أي أبعاد لقمة أوباما مع الملك سلمان بن عبد العزيز؟

تثبيت وتعزيز التحالف الإستراتيجي بين الولايات الأميركية والمملكة العربية السعودية هو العنوان الأساسي لخلاصة القمة الأميركية – السعودية بين الرئيس باراك أوباما والملك سلمان بن عبد العزيز، هذا ما قالته أوساط مواكبة لهذه القمة لـ “الأنباء”. الأوساط أشارت بأن اللقاء الذي أتى ضمن إطار تقديم واجب العزاء بوفاة الملك عبد الله ولقاء الملك جديد سلمان جاء ليثبت إستمرار التحالف الاستراتيجي بين البلدين والقائم على مصالح مشتركة ضخمة.

ولفتت بأن هذه القمة بحجمها ودلالاتها أتت لتؤكد أيضا على أن هناك حرص شديد من البلدين على تجاوز أزمة الثقة العابرة التي سادت العلاقات الأميركية – السعودية، وهي الأزمة التي حصلت بسبب إستياء المملكة العربية السعودية مما اعتبرته عدم التزام واشنطن إزاء قضايا المنطقة مؤخرا.

كما أن هذا اللقاء بين الرئيس الأميركي بعد ان تقاربت واشنطن نسبياً مع خصم السعودية التقليدي إيران، في وقت تزداد فيه احتمالات التوصل إلى إتفاق نووي مع طهران، وبسبب أيضا التضارب مع موقف واشنطن إزاء الاحتجاجات في العالم العربي، إلى انفلات الوضع العراقي وانهيار اليمن والتأزم في ليبيا وعدم التدخل في سوريا، وصولاً إلى إستراتيجية محاربة الإرهاب وعدم ممارسة ضغوط كافية على إسرائيل إيزاء الملف الفلسطيني الذي تعتبره المملكة السعودية بأن حله هو مفتاح تثبيت الأمن والإستقرار في كل المنطقة.

OBAMA-SALMAN2

أوباما يختتم زيارته إلى السعودية

إلى ذلك، إختتم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، زيارته الرسمية إلى العاصمة الرياض، قدم من خلالها التعزية في وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، وأجرى مباحثات مع خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، بحضور ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز، وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، قال عنها مسؤول أميركي لوكالة “رويترز”، إنه تم مناقشة استقرار سوق النفط، والملك أوضح استمرارية سياسة الطاقة السعودية.

وأضاف أن الملك سلمان أوضح أن السعودية ستواصل لعب دورها في إطار سوق الطاقة العالمية، وأنه ينبغي ألا يتوقع أحد تغييرا في موقف بلاده. وتناولت مباحثات الزعيمين بعض ملفات المنطقة الساخنة، كالملف النووي الإيراني، والتطورات في اليمن، إضافة إلى الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.

وفي بيان للديوان الملكي السعودي حول اللقاء، فإن الملك سلمان عبر عن شكره وتقديره للرئيس أوباما على تقديم التعازي، وعلى قيامه بهذه الزيارة الرسمية التي هي الأولى منذ توليه مقاليد الحكم، والتي تعتبر استمراراً لاجتماعات القمة بين قادة البلدين منذ اجتماع الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي الراحل فرانكلن روزفلت في عام 1945، والذي تأسست خلاله العلاقة التاريخية والاستراتيجية القائمة بين البلدين الصديقين.

وأضاف البيان “قد تم بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، والاستمرار في تعزيزها وتطويرها في كافة المجالات بما يدعم المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما، كما تم خلال المباحثات استعراض عدد من الموضوعات الاقتصادية والإقليمية والدولية، بما في ذلك أهمية حل النزاع العربي الإسرائيلي استناداً إلى القرارات الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية”.

