جنيف والأزمة السورية

فيصل مرعي

منذ ان نشبت الثورة السورية، بوجه الطغمة الحاكمة، نتيجة سلوك النظام الأسدي العنيد، وبفعل ما لم تفعله أعتى الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية، انقلبت احوال السوريين رأساً على عقب، مما أدى الى انتشارهم وتشردهم في دنيا الشتات واصقاع الأرض، مضافاً الى ذلك عما حصدته وازهقته الآلة العسكرية من ارواح. فكان ان عُطّلت مرافق البلاد، ودمِّرت البنى التحتية كاملة، ما دفع بالسوريين الى النزوح تاركين اثراً بعد عين، اقتصاداً متردياً، واشباحاً وهياكل، وزمراً من مؤيدي النظام وفلوله الامنية لا غير.

وبعد ان نضبت الموراد الاولية، وانهارت كل مقوّمات سوريا الاقتصادية، وبعد انفاق النظام كل ميزانية الدولة على المجهود الحربي ضد شعبه، واصبح خالي الوفاض، لجأ الى دول هي في اساس دعم نظامه كروسيا وإيران.. وقد بلغت ميزانية الحرب الملايين من الدولارات، مما جعله يدور في فلك هذه الانظمة، وفي خدمة مصالحها القومية. بهذا، انهى هذا النظام مقومات سوريا وشعبها، متكئاً على دول ستنقلب عليه فيما بعد اي منقلب، منهكاً قدرات وامكانيات سوريا بكل مقوماتها ومكوناتها، بمن فيهم الذين كان يعتقد انهم في صلب حاشيته وبطانته، وفي قلب نظامه الامني، والذين تؤكد كل المعلومات ان معظمهم باتوا في عداد الراحلين، متجاهلاً فرار وانشقاق البقية منهم، مستعيضاً عنهم بالشبيحة الذين اطلق سراحهم من سجونه، اضافة الى الذين اتوْا من كل حدب وصوب، مدججين بالسلاح، غير عالمين بأن “اهل مكة ادرى بشعابها”.

ما كان يحلم به النظام وحاشيته اصبح ضرباً من الخيال، بحيث لم يعد باستطاعته تحقيق ما يرغب، لا سيما لجهة بقائه في سدّة الحكم، واستمراره في قيادة البلاد والعباد، واسترجاع ما يمكن استرجاعه، عودة لسوريا، كما كانت عليه بالامس تحت كنفه وجناحه. إلا ان الاحوال ساءت الى درجة راح الارهاب يتناسل من رحم نظامه، وبتغطية منه، وبشتى اساليب الدعم، ظناً منه بأنه، الاكثر قدرة على انقاذه من آتون حرب لم ولن يكون عند انتهائها جزءاً من الحل السياسي، ومن مستقبل سوريا، بما افسح في المجال امام غزو دولي، كان قد مهد له في بداية بدايات الثورة، ظناً منه انه بمقدوره اجتثاثها من جذورها، والتخلص من شعاراتها التي نادت بها رفعاً للظلم والاستبداد. وأغلب الظن، ان هذا النظام اصبح في حكم المنتهي، لا سيما بعد ما مُنِي مؤيدوه بنكسات متتالية، مما جعله في حالة من الافلاس على كل الاصعدة والمستويات، خاصة منها السياسية المتأتية من سلوك داعميه، وفي مقدمها ازمة الملف النووي.. اضافة الى ما تعانيه ايران من تخبط اقتصادي وتدهور اسعار النفط الى درجة لم يشهدها العالم منذ مطلع هذا القرن، مما سيتسبب في صراع اجتماعي داخلي، قد يضع ايران على حافة حروب داخلية متتالية، ما يؤدي في القريب العاجل الى التوقف عن تقديم الدعم لحلفائها، وعن حلف الممانعة الذي يدَّعونه. والعجيب الغريب ان الذين استقدموا من شتى اصقاع الارض، يقاتلون عن نظام يعرف له اسم ولا يعرف له وجود، مما جر اوطانهم الى جروح داخلية عميقة تكاد لا تندمل.

بكلمة، لو كان هذا النظام يعلم ان المستقبل لن يكون في صالحه لرحل دون ضجيج، ولا صخب، ولو ادرك منذ البداية ان ازهاق الارواح، وسفك الدماء لن يجدي نفعاً، لبقي له مكانه واحترام لدى السوريين. الا ان شيئاً من ذلك لم يحصل. لم يبق الا ان يسلم السلطة سريعاً بموجب مؤتمر “جنيف” قبل فوات الاوان، حيث لا بديل عن جنيف الذي يحاول البعض تجاهله، باعتبار انه يُنهي الازمة السورية الى غير رجعة، وبالتالي يُحقق اهداف الثورة.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…