصرلله، أهالي الجولان المحتل لفتح جبهة الجولان معلنا استعداد الحزب نقل تجربته الجنوبية وتدريب مقاومين، لا بل جند حزب الله عددا من كوادره التحضير لفتح هذه الجبهة في اللحظة التي تحتاجها ايران، ومتطلبات الاحداث والمتغيرات المتسارعة التي تعيشها المنطقة، والتي قد تسقط اتفاقية الهدنة وتقلب التوازنات في المنطقة.

قرأ حزب الله الرسالة الاسرائيلية جيداً ورد عليها برسالة موجعة تزيد من قلق اسرائيل، بحيث انها ترسم حدود جديدة للمواجهة المفتوحة على أرض جديدة خارجة عن ضوابط القرار 1701. فحزب الله أكد لإسرائيل بأن الجبهة السورية لم تعد رهن اتفاقية الهدنة، وهي غير خاضعة للقرار 1701، وان مستقبل جبهة الجولان المتنازع عليها بين المعارضة السورية والنظام، محكومة بمعايير التوازنات الاقليمية الجديدة، وإن عملية القنيطرة جلبت ايران الى هذه الجبهة وليس حزب الله فقط كما قال الرئيس نبيه بري.

لقد اختار حزب الله مزارع شبعا المتنازع عليها بين لبنان وسوريا من جهة، وبين لبنان وإسرائيل من جهة أخرى بحيث انها لم تدخل ضمن قرار 1701 ولا ضمن الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، على اعتبار ان اسرائيل احتلت تلك المزارع عام 1976، وان النظام السوري لم يستجب لمطالب الدولة اللبنانية عام 2005 لترسيم تلك الحدود وفق مقررات طاولة الحوار، ما يعني ان الرد على عملية القنيطرة في مزارع شبعا، هو رد على خرق اسرائيلي لاتفاقية الهدنة، على ارض خاضعة لضوابط تلك الاتفاقية.

لم يخرق حزب الله في عمليته النوعية تلك قواعد فك الاشتباك التي نص عليها القرار 1701، ولم يحرك مقاتليه من المناطق الخاضعة لسيطرة اليونيفيل، لا بل فإن رد حزب الله على عملية القنيطرة من بوابة مزارع شبعا (المتنازع عليها بين لبنان وسوريا) جاء ليؤكد القلق الاسرائيلي من تحول الجولان والمناطق السورية المحاذية له جبهة مفتوحة، ومرتبطة مع جبهة الجنوب اللبناني في اي لحظة تتطلب المواجهة فيها مع اسرائيل فتح الجبهتين، ولعل بعض المعاني التي حملها البيان المقتضب الذي اعلن فيه حزب الله تبنيه العملية، يؤشر بوضوح الى تلك المسائل، لا سيما أسم المجموعة التي نفذت العملية والتي تحمل إسم شهداء القنيطرة، إضافة الى ترميز البيان برقم 1 ما يحمل دلالات واضحة بأن عمل هذه المجموعة لن ينتهي مع انقضاء امر تلك العملية.

أطلق رد حزب الله على عملية القنيطرة واكتفاء اسرائيل بالقصف المدفعي على بعض القرى الجنوبية، مروحة اتصالات دولية مكثفة لتفادي محاذير انفلات الأمور وآثارها التدميرية على جانبي الحدود، فاندفعت الدبلوماسية الفرنسية الى دعوة مجلس الامن الدولي، لا سيما وأن المدفعية الإسرائيلية قصفت عدداً من القرى الحدودية اللبنانية بعد العملية، ما أدى الى إصابة جندي إسباني في عداد قوات الأمم المتحدة المرابطة في الجنوب، توفي لاحقاً متأثراً بجروحه.

 اسرائيل كعادتها توعّدت على لسان رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو بالرد بقوة على العملية، مذكراً بما حل بقطاع غزة في حربه الأخيرة عليها قبل أشهر. وقال إن المسؤولين عن العملية سيدفعون الثمن.

وشملت ردود الفعل الإسرائيلية تهديد وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني بأن “على إيران وحزب الله أن يعِيا أن رد إسرائيل على استهداف الجيش أو المدنيين سيكون صارماً”.

وكانت وكالة “رويترز” نقلت  عن وزير الدفاع الإسرائيلي موشى يعلون قوله “إن إسرائيل تسلمت رسالة من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان مفادها أن حزب الله ليست لديه الرغبة في مزيد من التصعيد”. وأضاف: “تلقينا في الواقع رسالة… توجد خطوط تنسيق بيننا وبين لبنان عبر “اليونيفيل” وتم تسلم رسالة بهذا المعنى من لبنان فعلا.”

وقال يعلون في مقابلة إذاعية منفصلة “لا يمكنني القول أن الأحداث باتت وراء ظهرنا… وإلى أن تهدأ المنطقة تماما ستظل قوات الدفاع الإسرائيلية مستعدة وجاهزة.”

رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أجرى سلسلة اتصالات عقب العملية شملت رئيس البرلمان نبيه بري، وقالت مصادر مطلعة إنهما ناقشا دعوة حزب الله إلى الاكتفاء بما حصل وعدم توسيع نطاق المواجهة وجرّ البلد الى حرب جديدة. وأجرى بري بدوره اتصالات مع قيادة الحزب. وطالب سلام السفير الأميركي ديفيد هيل بأن تتدخل بلاده لدى إسرائيل لكبح جماح قيادتها عن توسيع رقعة المواجهة.

وعلم أن السفير هيل أبلغ سلام أن واشنطن طالبت تل أبيب بضبط النفس وعدم تصعيد الموقف. وبينما أوضحت مصادر مطلعة أن بعض الديبلوماسيين المعنيين بلجم أي اندفاع إسرائيلي أبلغوا الجانب اللبناني أنه يصعب تقدير مدى التزام نتانياهو بنصائح التهدئة، فإن حكومة الأخير أبلغت مجلس الأمن، أنها “ستمارس حقها في الدفاع عن النفس وتتخذ كل الإجراءات الممكنة لحماية سكانها”.

إلا أن الرئيس سلام عبّر في بيان عن قلقه من “النيات العدوانية للمسؤولين الإسرائيليين”، معتبراً أن التصعيد الإسرائيلي بعد العملية يفتح الباب أمام احتمالات خطيرة. وأكد تمسك لبنان بالقرار 1701 بكل مندرجاته، مطالباً الأسرة الدولية بكبح أي نزعة إسرائيلية للمقامرة بالأمن والاستقرار في المنطقة.

ودان مسؤول في الخارجية الأميركية ما وصفه بـ “اعتداء حزب الله على قوات إسرائيلية”، معتبراً أنه خرق للقرار 1701، وانتقد “تحريض حزب الله على العنف… ووجوده في سورية وانتهاك ما اتفقت عليه القيادات اللبنانية بالنأي بالنفس…”

طويت صفحة عملية القنيطرة وتجاوز لبنان قطوعا كبيرا، قد يتجدد في أي لحظة، لا سيما وأن المواجهة بين اسرائيل من جهة وحزب الله وإيران من جهة أخرى تسير على وقع التجاذبات الاسرائيلية الاميركية، والمفاوضات الايرانية الغربية على الملف النووي، ودخل عليها مجددا السباق الانتخابي بين المتشددين في اسرائيل.

———————————-

(*) اعداد:  فوزي ابو ذياب