وأوضح “كما تم بحث الملف النووي الإيراني في إطار المفاوضات الجارية بين مجموعة دول (5 + 1) وإيران، وأهمية الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب والتطرف بكافة أشكاله وصوره، وبحث الأوضاع في المنطقة، بما في ذلك الأزمة السورية وتداعيات الوضع في اليمن، كما تطرقت المباحثات إلى أهمية العمل على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وفي الجانب الاقتصادي، أكد الجانبان على أهمية الإستثمارات والتبادل الإقتصادي بين البلدين، وفي الختام أعرب الزعيمان عن حرصهما على إستمرار الجهود المشتركة والتنسيق المكثف بين البلدين الصديقين في كافة المجالات، خدمة لشعبيهما وللأمن والاستقرار في المنطقة والعالم أجمع.

حضر اللقاء من الجانب السعودي، ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز، وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، ووزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله، ورئيس الاستخبارات الأمير خالد بن بندر، ووزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي الأمير محمد بن سلمان، ووزير المالية إبراهيم العساف، والسفير السعودي في أميركا عادل الجبير.

OBAMA-SALMAN

أبعاد القمة ودلالاتها

وفي سياق القراءة الإستراتيجية لأبعاد هذه القمة ودلالاتها، أشار عدد من الخبراء إلى أن اصطحاب الرئيس الأميركي باراك أوباما لوفد كبير من الجمهوريين والديمقراطيين والمسؤولين الحاليين والسابقين يدل على سعي الإدارة الأميركية لتوثيق علاقاتها مع المملكة العربية السعودية وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي في مواجهة عدد كبير من القضايا الإقليمية التي تواجه المنطقة، ومن أبرزها تنظيم داعش في العراق والشام والوضع المتدهور في اليمن والطموح النووي الإيراني، إضافة إلى ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

كان البيت الأبيض قد أعلن أسماء الوفد المرافق للرئيس أوباما إلى المملكة العربية السعودية لتقديم التعازي في وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز والاجتماع مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. وأوضح البيت الأبيض أن الرئيس أوباما رأس وفدا من 30 شخصية أميركية هامة ترتبط بعلاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية. ومن أبرز المسؤولين السابقين الذي رافقوا الرئيس أوباما إلى المملكة، السياسي المخضرم جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق والذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع مسؤولين سعوديين كبار، وكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة في عهد الرئيس جورج بوش وثلاثة من كبار المسؤولين الذين تولوا منصب مستشار الأمن القومي وهم، برنت سكوكروفت وساندي بيرغر وستيفن هادلي إضافة إلى فرانسيس فراغوس تاونسند مستشار مكافحة الإرهاب السابق في إدارة الرئيس جورج بوش.

وأكد وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر – في تصريحات للصحافيين المرافقين لوفد وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المملكة – حرصه على المشاركة في الوفد لإظهار حجم التقدير الذي تكنه الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية وإظهار قوة العلاقات وقال: «هذا هو وقت حرج وحساس للغاية في الشرق الأوسط وفي الوقت الذي يبدو فيه أن كل شيء ينهار فإن المملكة تبدو واحة للاستقرار».وأضاف بيكر: «إذا نظرنا إلى المنطقة وما حدث خلال الأيام الماضية في اليمن فإننا نرى المملكة العربية السعودية مطوقة تقريبا من كل جانب بدول تواجه مشكلات صعبة للغاية إذا لم نقل إنها دول فاشلة».

فيما أشار السيناتور جون ماكين للصحافيين على متن الطائرة إلى أنه لا يتوقع أي تغييرات كبيرة في السياسة السعودية في عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز وقال: «سأكون مندهشا إذا كان هناك أي تغييرات في سياساتهم». وشدد ماكين على أن المملكة العربية السعودية تعد حصنا ضد التوسع الإيراني وقال: «إيران تحاول توسيع نفوذها في البحرين والعراق ولبنان وسوريا واليمن والسعودية ضد الحصن الأساسي ضد هذا التوسع».

وأشار محللون إن هذا الوفد الرئاسي الذي يضم أسماء من «الوزن الثقيل» والذين تمت دعوتهم للمشاركة في الوفد الرئاسي للمملكة على عجل خلال اليومين الماضيين يسلط الضوء على الأهمية التي تعلقها الولايات المتحدة على علاقاتها مع المملكة العربية السعودية لدورها القيادي في المنطقة. وترغب واشنطن في تعزيز التعاون الاستخباراتي وجهود مكافحة الإرهاب مع الرياض.

وقالت جين ساكي، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية: «هذا الوفد يضم أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهذا يعني أن الإدارة الأميركية تسعى لتعزيز العلاقات الثنائية مع المملكة العربية السعودية وإلى التعاون الوثيق في القضايا التي تهم البلدين، وقد كان للمملكة العربية السعودية دور هام في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش وجهود التوصل لحل الدولتين خلال المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية».

وقال أحد مساعدي زعيمة الأقلية الديمقراطية بالكونغرس نانسي بيلوسي: «إن الغرض الرسمي للزيارة هو تقديم التعازي في وفاة الملك عبد الله، ووجود وفد كبير بهذا المستوى الرفيع من المسؤولين الحاليين والسابقين ورجال الكونغرس يعني السعي لضمان أن مصالح الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية وفي منطقة الشرق الأوسط لن تتأثر بتغيير القيادة في المملكة، خاصة فيما بتعلق بالمصالح المشتركة».

وأشار سايمون هندرسون، الخبير في العلاقات الأميركية السعودية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى أن «زيارة الرئيس أوباما بهذا الوفد رفيع المستوى إلى المملكة السعودية تعنى أن السؤال الأكثر إثارة للرئيس أوباما الذي يسعى للحصول على إجابة عليه هو ما إذا كان الملك سلمان بن عبد العزيز سيتخذ سياسات مختلفة عن سلفه، وسيكون لديه أولويات مختلفة عن الملك عبد الله».

وأشار هندرسون إلى أن واشنطن تكافح مع تفاقم الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وتعول على المملكة العربية السعودية في معالجة الكثير من القضايا، ومنها الحملة ضد «داعش» في العراق وسوريا، كما يسبب تدهور الأوضاع في اليمن وإستقالة الحكومة اليمنية صداعا أمنيا للولايات المتحدة، مع مخاوف من إنتكاس جهود الولايات المتحدة في مكافحة تنظيم القاعدة في اليمن، إضافة إلى طمأنة السعوديين بإلتزام واشنطن بالحد من النفوذ الإقليمي لإيران.

وأوضح الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن العلاقات الأميركية السعودية شهدت فترات من التوتر أحيانا بسبب الخلافات حول طريقة إدارة أوباما في التعامل مع الملف النووي الإيراني والإحباط السعودي من فشل سياسات الإدارة الأميركية في بذل مزيد من الجهد لحل الأزمة السورية.

كما أشار معلقون أميركيون متخصصون في شؤون البيت الأبيض إلى أن زيارة أوباما إلى الرياض، وبقاءه نحو أربع ساعات مع الملك سلمان بن عبد العزيز، تمثل رسالة قوية لمساندة واشنطن المملكة، خصوصاً أن الرئيس الأميركي نادراً ما يقوم بزيارة خارجية عند وفاة زعيم أي دولة، بإستثناء حضوره جنازة رئيس جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا في عام 2013.

وقال نائب مستشارة الأمن القومي الأميركي بنجامين رودز إن الزيارة “فرصة لنا للتأكد من أننا نصطف بشكل جيد للمضي إلى الأمام، حيث تكون لنا مصالح متقاطعة”. وأشار إلى تأكيد خادم الحرمين الشريفين، في أول خطاب له بعد توليه الحكم، إستمراره في السياسات التي ظلت السعودية تنتهجها. وشدد رودز على أن القمة السعودية – الأميركية تطرقت إلى القضايا الرئيسية التي يوجد فيها تعاون وثيق بين البلدين، ومنها الحملة ضد “داعش”، والوضع في اليمن. وإستبعد نائب مستشارة الأمن القومي الأميركي أن يكون النفط ضمن قضايا قمة الرياض  وقال: “بصراحة نجري الحوار بهذا الشأن مع السعوديين عبر القنوات التي تعمل حكومتنا من خلالها في ما يتعلق بسياسة الطاقة”.

————————————–

(*) اعداد هشام يحيى